قهوة تركي / د.رياض ياسين

قهوة تركي

مرارة القهوة التركية المعروفة بمذاقها لدى مدمنيها من العرب جاءت هذه المرة بوجه انقلابي سرعان ماتلاشى داخل فنجان القهوة التركي الذي حرصت الدولة من خلال الحزب الحاكم على تذويبه سريعا في بحر شعبها العميق.

ليس مصادفة أن يحدث انقلاب عسكري في تركيا،فقد شهدت الجمهورية التركية، منذ تأسيسها، تدخلات عديدة للجيش في الحياة السياسية من خلال أربعة انقلابات عسكرية، اثنان منها أدت لتغيير الحكومة دون سيطرة الجيش على مقاليد الحكم.
لكن ما الجديد في الانقلاب الأخير الذي حدث ليلة 15 تموز 2016.،وهل سيكون الاخير حقا أم انه سيكون جرس إنذار ليكشف عن صراعات خفية داخل الدولة ومؤسساتها،فقد كشف هذا الانقلاب عن مراكز قوى داخل مؤسسة الجيش والقضاء والمكاتب النافذة في الحكم في جمهورية الفولاذ التي استعصت على كل الخصوم في السنوات العشر الماضية على الأقل.
توقيت الانقلاب جاء يشبه فنجان قهوة ساخن جدا نبعت سخونته من نيران محدقة ،بمعنى أن انقلابا عسكريا هو آخر شيء تحتاج إليه تركيا في الوقت الذي تعاني من امتداد رائحة الحرب السورية الى ارض ديارها، وسخونة تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية، وارتفاع حرارة التمرد الكردي.
لقد كشف الانقلاب عن فكرة الدولة العميقة في تركيا،والدليل حملة التطهير والتصفية لفنجان قهوتها من كل الشوائب التي ترسبت في قاعه على مدى العشر سنوات الاخيرة،والسؤال المطروح لماذا لم تحدث عملية التطهير لمؤسسات الدولة منذ تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم بصورة فعلية في البلاد وسيطرته على مفاصل الدولة،لطالما ان المسألة ليست وليدة هذه الأيام؟ وقد نكون أكثر اتزانا إذا قلنا بأن اي دولة فيها اختلافات سياسية وتمايزات ،وليس من المعقول ان تنقلب الدولة على نفسها وتبدأ بتطهير كل المختلفين عنها في حال فاز حزب ما واعتلى سدة الحكم،فالديمقراطيات تقوم على فكرة وجود الحزب وخصومه في الحكم ،وقد تكون المعارضة حاضرة في البرلمان وكل مؤسسات الدولة حتى في مؤسسة الجيش ،حيث لايوجد ضمانات لعدم وجود توجهات تختلف عن سياسة الدولة. لكن يبقى السؤال الأهم كيف يمكن للدولة أن تضمن سير قطارها الى المحطة الاخيرة لفترة حكم الحزب دون ان تحدث انحرافات هنا وهناك، مع الاخذ بعين الاعتبار أن القيادات من الصف الثاني في الجيش التركي لم تكن راضية عن توجهات اردوغان وسياسته الاستراتيجية خاصة في التعامل مع الازمة السورية والملف الكردي،ناهيك عن قيادات في الصف الأول،فهناك ضباط لديهم توجهات ليبرالية وآخرون لديهم توجهات قومية كمالية،ناهيك عن الموالين لزعيم حزب “خدمت” غولن صاحب النفوذ في تركيا وأوروبا والولايات المتحدة.
يبدو مع فشل المحاولة الانقلابية هناك اسئلة معقدة أهمها، هل سيستمر الساسة في حزب اردوغان –يلدريم سلوك نفس الطريق والتغاضي عن التوجهات والتيارات والمرجعيات التي تنتشر داخل تركيا الحزبية الديمقراطية؟ أم هل سيكون الانقلاب مبررا لتعميق الدولة العميقة فتخسر منجزاتها وانفتاحها وتصبح بسلوكها تشبه ديكتاتوريات عسكرية،حيث ان حالة الطوارئ قد تفرض على البلاد لفترة طويلة لحين عملية التطهير والوصول الى دولة خالية الا من نقاء حبات القهوة التركية المفضلة لدى جماعة حزب العدالة والتنمية.وقد تكون مرحلة مفصلية قصيرة الأمد لتصويب بعض الانحرافات وانتهاج سياسة اقل تشددا مع الخصوم والمختلفين سياسيا وايدولوجيا.

ليس من مصلحة اردوغان ان يكون ديكتاتورا مستبدا، وليس واردا على مايبدو ان يكون أحاديا في دولة متعددة في الوقت الذي على مايبدو ان مناهضيه وخصومه السياسيين انتقدوه وضمروا له المكائد باعتبار ان طموحاته السياسية كانت لخلق ملكية في ظل الجمهورية بمعنى ان يكون رئيسا واسع السلطة والصلاحيات فحاولوا ضرب طموحاته وتبريد سخونة قهوة سلطانه.وهو الآن بين خيارين كلاهما أصعب من الآخر،والحديث يطول.
Rhyasen@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى