التقدم.. حرية.. لا تنمية سياسية!؟ / المحامي عبد الرؤوف التل

التقدم.. حرية.. لا تنمية سياسية!؟
المحامي عبد الرؤوف التل

التقدم.. هدف كل منتم الى وطنه، ولكن كيف يتحقق؟ هل يتحقق بواسطة التنمية، التي تعتمد على خطط وقواعد وكوابح ومراحل زمنية محددة؟ وبإلزام الناس السير. وفق القواعد التي رسمت لذلك؟ أم أن التقدم يتحقق عن طريق الحرية التي هي جوهر الانسان، تتفاعل في وجدانه وتجعل عقله وفكرة ينطلق في الافاق، بحثا عن الحقيقة وطريق الخلاص من التخلف والقهر، والظلم والعدوان، رجال الفكر والفلسفة يقولون ان الحرية هي التي تمنح الانسان القدرة على ملاحقة التقدم ودفع عجلة الحياة الي الامام. اما التنمية فهي قوالب تريد أن تحول البشر الى فكر واحد وشكل واحد، ونمط خاص في الحياة. لا يتحقق ولا يتحرك الا وفق القالب التنموي الذي وضعت خطة التنمية من اجله. وخطط التنمية لم تعرف الا في عالم الاقتصاد وفروعه المختلفة من صناعة وتجارة وزراعة، ولم يسبق لأحد أن تحدث في تنمية سياسية لأن السياسة علم وممارسة وخطأ وتجربة لأنها كما يقال فن تحقيق الممكن.
والحرية .. التي هي جوهر حياة الانسان تفجر وتقود الى التقدم تجعل الانسان يدرك أن المجتمع كائن حي وان له وجودا مغايرا لوجود كل فرد من أفراده وان المجتمع سوف يستمر في البقاء والحياة من بعد زوال الأفراد الذين يتكون منهم. هذه حقيقة اقرها الفلاسفة والعلماء منذ بدأ عقل الإنسان الذي هو قبس من الله سبحانه وتعالى يدرك كنه الحياة الاجتماعية وان الفرد جزء من المجتمع وان المجتمع يتكون من افراد لا بد أن يطويهم الموت، وان يأتي بعدهم افراد اخرون يعطون المجتمع ديمومة وبقاء.
ومن هنا تأتي قيمة الحرية التي تجعل المجتمع يمور ويفور بالحركة والحياة، تجعل كل فرد يدرك ان تعاونه مع غيره من الأفراد يحقق له خيرا كثيرا وتقدما وازدهارا في حياته، وفقا لنظرية ابن خلدون من أن الإنسان كائن اجتماعي يحتاج الى الاخرين من اجل تقدمه ورقي حياته الفردية، لذلك استقرت القناعة لدى قادة الفكر السياسي في الشريعة الإسلامية وفي النظم المعاصرة. أن حرية المواطنين السياسية تدعم حرية الوطن، وأن حرية الوطن تدعم حرية المواطنين، لان المجتمع الحر والشعب الحر هو الذي ينتج التقدم في كل مجالات الحياة.
من منا لم يسمع “بسقراط” أبو الفلاسفة في العالم قديما وحديثا، عندما امن ان الحرية هي الروح الحقيقية للإنسان، تدفعه للتفكير وتحته على العمل من اجل المعرفة التي تتصل بفكر الانسان وبوجدانه وتكون لديه الاقتناع والايمان، ولذلك أمن سقراط أن المعرفة تقود صاحبها الى الحرية وتفتح أمامه آفاقا جديدة رحبة في كل مجالات الحياة والمعرفة تجعل الإنسان يدرك أن ملذات الجسد ليست هي السبيل إلى الحرية، بل أن سبيلها هو التأمل والوصول الى الحقيقة اي التعمق في المعرفة.
ولما كانت الحرية جوهر الإنسان ونابعة من فطرته ومن داخل نفسه فإنه يواجه الحياة وما فيها من صعوبات ومشاكل بعقله وفكره لا بقبضته ولا بقوة سلاحه، لذلك فإن الإنسان الحر هو الذي تغلب على الظروف الصعبة التي واجهته في مسيرته الطويلة في الحياة. الانسان الحر هو الذي تغلب على قسوة الطبيعة، هو الذي كشف أسرار العلم وقواعد التقدم والرقي وهو الذي ربط الأسباب بالمسببات وان المقدمة لا بد من ان توصل الى نتيجة معينة. يقول المفكر الأمريكي “جون ديوي” في كتابه الرائع الحرية والثقافة ” ان القوة الدافعة في التاريخ السياسي لم تكن غير ما بذله الرجل العادي من جهود في سبيل الحصول على حريته. ويقول ان محبة الحرية صفة قوية من صفات الطبيعة البشرية وقد بلغ من قوتها ان الامر استلزم اقامة حواجز معينة تمنع الأشخاص الذي يتبوؤون مراكز تخول لهم سلطة رسمية من ان يعتدوا على المؤسسات الحرة ويزعزع أركانها و يضعفوا من اسسها التي قامت عليها” ، وهذا القول هو ما نطلق عليه سوء استعمال السلطة او التعسف في استعمال الحق وهذا واقع قتل في بلادنا قيمة اساسية من قيم الحرية ، وهي مبدأ تكافؤ الفرص بين الأفراد، وقتل أيضا روح المنافسة الحرة التي تخلق الاقدام عند الافراد في السعي لتحسين أوضاعهم عن طريق العمل والثقافة وقوة الالتزام والانتماء . لكن طموحهم سرعان ما يتحطم عندما يجدون من هم اقل كفاءة وعلما ومعرفة وخلقا يتصدرون المواقع المتقدمة، يرسمون السياسات ويتخذون القرارات التي تسبب للبلاد والعباد التخلف والفقر والحرمان. ومن ثم توقعهم في كهوف الظلم والاستبداد.
لذلك كله يركز رجال الفكر والفلسفة على الحرية السياسية باعتبارها دافعة ضرورية للجماهير. للعمل والانتاج والدفاع عن الحق والعدالة، والدفاع عن الوطن ونظامه إذا تعرض للخطر والعدوان لان الشعب الحر هو القادر على مواجهة التحديات أمام الضغوط والكوابح والخطط التي ترسم للناس السير وفقها فلا يمكن أن تقود لتقدم او تضاعف انتاج لان الشعب مكبل والفرد مقید يريدون السير لهم وفق خطط معينة وقوالب مصنعة. وما اصدق قول خالد محمد خالد الكاتب الاسلامي الشجاع عندما قال في كتابه ازمة الحرية في عالمنا «الحرية هي التي تجعل من الوطن المتخلف وطنا متقدما ووطنا كبيرا والحرية هي التي تستطيع أن تجعل من سكان هذا الوطن الكبير مواطنين كبارا .. ».
ان الحرية هي جوهر الإنسان، وهي أثمن ما منحه الله عز وجل لمن حمله الأمانة التي عجزت الجبال والأرض عن حملها ولكن حملها الإنسان بإرادة المولى عز وجل.
اما التنمية وما وضع لها من خطط في مختلف دول العالم قديما وحديثا ظهرت في اوساط علم الاقتصاد، مرة لمحاربة ظاهرة الركود المزمن، ومرة من أجل تطور الاقتصاد بفروعه المختلفة وزيادة نموه، وزيادة نمو دخل الفرد وكذلك زيادة الإنتاج والعمل على تطوير الزراعة والصناعة والتجارة، ومن أجل ذلك وضعت خطط للتنمية في كل دولة من دول العالم المتعددة تختلف عن الخطة التنموية الموضعة للدول الأخرى.
وكلنا نعرف كم هي كثيرة الخطط التنموية التي وضعت في الاتحاد السوفياتي السابق من اجل النهوض به وباقتصاده لمواجهة اقتصاد العالم الحر، وكل خطة كانت توضع أحيطت بهالة كبيرة من التقديس والاجلال باعتبار انها ستحقق التقدم الفعلي والحقيقي. وما تكاد توضع هذه الخطط التنموية حتى يظهر فشلها ومدی الخسائر الضخمة التي تسببت فيها. وعندما كانت توضع هذه الخطط التنموية من اجل التقدم والنهوض كانت تحاط بكم هائل من حملة المباخر والمداحين والمنافقين الذين يهللون لواضعي التنمية باعتبار أنهم حملة اطواق النجاة.
وماذا كانت نتيجة الاتحاد السوفياتي الذي احاطت خطط التنمية بتاريخه؟ الفشل الساحق والسقوط الرهيب الذي ادى الى تفكيك منظومة الدول الاشتراكية التي اصبحت مرعی لعصابات المافيا تتصيد شعوبه بأبخس الأثمان؟
ليتنا نترك شعار التنمية ونركب جميعنا زورق الحرية المرفوعة اشرعته حتى عنان السماء لان زورق الحرية وحده صمام الأمان ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى