الثأثير السلبي للعشائرية على الديمقراطية

الثأثير السلبي للعشائرية على الديمقراطية
د. هاشم غرايبه
لا تقتصر الأضرار التي تلحقها العشائرية بالنظام المدني للدولة (دولة المؤسسات) على إضعاف هيبة الدولة بتجاوز القانون، وتفشي المحسوبية، وتغييب تكافؤ الفرص وفقدان العدالة الاجتماعية فحسب، بل تتعدى ذلك الى إفساد العملية الديمقراطية المبنية على أسس أهمها: تشكيل مؤسسات المجتمع المدنية الفاعلة كالأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات والنوادي، الأمر الذي تكفله التعددية السياسية والتنافس في عرض البرامج التي تقدم حلولا للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية.
إن فرض قانون الصوت الواحد في الأردن بداية، ثم التعديلات الشكلية التجميلية له فيما بعد، كان فكرة أمريكية مبنية على استثمار الأوجه السلبية للعشائرية، وتحقق الأغراض المتوخاة بتفتيت النسيج الإجتماعي، وإضعاف الحالة التاريخية الوطنية للعشائر الأردنية، ونشوء طبقة طفيلية مرتزقة من أعطيات النظام، فازدهرت الموالاة المنتفعة، وضعفت المعارضة الوطنية الملتزمة بقضايا الوطن والأمة.
من الصعوبة الوثوق بصدق نية الأنظمة العربية في الإصلاح السياسي بسبب تجارب قرن كامل من التحكم الكامل بمخرجات العملية الإنتخابية، بحيث تضمن الأجهزة الأمنية فوز ما لايقل عن 80 % من الملتزمين بتوجيهاتها، والذين تضمن الدولة تصويتهم حسب الـ(ألو) لأي قرار يعرض في مجلس النواب.
لذلك لا يمكن أن تُفرّط الأنظمة بالعشائرية والجهوية والمحسوبية، ولا بهؤلاء المحاسيب الذين اجتبتهم وانجبوا أبناء وأحفادا توارثوا هذه المحسوبية، فقد حققوا لها ما قد لا يتمكنوا من تحقيقه بالتزوير المباشر أو شراء الذمم في انتخابات المجالس النيابية.
والأسباب وراء التشبث بهذا الصورة المفسدة للنسيج الإجتماعي في المجتمعات العربية:
1- يمنع بكل تأكيد تشكيل الكتل التي هي سمة العمل السياسي المنظم، حيث يلتقي المؤتلفون على برنامج محدد يتم طرحه على الناخبين، وعليه فستغيب البرامجية وسيكون الحسم لشراء الأصوات، وبالتالي سيصل البرلمان رجال الإعمال ممن يهمه استعادة ما دفعه واستثمار ما أنفقه ، أكثر من أن يكون عينا للشعب على الحكومة.
2- إن الخلافات التي تحدث بين الموالين لعشيرة ما والموالين لأخرى خلال الانتخابات ناهيك عن النزاعات داخل العشيرة نفسها، يعود بالنتائج المرجوة في شرذمة النواب، فيسهل اختراقهم، لإحباط أية حالة تجمع نيابية لمساءلة الحكومة.
3- من الصعوبة على الأحزاب منافسة العشائر في معاقلها، وخاصة مع ترسخ مفهوم ان الواسطة والمحسوبية (التي منحتها الحكومة لوجهاء العشائر) هي الوسيلة الأجدى.
4- وصول الوجهاء العشائريين الى قبة البرلمان سيمنح الحكومة راحة كبيرة إذ سيكونون نواب خدمات بدلا من نواب وطن، وسيهتمون بالحصول على مكرمات الحكومة في التعيينات والتنقلات لمن ساهموا بإنجاحهم، مقابل غض البصر والصمت عن أخطاء الحكومة.
5- والسبب الأخير وهو الأهم من كل ما سبق وهو سياسي، إذ أن النخب السياسية المعارضة أصبحت غالبيتها من الإسلاميين، والقراءات الواقعية من وحي حالات انتخابية عربية نادرة أجريت بنزاهة نسبية مثل أول انتخابات فلسطينية تشريعية عام 2006، وفي مصر وتونس بعد اسقاط أنظمتها، تقول أنه لو جرت الانتخابات الأردنية وفق الأصول وبنزاهة حقيقية، فسوف تنال هذه القوى أكثر من النصف، لأسباب تعود الى فشل الحكومات بتنفيذ الحد الأدنى من رغبات الشارع في المجالات الاقتصادية والسياسية، وتفشي الفساد بدلا من محاربته، وزيادة نسبة الفقر والبطالة والتراجع في المداخيل، كل ذلك يرفع أسهم المعارضة بشكل عام.
من المهم التنويه إلى أن الغرب، يطالب الأنظمة العربية بالإصلاح السياسي، نفاقا، لكنه في الوقت نفسه، راض عن نجاح جهودها في كبح جماح الصحوة الإسلامية، والتي ظهرت إماراتها في مخرجات العمليات الديمقراطية المحدودة ، لذلك يغض الطرف عن ممارساتها القمعية، وتزويرها الإنتخابات، ويكتفي بدعوات خجولة غير فاعلة.
الخلاصة : مما تقدم يمكن الخلوص الى أن العشائرية نمط اجتماعي أملته الظروف التاريخية ولها جوانب إيجابية، لكن النظام السياسي في الأردن عمق جوانبها السلبية بهدف توطيد أركانه وعلى حساب التقدم والديمقراطية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى