أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ – #ماجد_دودين
عشرة أحاديث صحيحة حول:” أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ”… جعلنا الله سبحانه وتعالى من هؤلاء.
قال الحبيب المحبوب المصطفى صلى الله عليه وسلّم:
( أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، و أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً ، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا ، و لأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا ، و مَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ ، و مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ ، و لَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ ، و مَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ ، [ و إِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ ] الراوي: عبد الله بن عمر | المحدث: الألباني | المصدر: السلسلة الصحيحة – الصفحة أو الرقم: 906 | خلاصة حكم المحدث: صحيح – التخريج: أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (6026)، وأبو الشيخ في ((التوبيخ والتنبيه)) (97) باختلاف يسير.
كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم -لحرصِهم على الطَّاعاتِ وما يُقرِّبُ مِن رِضا اللهِ عزَّ وجلَّ- كثيرًا ما يسأَلون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أفضَلِ الأعمالِ، وأكثرِها قُربةً إلى اللهِ تَعالى، فكانت إجاباتُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تختلِفُ باختلافِ أشخاصِهم وأحوالِهِم، وما هو أكثرُ نفعًا لكلِّ واحدٍ منهم.
وفي هذا الحديثِ يقول النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفَعُهم للناسِ”، أي: أكثَرُ مَن يَنتفِعُ الناسُ بهم، وهذا لا يَقتصِرُ على النَّفعِ المادِّيِّ فَقَطْ، ولكنَّه يمتَدُّ ليشمَلَ النَّفعَ بالعِلمِ، والنَّفعَ بالرَّأْيِ، والنَّفعَ بالنَّصيحَةِ، والنَّفعَ بالمَشورةِ، والنَّفعَ بالجاهِ، والنَّفعَ بالسُّلطانِ، ونحوَ ذلك، فكُلُّ هذه من صُوَرِ النَّفعِ التي تجعَلُ صاحِبَها يشرُفُ بحُبِّ اللهِ له، “وأحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ سُرورٌ يُدخِلُه على مُسلِمٍ”، أي: أنَّ أحَبَّ الأعمالِ: هي السَّعادَةُ التي تُدخِلُها على قَلبِ المُسلِمِ، وهذا يَختلِفُ باختِلافِ الأحوالِ والأفرادِ، فقد يتحقَّقُ السُّرورُ في قلْبِ المُسلِمِ بسُؤالِ أخيه عنه، وقد يتحقَّقُ بزيارةِ أخيه له، وقد يتحقَّقُ بهدِيَّةِ أخيه له، وقد يتحقَّقُ بأيِّ شَيءٍ سِوى ذلك، الأصْلُ أنْ تُدخِلَ السُّرورَ عليه بأيِّ طريقةٍ استطَعْتَ، “أو يَكشِفُ عنه كُربَةً”، والكُربَةُ: هي الشِّدَّةُ العظيمةُ التي تُوقِعُ صاحِبَها في الهَمِّ والغَمِّ، فمَنِ استطاعَ أنْ يَكشِفَ عن أخيه كُرُبَه، ويَرفَعَ عنه غَمَّه، فقد وُفِّقَ بذلك إلى أفضَلِ الأعمالِ، “أو يَقضي عنه دَينًا”، أي: تَقْضي عن صاحِبِ الدَّينِ دَينَه؛ وذلك فيمن يَعجَزُ عن الوفاءِ بدَينِه، “أو تطرُدُ عنه جُوعًا”، أي: بإطعامِه أو إعطائِه ما يقومُ مَقامَ الإطعامِ، “؛ ولِأَنْ أَمشِيَ معَ أخٍ لي في حاجَةٍ أحَبُّ إليَّ مِن أنْ أَعتكِفَ في هذا المسجِدِ، يعني: مسجِدَ المدينَةِ شَهرًا”، ففي قولِه هذا إشارةٌ إلى فضْلِ المشْيِ مع المُسلِمينَ في قَضاءِ حوائِجِهم، وتَيسيرِ العَقَباتِ لهم، حتى جاوَز هذا الفضْلُ الاعتكافَ في مسجِدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا يَدُلُّ هذا إلَّا على عَظيمِ فضْلِ السَّعيِ بين المُسلِمينَ لقَضاءِ حوائجهم، “ومَن كَفَّ غَضَبَه سَتَرَ اللهُ عَورَتَه”، وفيه إرشادٌ إلى ما يَجِبُ أنْ يأخُذَ المُسلِمُ به نفسَه وقتَ الغَضَبِ، من كَفِّ الغَضَبِ وكظْمِ الغَيظِ، وأنَّ عاقِبَةَ ذلك طَيِّبةٌ، وهي سَترُ اللهِ عزَّ وجلَّ لعَورَتِه، “ومَن كَظَمَ غيظَه، ولو شاءَ أنْ يُمضِيَه أمضاهُ مَلَأَ اللهُ قلْبَه رَجاءً يومَ القيامَةِ”، وهذا فضْلُ مَن كَظَمَ غيظَه للهِ، مع استطاعَتِه أنْ يُمضِيَ غيظَه، ولكِنَّه كَظَمَه ومَنَعَه للهِ؛ ولأنَّ هذا الأمرَ عزيزٌ على النَّفسِ، فكان فضْلُه عظيمًا، “ومَن مَشى معَ أخيه في حاجَةٍ حتى تتهيَّأَ له”، أي: حتى تُقْضى له، “أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَه يوم تَزولُ الأقدامُ”، أي: ثبَّت اللهُ قَدَمَه يومَ القيامَةِ على الصِّراطِ.
ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “وإنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفسِدُ العَمَلَ، كما يُفسِدُ الخَلُّ العَسَلَ”، خَتَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذه العِباراتِ، وهذا الإرشادِ، بعدَ أنْ أرشَدَ السائِلَ إلى أحَبِّ الأعمالِ إلى اللهِ تَعالى، وكأنَّه أرادَ أن يقولُ له: إنْ فَعَلتَ هذه الأعمالَ الصالِحَةَ، فإيَّاك أنْ يَفوتَك حُسْنُ الخُلُقِ؛ فإنَّ سوءَ الخُلُقِ يُفسِدُ الأعمالَ الصالِحَةَ، فَسادًا عَظيمًا، كما يفسُدُ العَسَلُ إذا وُضِعَ عليه الخَلُّ، فعليكَ -إذنْ- أنْ تَجتنِبَ سوءَ الخُلُقِ؛ فإنَّ سوءَ الخُلُقِ يُحبِطُ الأعمالَ، ويُضيعُ الثَّوابَ. وفي الحديثِ: الحثُّ على مَكارِمِ الأخلاقِ والتَّحذيرُ من سُوءِ الخُلُق.
الحديث الثاني: (مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ، وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ، وَمَن بَطَّأَ به عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ. الراوي: أبو هريرة | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 2699 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح] – التخريج: من أفراد مسلم على البخاري
حَثَّ الشَّرعُ على التَّحلِّي بالفضائلِ ومَحاسنِ الأخلاقِ، مِثلِ قَضاءِ حَوائجِ النَّاسِ والتَّيسيرِ عليهم ونَفْعِهم بِمَا يَتَيَسَّرُ من مالٍ وعِلمٍ أو مُعاونَةٍ أو مُشاورَةٍ. وفي هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «مَن نَفَّسَ عن مُؤمنٍ كُربةً»، أي: رَفَعَ عن مُؤمنٍ حُزنًا وعَناءً وشِدَّةً، ولو كان يَسيرًا، فيكونُ الثَّوابُ والأجْرُ أنْ يُنَفِّسَ اللهُ عنه كُربةً مِن كُرَبِ يومِ القِيامةِ، وتَنْفيسُ الكُرَبِ إحسانٌ، فجَزاه اللهُ جَزاءً وِفاقًا، «ومَن يَسَّرَ على مُعسِرٍ»، والتَّيسيرُ على المُعسِرِ في الدُّنيا مِن جِهةِ المالِ يكونُ بأحَدِ أمْرَينِ: إمَّا بإنْظارِه إلى المَيسَرةِ، وتارَّةً بالوضْعِ عنه إنْ كان غَريمًا، أي: عليه دَينٌ، وإلَّا فبإعْطائِهِ ما يَزولُ به إعسارُه، وكِلاهُما له فَضلٌ عَظيمٌ، وجَزاؤُه أنْ يُيسِّرَ اللهُ عليه في الدُّنيا والآخِرةِ مُقابلَ تَيسيرِه على عَبدِه؛ مُجازاةً له بجِنسِ عَملِه، «ومَن سَتَرَ مُسلِمًا»، أي: رآهُ على قَبيحٍ فلم يُظهِرْه للناسِ، فيَكونُ جَزاؤُه أنْ يَستُرَه اللهُ في الدُّنيا، أي: يَستُرَ عَوْرتَه أو عُيوبَه، ويَستُرَه في الآخِرةِ عن أهْلِ المَوقِفِ. وهذا فِيمَن كان مَستورًا لا يُعرَفُ بشَيءٍ مِن المعاصي، فإذا وَقَعَت منه هفْوةٌ أو زَلَّةٌ، فإنَّه لا يَجوزُ هتْكُها ولا كشْفُها ولا التَّحدُّثُ بها، وليْس في هذا ما يَقْتضي تَرْكَ الإنكارِ عليه فيما بيْنه وبيْنه. وقَولُه: «واللهُ في عَونِ العَبْدِ ما كان العَبْدُ في عَونِ أخيهِ»، أي: مَن أعانَ أخاهُ أعانَه اللهُ، ومَن كان ساعيًا في قَضاءِ حاجَاتِ أخيهِ، قَضى اللهُ حاجاتِه؛ فالجزاءُ مِن جِنسِ العمَلِ.
وأخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ «مَن سَلَكَ طَريقًا يَلتمِسُ فيه عِلْمًا»، وهذا يَشمَلُ الطَّريقَ المَعنويَّ والطَّريقَ الحِسِّيَّ؛ فأمَّا المعنويُّ فهو الطَّريقُ الَّذي يُتوصَّلُ به إلى العِلمِ؛ كحِفظِ العِلمِ، ومُدارستِه ومُذاكرتِه، ومُطالعتِه وكِتابتِه، والتَّفهُّمِ له، بأنْ يُلتمَسَ العِلمُ مِن أفواهِ العُلماءِ ومِن بُطونِ الكُتبِ؛ فمَن يَستمِعُ إلى العُلماءِ، أو يُراجِعُ الكتُبَ ويَبحَثُ فيها -وإنْ كان جالِسًا-؛ فإنَّه قدْ سلَكَ طَريقًا يَلتمِسُ فيه عِلمًا، وأمَّا الطَّريقُ الحِسيُّ فهو الَّذي يَجتهِدُ فيه المرءُ، ويَسيرُ فيه على الأقدامِ؛ مِثلُ أنْ يَأتيَ الإنسانُ مِن بَيتِه إلى مَكانِ العِلمِ، سَواءٌ كان مَكانُ العِلمِ مَسجِدًا، أو مَدرسةً، أو جامِعةً، أو غيرَ ذلك، «سَهَّلَ اللهُ له به طَريقًا إلى الجَنَّةِ»، أي: يَسَّرَ اللهُ له عمَلًا صالحًا يُوصِلُه إلى الجنَّةِ بفَضلِ اللهِ ورِضوانِه عليه، فيُوَفِّقُه للأعمالِ الصَّالِحةِ، أو المُرادُ: سَهَّلَ عليه ما يَزيدُ به عِلمُه؛ لأنَّه أيضًا مِن طُرقِ الجنَّةِ، بلْ هو أقرَبُها؛ لأنَّ العِلمَ الشَّرعيَّ تُعرَفُ به أوامِرُ اللهِ ونَواهيهِ، فيُستَدَلُّ به على الطَّريقِ الَّذي يُرضِي اللهَ عزَّ وجَلَّ، ويُوصِلُ إلى الجنَّةِ، ويكونُ طلَبُ العِلمِ وتَحصيلُه باتِّخاذِ كلِّ الوسائلِ المُستَطاعةِ وإنْ لم يكُنْ هناك سفَرٌ؛ كأنْ يُلازِمَ مَجالِسَ العِلمِ، ويَقتنيَ الكُتبَ النَّافِعةَ المُفيدةَ لأجْلِ دِراستِها والمُذاكَرةِ فيها.
وأخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه «مَا اجْتَمَعَ قَومٌ في بَيتٍ مِن بُيوتِ اللهِ» ويُلحَقُ بها دُورُ العِلمِ ونَحوُها، وبُيوتُ اللهِ في الأرضِ المَساجدُ، وأضافَ اللهُ عزَّ وجلَّ هذه الأماكِنَ إلى نَفسِه تَشريفًا وتَعظيمًا، ولأنَّها مَحَلُّ ذِكرِه، وتِلاوةِ كَلامِه، والتَّقرُّبِ إليه بالصَّلاةِ. «يَتلونَ كِتابَ اللهِ، ويَتَدارسونَه بَيْنهم»، بأنْ يَقرَأَه بَعضُهم على بَعضٍ، ويَتَدبَّروا مَعانيَه، ويَتَدارَسوا أحكامَه، ويَتَعهَّدوه خَوفَ النِّسيانِ؛ إلَّا مَنَحَهم اللهُ عزَّ وجلَّ الأجْرَ الجَزيلَ فَضلًا منه سُبحانَه وكَرَمًا، ثمَّ يُبيِّنُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَضْلَ الاجتِماعِ عَلى تِلاوةِ القُرآنِ في المَسجِدِ ومُدارسَتِه، وأنَّ اللهَ يَمنَحُ لِمَن جَلَسَ هذه المَجالِسَ أربَعَ مِنَحٍ، أوَّلُها: أنَّ ذلك سَببٌ في نُزولِ السَّكينَةِ عليهم، وهي ما يَحصُلُ به صَفاءُ القلبِ بنُورِ القُرآنِ وذَهابِ ظُلْمتِه النَّفْسانِيَّةِ، مع الطُّمأنينةِ والوقارِ، ومِن ثَمَّ يَكونُ مُطمَئنًّا غَيرَ قَلِقٍ ولا شاكٍّ، راضيًا بقَضاءِ اللهِ وقَدَرِه. وهذه السَّكينةُ نِعمةٌ عَظيمةٌ مِن اللهِ تَعالَى، قالَ عنها: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4]. والمِنحةُ الثَّانيةُ: «وغَشِيَتْهُم»، أي: غَطَّتْهُم وسَتَرَتْهُم رَحمةُ اللهِ عزَّ وجلَّ. والمِنحةُ الثَّالثةُ: «وحَفَّتْهُم الملائِكَةُ»، أي: الْتَفُّوا حَوْلَهم؛ تَعظيمًا لصَنيعِهم، واستِماعًا لذِكرِهم اللهَ عزَّ وجلَّ، وليَكونوا شُهداءَ عليْهم بيْنَ يَدَيِ اللهِ عزَّ وجلَّ. والمِنحةُ الرَّابِعةُ: «وذَكَرَهمُ اللهُ فِيمَن عندَه» مِن المَلَأِ الأَعْلَى، وهي الطَّبقَةُ الأُولى مِنَ المَلَائِكَةِ، ذَكَرَهم اللهُ تَعالَى مُباهاةً بِهم.
ثُمَّ يَختِمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحديثَ بالحثِّ على عُلُوِّ الهِمَّةِ في العِلمِ والعَمَلِ، وعَدَمِ التَّواكُلِ على الحَسَبِ أو النَّسَبِ، أو أيِّ عَرَضٍ مِن أعْراضِ الدُّنيا، فيُبَيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «أنَّ مَن بَطَّأَ به عَمَلُه لم يُسْرِعْ به نَسَبُه»، مَن كان عَمَلُه ناقصًا، لم يُلْحِقْه نَسبُهُ بمَرْتَبةِ أَصحابِ الأَعْمالِ؛ فَيَنْبَغي ألَّا يَتَّكِلَ على شَرَفِ النَّسَبِ، وفَضيلَةِ الآباءِ، ويُقَصِّرَ في العَمَلِ.
وفي الحديثِ: أنَّ الجزاءَ مِن جِنسِ العملِ. وفيه: فَضيلةُ إعانةِ الغيرِ. وفيه: الحثُّ على طَلبِ العلمِ وتِلاوةِ القرآنِ وتَدارُسهِ.
الحديث الثالث: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولَا يُسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حَاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ.
الراوي: عبدالله بن عمر | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 2442 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح]- التخريج: أخرجه مسلم (2580) باختلاف يسير
بَنى الإسلامُ مُجتمَعَ المسلمين على أساسٍ مَتينٍ منَ الأُخوَّةِ والتَّآزُرِ فيما بيْنهم، فقال اللهُ تعالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما يَنْبغي أنْ يكونَ عليه المُسلِمُ تُجاهَ أخيهِ المسلمِ، فيُبيِّنُ أنَّ المسلِمَ -سواءٌ كان حرًّا أو عبْدًا، بالغًا أو غيرَ بالِغٍ- أخُو المسلِمِ في الإسلامِ، لا يَقومُ بظُلمِه؛ فإنَّ اللهَ سُبحانه حرَّمَ قَليلَ الظُّلمِ وكَثيرَه، وفي الوقتِ نفْسِه لا يَترُكُه إلى الظُّلمِ دونَ أنْ يُعِينَه، ولا يَترُكُه مع مَن يُؤذِيه دونَ أنْ يَحمِيَه قدْرَ استطاعتِه. ويُخبِرُ أنَّ مَن سَعَى في قَضاءِ حاجةِ أخيه المسلمِ، أعانَهُ اللهُ تعالَى وسَهَّل عليه قَضاءَ حاجتِه. ومَن ساعَدَ مُسلِمًا في كُربةٍ نزَلَت به مِن كُرُباتِ الدُّنيا، أي: في غمٍّ يُؤثِّرُ في نفْسِه، أو في مُصيبَةٍ مِن مَصائبِ الدُّنيا حتَّى يَزولَ غَمُّه ومُصِيبتُه؛ أزالَ اللهُ عنه مُصيبةً وهَوْلًا مِن أهْوالِ يومِ القيامةِ. ومَن اطَّلَع مِن أخِيه على عَوْرَةٍ أو زَلَّةٍ، فسَتَره ولم يَفْضَحْه، سَتَره اللهُ يومَ القيامةِ. ولا يَعني هذا أنْ يَسكُتَ عن مَعصيةٍ إنْ رآهُ مُتلبِّسًا بها، بلْ يَجِبُ عليه نُصْحُه والإنكارُ عليه بما شُرِعَ مِن وَسائلِ الإنكارِ حتَّى يَنتهِيَ عن مَعصيتِه، فهذا مِن النَّصيحةِ الواجبةِ.
الحديث الرابع ( المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كالْبُنْيانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. ثُمَّ شَبَّكَ بيْنَ أصابِعِهِ. وكانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالِسًا، إذْ جاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ -أوْ طالِبُ حاجَةٍ- أقْبَلَ عليْنا بوَجْهِهِ، فقالَ: اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، ولْيَقْضِ اللَّهُ علَى لِسانِ نَبِيِّهِ ما شاءَ.) الراوي: أبو موسى الأشعري | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 6026 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح]التخريج: أخرجه البخاري (6026، 6027)، ومسلم (2585) مختصراً.
أقام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المُجْتَمعَ المُسلِمَ على عَلاقةِ الأُخوَّةِ في الدِّينِ، وجَعَلَها أشدَّ مِن أُخوَّةِ النَّسبِ والدَّمِ؛ لأنَّ دِينَ المَرءِ هو لَحْمُهُ ودَمُهُ.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «المؤمنُ للمؤمنِ كالبُنْيانِ، يَشُدُّ بعضُهُ بعضًا»، أي: كمِثْلِ تَماسُكِ البِناءِ وقوَّتِهِ، والمُرادُ: كلُّ مُؤمنٍ كاملِ الإيمانِ يكونُ مِن تَمامِ إيمانِهِ أنْ يُساعِدَ أخاهُ المؤمنَ ويُسانِدَهُ بما فيه نَفْعُهُ في الدُّنيا والآخِرةِ، أو يَنْبَغي لكلِّ مُؤمنٍ أنْ يكونَ كذلك، «ثُمَّ شبَّكَ بيْن أصابِعِهِ»، أي: أَدْخَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَصابِعَ إحْدى يَدْيهِ في الأُخْرى؛ ليُصوِّرَ حالةَ التَّرابُطِ بيْن المؤمنين، ويُبَيِّنَ أنَّ التَّداخُلَ والتَّرابُطَ بيْنهم كتَشابُكِ أدواتِ البِناءِ وتَداخُلِ بعضِها في بعضٍ.
وقالَ أبو مُوسى الأَشْعريُّ رَضِيَ اللهُ عَنْه: «وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالِسًا، إذْ جاء رَجُلٌ يَسأَلُ -أو طالِبُ حاجةٍ-»، أي: يَسْعى بطَلَبِهِ وحاجتِه إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَتوجَّهُ بها إليه، فتَوجَّهَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى الصَّحابَةِ بوَجْهِهِ؛ ليُنبِّهَهُمْ ويُرْشِدَهُمْ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لهم: «اشْفَعوا»، أي: تَوسَّطوا في طَلَبِ حاجاتِ النَّاسِ وقَضائِها، وارْفَعُوها لمَن يَقْضِيها، وهذا على وَجْهِ العُمومِ، والمعنى المقصودَ هنا أنْ يُبَلِّغوا حاجاتِ النَّاسِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، «فلْتُؤجَروا»، أي: فتَنالوا الأَجْرَ، وتَأخُذوا الثَّوابَ مِن اللهِ تعالَى، «وليَقْضِ اللهُ على لِسانِ نبيِّهِ ما شاء»، أي: ولْيُجْرِ الله على لِساني ما شاء؛ فإنْ قَضَيتُ حاجةً ممَّا شَفَعْتُم فيه فهو بتَقْديرِ اللهِ، وإنْ لم أَقْضِ فهو أيضًا بتَقْديرِ اللهِ، ومِن قَضاءِ اللهِ وحُكْمِهِ الذي أَجْراه على لِسانِ نبيِّه: أنَّ مَن تَوسَّطَ بالخيرِ وكان سَببًا في قَضاءِ حاجاتِ النَّاسِ؛ فإنَّه يُؤجَرُ ويُثابُ، على أنَّ الشَّفاعَةَ يَنْبَغي أنْ تكونَ في الخيرِ والمعروفِ، وليس فيما يُبْغِضُه اللهُ مِنَ المَعاصي، ولا في الحُدودِ ونحوِها بعْدَ رفْعِها للإمامِ.
وفي الحديثِ: الحَضُّ على الشَّفاعةِ للمؤمنين في حوائِجِهم. وفيه: الحضُّ على الخيرِ بالفِعلِ، وبالتسَبُّبِ إليه بكُلِّ وجهٍ حتى يحصُلَ الأجرُ بذلك. وفيه: أنَّ الشَّافِعَ مأجورٌ وإن لم تُقْضَ الحاجةُ بشفاعتِه.
الحديث الخامس: “دخَلتُ على معاويةَ فقالَ: ما أنَعمَنا بِكَ أبا فلانٍ – وَهيَ كلِمةٌ تقولُها العرَبُ – فقلتُ: حديثًا سَمِعْتُهُ أخبرُكَ بِهِ، سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: مَن ولَّاهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ شيئًا من أمرِ المسلمينَ فاحتَجبَ دونَ حاجتِهِم، وخلَّتِهِم وفَقرِهِم، احتَجبَ اللَّهُ عنهُ دونَ حاجَتِهِ وخلَّتِهِ، وفقرِهِ قالَ: فجعلَ رجلًا علَى حوائجِ النَّاسِ) الراوي: أبو مريم الأزدي | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح أبي داود- الصفحة أو الرقم: 2948 | خلاصة حكم المحدث: صحيح – التخريج: أخرجه أبو داود (2948) واللفظ له، والترمذي (1332)، وأحمد (18062)
كان أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتَناصحونَ فيما بَيْنَهم، وكانوا حَريصِينَ على الخيرِ لبَعْضِهِم البَعضِ. وفي هذا الحَديثِ يُقدِّمُ أبو مَريمَ الأَزْدِيُّ لمُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ نصيحةً حينَما دَخَل عليه، فقال له: “ما أَنْعَمَنا بِكَ أبا فُلانٍ، وهي كلمةٌ تَقولُها العربُ” لِمَنْ يُعْتَدُّ بزيارَتِه ويُفْرَحُ بلِقائِه، “فقلتُ: حديثًا سَمِعتُه أُخْبِرُك بِه؛ سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: مَنْ ولَّاه اللهُ عزَّ وجلَّ شيئًا مِن أَمْرِ المسلمينَ” وشؤونِهِمْ، “فاحْتَجَب”، أي: فامْتَنَع، عَنِ الخروجِ إليهِم، ولم يَكُنْ على اتِّصالٍ بهِم ولَمْ يَقْضِ “خَلَّتَهم”، يعني: حاجاتِهِم، ولم يَسُدَّ فَقْرَهم؛ فمَنْ عامَل النَّاسَ هذه المعاملةَ فسوف يَكونُ جزاؤُه مِنْ جِنْسِ عَمَلِه، وهو أنْ يَحْتَجِبَ اللهُ عنه، فيَبْعُدَ عنه ويَمنَعَه حاجتَه وخَلَّتَه وفَقْرَه، فلا يُجيبُ دَعوتَه. فعِنْدما سَمِعَ معاويةُ رَضِيَ اللهُ عنه ما قالَه جَعَلَهُ على حَوائجِ النَّاسِ لقَضائِها وإيصالِها إليهِم؛ لأنَّهُ ناصِحٌ أمينٌ، ويَعْلَمُ واجباتِ الإمامِ والأميرِ، وسيَسْعى في حَلِّ حوائجِ النَّاسِ، وهذا مِنْ مُسارَعةِ مُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه وتَنفيذِه للنَّصيحةِ.
الحديث السادس:((أفضلُ الأعمالِ أن تُدخِلَ على أخيك المؤمنِ سرورًا، أو تقضى عنه دَيْنًا، أو تطعمَه خبزًا)
الراوي: عبدالله بن عمر وأبو هريرة | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 1096 | خلاصة حكم المحدث: صحيح
كان الصَّحابةُ رضِي اللهُ عنهم -لحِرصِهم على الطَّاعاتِ وما يُقرِّبُ مِن رِضا اللهِ عزَّ وجلَّ- كثيرًا ما يسأَلون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن أفضلِ الأعمالِ، وأكثرِها قُربةً إلى اللهِ تعالى، فكانتْ إجاباتُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تختلِفُ باختلافِ أشخاصِهم وأحوالِهم، وما هو أكثرُ نفعًا لكلِّ واحدٍ منهم. وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “أفضلُ الأعمالِ أنْ تُدْخِلَ على أخيك المُؤْمِنِ”، والمرادُ بالأُخُوَّةِ أُخُوَّةُ الدِّينِ لا أُخُوَّةُ النَّسَبِ، “سُرورًا”، أي: تُقدِّمُ له مِن الأسبابِ التي تَشْرَحُ صدْرَه وتُسْعِدُه، “أو تَقْضيَ عنه دَيْنًا”، أي: يَسعَى في قَضائِهِ كاملًا أو جزءًا منه أو المقدورِ عليه، “أو تُطْعِمَه خُبْزًا”، والمُرادُ الخُبْزُ وما فوقَه من أنواعِ الطَّعامِ المقدورِ عليها، وإنما خُصَّ الخُبْزُ لعُمومِ وُجودِهِ حتى لا يَبْقى للإنسانِ عُذْرٌ في تَرْكِ الإطعامِ.
وفي الحديثِ: بيانُ أنَّ المُجتمَعَ المُسلِمَ لا بُدَّ أنْ يكونَ مُجتمَعًا مُتعاوِنًا مُتكاتِفًا. وفيه: الفضلُ العُظيمُ لإدخالِ السُّرورِ علَى المُؤمِنِ والترغيبُ في ذلك، ويَلزمُ منه الترهيبُ مِن إدخالِ الحُزنِ عليه بأيِّ سَببٍ.
الحديث السابع:” المؤمنُ مرآةُ المؤمنِ، والمؤمنُ أخُو المؤمنِ يكُفُّ عليه ضيْعتَه، ويَحوطُه من ورائِه”.
الراوي: أبو هريرة | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح أبي داود – الصفحة أو الرقم: 4918 | خلاصة حكم المحدث: حسن – التخريج: أخرجه أبو داود (4918) واللفظ له، والبزار (8109)، والطبراني في ((مكارم الأخلاق)) (92).
أقامَ الإسلامُ عَلاقةَ المسلِمينَ على التواصُلِ والمحبَّةِ والتناصُحِ في اللهِ، وأوجَبَ أنْ يُحفظَ على المسلِمينَ دِماؤهم وأعراضُهم وأموالُهم. وفي هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: “المؤمِنُ مِرآةُ المؤمنِ”، أي: المؤمنُ يجبُ أنْ يكونَ عَينًا لأخيهِ على نفسِه، فيرشِدُه ويَنصحُه إلى مَعايبِه؛ ليُصلِحَها، فيكونُ المسْلمُ لأخِيه كالمِرآةِ يرَى فيها نفْسَه بكلِّ ما فيها مِن حُسنٍ أو قُبحٍ. والمؤمِنُ أخو المؤمِنِ، يكُفُّ عليهِ ضيعَته”، أي: يحفَظُ عليهِ مالَه ولا يُضيِّعه، “ويَحوطُه مِن ورائِه”، أي: يحفظُ جميعَ شُؤونَ أخيهِ إذا غابَ؛ فيَحفظُ مالَه وأهلَه ومصالِحَه.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على التناصُحِ بينَ المسلمينَ. وفيهِ: إرْشادُ المسلمينَ إلى حِفظِ أموالهِم وأعراضِهم.
وفيه: أنَّ المسلِمَ يرعَى مصالحَ أخِيه في غِيابِه، ويحفظُ عليه أهلَه ومالَه.
الحديث الثامن: “من أقالَ مُسلمًا أقالَه اللَّه عثرتَه يومَ القيامةِ”. الراوي: أبو هريرة | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح ابن ماجه – الصفحة أو الرقم: 1800 | خلاصة حكم المحدث: صحيح
التخريج: أخرجه أبو داود (3460)، وابن ماجه (2199) واللفظ له، وعبدالله بن أحمد في ((زوائد مسند أحمد)) (7431)
حَثَّ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على التَّعامُلِ فيما بيننا بالحُسنى والرِّفقِ واللِّينِ، كما بيَّنَ فضْلَ تَفريجِ الكُرباتِ والتَّنفيسِ عن النَّاسِ. وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه: قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “مَن أقال مُسلمًا”، أي: وافَقَه على نَقضِ البيعِ وأجابه إليه بعدَما وقَع البيعُ؛ فالإقالةُ في الشَّرعِ: رَفْعُ العقدِ الواقعِ بين المُتعاقدَينِ، وصُورةُ إقالةِ البيعِ: إذا اشترَى أحدٌ شيئًا من آخرَ، ثمَّ ندِمَ على شرائِه؛ إمَّا لظُهورِ الغَبنِ فيه، أو لزوالِ حاجتِه إليه، أو لانعدامِ الثَّمنِ، فرَدَّ المبيعَ على البائعِ، وقبِلَ البائعُ رَدَّه. “أقالَه اللهُ عثرتَه يومَ القِيامةِ”، أي: أزال اللهُ مَشقَّتَه وعَثرتَه يومَ القيامةِ، فغفَرَ زَلَّتَه وخَطيئتَه؛ لأنَّه أحسَنَ إلى المُشتري؛ لأنَّ البيعَ كان قد بُتَّ، فلا يستطيعُ المُشتري فسخَه، فكان الجزاءُ من جِنسِ العملِ؛ لأنَّه لَمَّا مَنَّ على أخيه المُسلِمِ بعد أنْ ثبَتَ البيعُ واستقَرَّ، فأعاد إليه مالَه وأرجَعَ سِلعتَه؛ فاللهُ عَزَّ وجَلَّ أكرَمُ مِن عبدِه، فيمُنَّ عليه جَلَّ وعَلا في يومٍ يحتاجُ إليه. وفي الحديثِ: الحثُّ على المُعاملةِ بالتَّسامُحِ بين المُسلمينَ. وفيه: بيانُ أجرِ وفَضلِ إقالةِ العَثراتِ وتَفريجِ الكُرباتِ.
الحديث التاسع:” إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. وشَبَّكَ أصَابِعَهُ.” الراوي: أبو موسى الأشعري | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 481 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
بنَى الإسلامُ مُجتمَعَ المُسلِمينَ على أساسٍ مَتينٍ مِن الأُخوَّةِ والتآزُرِ فيما بيْنَهم؛ فقد أخْبَرَ اللهُ تعالى في كتابِه الكريمِ أنَّ المؤمنينَ إخوةٌ في الدِّينِ، والأُخُوَّةُ يُنافيها الحِقْدُ والبَغضاءُ، وتَقْتضي التَّوادُدَ والتَّناصُرَ، وقِيامَ الأُلْفةِ والمَحبَّةِ فيما بيْنَهم.وفي هذا الحديثِ يخبِرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ المؤمنينَ في تَآزُرِهم وتَماسُكِ كُلِّ فَرْدٍ منهم بالآخَرِ، كالبُنيانِ المَرْصوصِ الذي لا يَقْوَى على البَقاءِ إلَّا إذا تَماسَكَتْ أجزاؤُه لَبِنَةً لَبِنَةً، فإذا تفَكَّكَتْ سَقَطَ وانهارَ، وشَبَّكَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيْن أصابِعِه، إشارةً إلى أنَّ تعاضُدَ المؤمنينَ بيْنهم كتَشْبِيك الأصابِعِ بَعْضِها في بَعضٍ، فكما أنَّ أصابِعَ اليدينِ مُتعدِّدةٌ؛ فهي تَرجِعُ إلى أصلٍ واحدٍ، ورَجُلٍ واحدٍ، فكذلك المؤمنونَ وإنْ تعدَّدَت أشخاصُهم فهمْ يَرجِعونَ إلى أصْلٍ واحدٍ، وتَجْمَعُهم أُخُوَّةُ الإيمانِ.وهذا التَّشبيكُ مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ كان لمَصلحةٍ وفائدةٍ؛ فإنَّه لَمَّا شَبَّهَ المؤمنينَ بالبُنيانِ الذي يَشُدُّ بَعضُه بَعضًا، كان ذلك تَشبيهًا بالقَوْلِ، ثُمَّ أوضَحَه بالفِعْلِ، فشَبَّكَ أصابِعَه بَعْضَها في بعضٍ؛ لِيَتأكَّدَ بذلك المثالُ الذي ضَرَبَه لهم بِقَوْلِه، ويَزدادَ بَيانًا وظُهورًا.
الحديث العاشر: “ما من مُؤمِنٍ يُعَزِّي أخاه بمصيبةٍ، إلا كساه اللهُ سبحانه من حُلَلِ الكرامةِ يومَ القيامةِ”.
الراوي: محمد بن عمرو بن حزم | المحدث: الألباني | المصدر: السلسلة الضعيفة | الصفحة أو الرقم: 610 | خلاصة حكم المحدث: ضعيف [ثم تراجع الشيخ وصححه، انظر الصحيحة: 1 / 378] | التخريج: أخرجه ابن ماجه (1601) واللفظ له، وعبد بن حميد في ((المسند)) (287) باختلاف يسير، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (5296) مطولاً
مِن صفاتِ المؤمِنين أنَّهم كالجسَدِ الواحدِ، يَشعُرُ بعضُه ببعضٍ، والمسلِمون يُعينون بعضَهم في المصائبِ والملِمَّاتِ بالتَّصبيرِ والمؤازرةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِر عمرُو بنُ حزمٍ رَضِي اللهُ عَنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: “ما مِن مؤمنٍ يُعزِّي أخاه بمُصيبةٍ”، أي: في مالٍ أو ولَدٍ أو أهلٍ أو بدَنٍ أو ما شابَهَ، فيُواسيه ويَحُثُّه على الصَّبْرِ ويَرفُقُ به، “إلَّا كَسَاه اللهُ سبحانه مِن حُلَلِ الكرامةِ يومَ القيامةِ”، أيْ: مِن الحُلَلِ الدَّالَّةِ على الكَرامةِ عِندَه، أو مِن حُلَلِ أهلِ الكَرامةِ؛ لأنَّه كَسى قلبَ أخيه ثوبَ الصَّبرِ بتَعزيَتِه، وقد قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3]
وفي الحديثِ: عِظَمُ شأنِ الرِّفقِ بالمؤمنِ في كلِّ أمرٍ، وتَسْليته عمَّا يَحزُنُه. وفيه: أنَّ التَّعْزِيةَ لا تختَصُّ بِالمَوتِ، بل يعزَّى في المصائبِ.
الحديث الحادي عشر:
ألا أخبرُكم بأفضلَ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟ قالوا: بلى، قال: إصلاحُ ذاتِ البينِ، وفسادُ ذاتِ البينِ الحالِقةُ.
الراوي: أبو الدرداء | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح أبي داود – الصفحة أو الرقم: 4919 | خلاصة حكم المحدث: صحيح – التخريج: أخرجه أبو داود (4919)، والترمذي (2509) باختلاف يسير، وأحمد (6/ 444).
أقامَ الإسلامُ عَلاقةَ المسلمينَ على التواصُلِ والمحبَّة والتناصُحِ في اللهِ، وقِوامُ المجتَمعِ يَقومُ على التَّعارفِ والتعاوُنِ بينَ الناسِ؛ فإذا حَكمتِ العَلاقاتِ البَغضاءُ والتَّشاحُن؛ فإنَّ هذا يُنذِرُ بخَرابِ المجتَمعاتِ وضِياع الدِّينِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لأصحابِه رضيَ اللهُ عَنهم: “ألَا” استفتاحُ السُّؤالِ بـ(ألا)؛ للتَّنبيهِ والتَّحفيزِ إلى الأمْرِ الذي سَيذكُره، “أُخبِرُكم”، أي: عَن عَملٍ “بأفضلَ مِن دَرجةِ الصِّيامِ والصَّلاةِ والصَّدَقة؟” قالَ الصَّحابةُ: “بَلى”! قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: “إصْلاحُ ذاتِ البَينِ”، أي: السَّعيُ في إصلاحِ العَلاقاتِ بينَ الناسِ ورَفعِ ما بَينَهم مِن خُصوماتِ ودَفعِهم إلى الأُلفةِ والمحبَّةِ، وهوَ الأمرُ الأفضلُ في المنفَعةِ بينَ الناسِ وإقامةِ المجتمَعاتِ، وهو المعامَلاتُ والتواصُل؛ وذلكَ لأنَّ إصلاحَ ذاتِ البَينِ فيهِ مَنفعةٌ ظاهِرةٌ ومُباشرةٌ للجَميعِ. ثمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: “وفَسادُ ذاتِ البَينِ”، أي: إنَّ فسادَ ذاتِ البَينِ وتركَ السَّعيِ في الإصلاحِ يؤدِّي إلى “الحالِقة”، أي: القاطِعة والمُنْهية التي تأتِي على كلِّ شيءٍ وتحلِقُه وتقطَعُه من جُذورِه، سواءٌ مِن أمورِ الدِّين أو الدُّنيا؛ لأنَّها تُؤدِّي إلى التشاحُنِ بينَ الناسِ والتهاجُرِ وربَّما التقاتُل، هذا غَيرُ ما فيها مِن الأثرِ القَلبيِّ السيِّئِ على الإنسانِ، فيُفسِد قلبَه على إخوانِه؛ فلا يكونُ للدِّين والعِبادات أثرٌ ظاهرٌ في نَفْسِه أو مجتمَعِه. وفي الحديثِ: الحثُّ والترغيبُ على إصلاحِ العَلاقاتِ بينَ الناسِ. وفيهِ: بيانُ أنَّ إفسادَ العلاقاتِ بينَ الناسِ يَهدمُ الدِّينَ والدُّنيا.
المرجع – موقع الدرّر السنيّة – موسوعة الأحاديث