التاريخ_مدرسة

#التاريخ_مدرسة

د. #هاشم_غرايبه

خيبة أمل الشعوب العربية من قياداتها طالت كثيرا، لدرجة أنها ولدت الإحباط واليأس، وتفاقم ذلك الشعور لدرجة الاعتقاد أن هذه الأنظمة هي الأسوأ في التاريخ، قديمه وحديثه، لكن الحقيقة ليست كذلك، فقد شهد تاريخ هذه الأمة مراحل أكثر سوداوية، ورغم ذلك استطاع المخلصون الخروج بالأمة من حالة الخنوع للأعداء، وتحالف بعض الأنظمة معهم للاستقواء على بعضها البعض، الى مرابع العزة والكرامة المتمثلة بتحقيق النصر على الغزاة المحتلين.
لم تنعم ديار هذه الأمة بالاستقرار إلا فترة فتوة الدولة الإسلامية، قبلها تعاقب عليها احتلالات الإغريق والرومان والفرس، وبعد أن أعزها الله بالإسلام غدت القوة العظمى، فلم يجرؤ أحد من الطامعين عليها، وبقيت كذلك الى أن ضعف الالتزام بمنهج الله، فأصبحت أطماع المترفين من العرب بتولي الحكم غالبة، ومخافة الله لديهم غائبة، فسولت لهم نفوسهم الاستعانة بالاعداء للاستئثار بالحكم، عندها بدأت الدولة الاسلامية بالضعف، مما شجع الطامعين التقليديين (الأوروبيين) والجدد (المغول) على استهدافها بالإحتلال.
سأتناول فيما يلي إحدى أكبر المحن التي ألمّت بالأمة وهي احتلال القدس، والتي ثابر الصليبيون على مهاجمتها الى أن احتلوها في مثل هذه الأيام من عام 1099، ولكن الأمة ظلت لا تعترف باحتلالهم رغم مهادنة بعض الأمراء الخانعين لهم، بل ووصل الأمر ببعضهم (مثل الأخوين أميري دمشق وحلب) الى التحالف معهم للاستقواء على بعضهم البعض، ليتوسع الاحتلال الصليبي فيصل ما بين منطقة حران (جنوبي تركيا)، الى العريش جنوبا.
لقد نجت حرَّان من الاحتلال الصليبي بفضل التعاون والاتحاد بين أتابكية الموصل وإمارة الأراتقة بديار بكر التابعتين سياسيا لسلطان السلاجقة.
لما تولى “عماد الدين زنكي” ولاية الموصل، أدرك خطورة الصليبيين واستطالتهم على المسلمين، وأن سببها هو تشرذم المقاومة الإسلامية إلى ولايات متصارعة في أغلب الأوقات بين الأسر الحاكمة في أقاليم المنطقة: أتابكة الموصل، وأراتقة الجزيرة، وسلاجقة حلب، والبوريين في دمشق، ولذا عزم على توحيد هذه الجبهات في دولة واحدة ومواجهة الصليبيين في الوقت ذاته.
كانت ذروة انجازاته تحرير مقاطعة الرها، والتي تضم منطقة جزيرة الفرات وجنوبي تركيا، وكانت اول إمارة للصليبيين تمكنوا من تأسيسها بدعم من انطاكية التي كانت موالية للصليبيين.
وبعد اغتياله من قبل عملاء للفرنجة، واصل ابنه نور الدين نهجه في التوحيد كمقدمة للتحرير، فتمكن من ضم حلب ثم دمشق.
لقد كان نور الدين واسع الأفق مدركا لحقيقة أن الصراع مع العدو فكري حضاري، وللتهيئة للنصر يجب البدء بمشروع إصلاحي كبير وشامل يركز على اصلاح المجتمع أولا، وتديره دولة مركزية موحدة، ثم يأتي الإعداد العسكري بتهيئة كوادر بشرية مؤمنة ومخلصة لعقيدتها.
ظهر أحد اتباع عماد الدين وهو نجم الدين أيوب حاكم قلعة تكريت، والذي سار على نهج الزنكيين، ووجد أن ضعف المسلمين وتفريق دينهم، ناجم عن وجود الدولة الفاطمية في مصر، فقام ابنه صلاح الدين عام 1169م بالقضاء على حكم الفاطميين ووزيرهم شاور السعدي المتحالف مع الصليبيين، والذي كان ينسق معهم لتسليمها إليهم.
وهكذا اصبحت ديار المسلمين في مصر والشام والجزيرة الفراتية والحجاز وحتى اليمن جنوبا وإقليم برقة كاملا بليبيا موحدة في دولة واحدة.. عندها تمهدت الطريق لتحرير القدس في معركة حطين، وتحررت ديار المسلمين نهائيا من الصليبيين في معركة عكا عام 1291 بعد أن قضت قرنين تحت الاحتلال الأوروبي.
نستفيد من هذا العرض التاريخي الموجز، أهم الدروس في لوازم استعادة فلسطين:
1 – المرتكز الأول صلاح المجتمع، والإصلاح لا ينبني على مجرد تحسين الظروف المعيشية وتحقيق الغنى والرفاه، بل التربية على التلاحم مع العقيدة.
2 – لم يتمكن المسلمون من التغلب على الأوروبيين المتفوقين عليهم عسكريا إلا عندما كانوا موحدين تحت لواء دولة واحدة، والتشرذم هو سبب ذهاب ريح الأمة.
3 – عنصر القوة الأكبر في الأمة يتحقق من وحدة الشام ومصر لذلك نفهم لماذا سعى الغرب حاضرا الى منع وصول قيادة مخلصة الى هذين القطرين، وحرصهم الشديد على ابقاء السلطة فيها بيد المتعاونين معهم.
ما زالت الفرصة سانحة أمام الأمة، فعلينا عدم الاستماع الى المخذلين، فقد زالت مملكة الصليبيين الأولى رغم بقائها قرنين، وستزول حتما مملكتهم الثانية الحالية عندما يلي أمر الأمة مخلصوها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى