«التبغ المزور» يسبح لأعماق«حساسة» / بسام البدارين

«التبغ المزور» يسبح لأعماق«حساسة»: كمية مرعبة من «المصانع» السرية ومليارات «أفلتت» من الرقابة

تهمة لم يسمع بها الأردنيون من قبل ..« تعريض كيان الدولة الاقتصادي للخطر» حيث عدد قليل ونادر جداً من المجرمين حوكم بهذا النص المتضمن في قانون العقوبات والذي كان يستخدم قبل التحول الاقتصادي عام 1989.
التهمة وجهت مع خمسة إتهامات أخرى لنحو 14 متهماً على الاقل في قضية التبغ والسجائر والى جانبها تهمة من طراز« تعريض المجتمع للخطر» وهي مصنفة بالعادة للمتاجرين بالمخدرات. طبعاً ذلك وحسب لائحة الاتهام في ملف فساد الدخان من عند ادعاء النيابة العسكرية إضافة للتهرب الضريبي والجمركي.
الرسالة المرجعية العميقة من هذا التكييف القانوني واضحة فنظام العدالة العسكري القضائي يتفق ضمنياً مع رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بتصنيف جريمة التبغ ضمن سلسلة الجرائم الاقتصادية والدولة العميقة في طريقها – وهذا الأهم – لتفعيل محاكمات الجريمة الاقتصادية في بوصلة جديدة قد تطال كثيرين لاحقاً وتفتح ملفات ومفاجآت مسكوتاً عنها في الماضي من بينها مثلاً زراعة الحشيش. تظهر تماماً الإرادة السياسية هنا أكثر من ظهورها في تصريح حكومة الرزاز عن ضوء أخضر ملكي. حتى بعد إعلان لائحة الاتهامات والحجز التحفظي على اموال 14 متهماً بينهم شقيق ونجل رجل الاعمال البارز الهارب عوني مطيع استمرت الحملة الأمنية على مزارع ومخابئ سرية أصيب الشارع الأردني بالدهشة من كبر مساحتها وعددها.
لاحقاً لإجراءات أمن الدولة أغلقت قوة أمنية كبيرة مشتركة من كل الاجهزة قرية كاملها في الاغوار هي «الرامة» في إطار ما يبدو انه مداهمة جديدة لها علاقة بالتبغ المزور والدخان غير الشرعي كما اعلن عن مداهمة مخبأ سري جديد في جنوبي العاصمة عمان. قبل ذلك دوهمت مزرعة مساحتها 200 كيلومتر مربع.
عضو البرلمان الأسبق الدكتور احمد الشقران والمتابع لكل التفاصيل اعلن بان المزارع والمخابئ المخصصة لمادة التبغ والتي دوهمت مؤخراً وصلت مساحتها لنحو 1000 دونم… هذا رقم كبير على مساحة أرض كانت مخصصة حصرياً للتبغ المهرب زراعةً وتزويراً… الشقران قال: نحن نسبح وسط التبغ المهرب.
وهي معطيات صادمة جداً لم يتخيلها الأردنيون يوما خصوصاً وانهم يدفعون ما يقارب اربعة مليارات ونصف مليار سنوياً من الدولارات بدل السجائر واكتشفوا الآن بانهم طوال سنين يتناولون السجائر المزورة التي يتم تصنيعها وزراعتها وتغليفها تحت الأرض وخلف الستارة ومزارع خاصة وفي دهاليز عالم سري واسع مليء بمخزون مادة التبغ وبأحدث خطوط الانتاج الصناعي المعنية بتصنيع التبغ وتغليفه.
ما يصدم الناس أكثر هو السؤال التالي: كيف تمكن رجل واحد يفترض انه عوني مطيع من إدخال كل هذه الماكينات وخطوط الانتاج الخاصة بطباعة الأغلفة المزورة للسجائر إلى البلاد بدون بيانات جمركية وبدون تثبيت ضريبي وطوال سنين وبدون تفتيش؟
المقلق جداً في هذا السؤال احتمالان بيروقراطيان لا ثالث لهما: إما ان المعني لا يمثل نفسه ولديه «أصدقاء كبار هنا وهناك» أو أن النظام الجمركي الأمني والضريبي متغافل وخامل وكسول ولا يقوم بواجباته.
الإجابة بطبيعة الحال تنتج عشرات الاسئلة الفرعية في وضع مفتوح عل احتمالات التفخيخ في هذا السياق وثمة اسرار من الواضح ان كشفها سيؤدي إلى مسلسل «فضائح» بلا نهاية محددة، الأمر الذي يدفع ملف السجائر الذي كشف بالصدفة وبعد «معلومة» عرضها أحد النواب على رئيس الحكومة إلى مساحات خطرة جداً وغير متوقعة تبرر صدمة الشارع الحالية.
حتى اللحظة لا يعرف المواطن الأردني ما هو القرار الاستراتيجي للدولة في مسار إكمال التحقيق واستكماله أو تشذيب أطرافه بحيث لا ينتقل لمستوى التشكيك بالجميع وكل شيء دفعة واحدة لأن حجم المزارع التي دوهمت كبير جداً وعدد المصانع السرية صادم وفي خمس محافظات على الاقل و»الخديعة» التي مارسها مستثمر مفترض هارب من البلاد الآن أكبر بكثير من ان تنطوي على «جهد فردي» فقط لأنها تسترت ببرلمانيين وشخصيات بارزة وبشبكة من النشاطات الخيرية والوطنية.
عملياً تغوص تحقيقات التبغ المزور في الأردن في مناطق عميقة وحرجة جداً ورئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز مصرٌ على إكمال المشوار ويرفع شعاراً يقول فيه «لا نستطيع إقناع الناس بدفع ضرائب في ظل جرائم من هذا النوع». وفي باب الاستنتاج فقط يمكن القول ان المؤسسات العميقة جادة في الكشف عن كل الملابسات والخيوط واستعدت جيداً لمفاجآت اضافية اشمل من خلال تكييف نصوص لائحة الإتهام على أساس الجرم الاقتصادي وعبارة «كيان الدولة الاقتصادي». التحقيقات على الارجح لا تزال في بدايتها وستجر كثيرين لا أحد يمكنه توقعهم وإذا كان احد النواب متورطاً سيتمكن النظام القانوني من استجوابه وإخضاعه للتحقيق وتقديم أفادات بسبب عدم وجود «حصانة» برلمانية في عطلة الدورة الاعتيادية.
في المقابل ثمة ما يلفت النظر في حقيقة ان عدد المزارع والمخابئ السرية التي دوهمت أمنياً وضبطت مع أطنان من الدخان المزور وخلال فترة قصيرة يظهر وجود «بنية استخبارية من المعلومات» أصلاً لدى جهاز الجمارك والضريبة والمواصفات والمقاييس. معنى ذلك ان اجهزة الجمارك والضريبة كان لديها المعطيات المعلوماتية ولم تحظ كما يحصل الآن بقرار سياسي يغطي هجمتها المضادة.
ذلك سياسياً أخطر ما في مجمل القصة المتراكمة منذ سنوات لأن دلالاتها المركزية ان المستوى السياسي والبيروقراطي في حكومات سابقة وحتى في اجهزة أمنية تراوح موقفه إزاء هذا التراكم المرعب لمصانع سرية غير شرعية ونشاطاتها الجرمية ما بين إما التواطؤ أو الإهمال على اساس افتراض حسن النوايا.
الحلقة الأخيرة في مسلسل التبغ الأردني المثير جداً قد تكون الاكثر حساسية إذا ما سمح للتحقيقات سياسياً بأن تكتمل فحجم وعدد المدانين في المستوى البيروقراطي والحكومي هنا سيكون هائلاً وغير مسبوق ولم تختبره الدولة الأردنية بقضية واحدة من هذا النوع التراكمي سابقاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اكشن يا دوري….. السولافة بالضبط مثل سولافة البورصات قبل عشر سنوات …. وبحلق شواربي اذا ما صار بالموضوع مثل ما صار بموضوع البورصات ورح يتم تنييم الموضوع وكل عام وانتم بخير…. يعني بس سواليف حصيدة والعاء للناس واشغال للعقول.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى