ليلة الهرس بين رحى الطاحونة ٢

#ليلة_الهرس بين #رحى #الطاحونة 2

جمال الدويري
بعد ليلة مؤلمة، وبلا موعد مسبق، يممت مبكرا عيادة طبيب الأسنان، الذي يعرفني مرافقا لزوجتي التي كان يعالج ما يسمى ب (طاحونة العقل) لديها، شاهدني ممتقعا وحيدا، ففهم انني اليوم شخصيا صاحب العلّة، فعاجلني ممازحا: قظبتك…
فأجبته باقتضاب: بلّش.
ولم انتظر اجراءاته البيروقراطية لتحديد موضع الألم، بالطقطقة على الأسنان والتصوير…الخ، بل أشرت له على الطاحونة إياها، التي أرقتني طوال الليلة الماضية وكررت: بلّش.
ابتسم الطبيب: أول مرة بشوف مريض أسنان، يبادر لطلب الحفر، فعاودت: بلّش.
تناول الرجل حقنة المخدر وأستدار اليّ، لكنني عاجلته بالقول: إنسى البنج دكتور، فلدي من (الألم)، ما يفوق ألم حفر الطاحونة، بلّش.
موْضع سنة الحافور الضرسي فوق فم الطاحونة المصابة، وشغله، وزززززززززز…وزززز…وزز…وززززززززززززززز، ولم يسمع مني أنين أو شكوى ولم أبدي تشنجاً، فأخذته العزة بالحفر والوزوزة، وتابع وصلة الموسيقى، حتى أعتقدت أنه أقترب من سطح جمجمتي، ولم أشكو او أتوسل، فاستسلم.
وضع في الأحفورة السنية، أبرا دقيقة بمقاسات مختلفة، وهاجم العصب السنّي بعصبية وتصميم، ولم أتوسل، فحقن الطاحونة بعقاقير ومضادات، ورمى قفازيه بعصبية، وكأنه يعبر عن احتجاجه على عدم الظفر مني بلحظة ضعف او خوف من الوزّازة، او الشعور بالألم.
كتب لي دواءا، وابتسم مودعا: ارجعلي بعد اسبوع، وكأنه يهدد صمودي بالقادم.
وعدت في الموعد، وكرر الطبيب الخطوات، ثم جعل في الحفرة حشوة، وأغلق الطاحونة، وودعني بالفاتورة، فأجبته مبتسما: أول مرة أشعر بألم جميل، وأدفع ثمنه أيضا.
فاجاب مستغربا: وبتنكت كمان.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى