غرف عمليات ضد الإرهاب في عمان برعاية موسكو لـــ بسام بدارين

الأسبوع الماضي سلط وزير الخارجية الروسي، مرتين على الأقل ولسبب سياسي بالتأكيد، الأضواء على «ظلال الدور الأردني» المتفق عليه – خلف الكواليس – مع موسكو، في سياق معركة الجميع المفتوحة مع الإرهاب والتطرف في المنطقة، وبصورة توحي بأن روسيا، ولأول مرة، تبدو مهتمة باستقطاب الأردن والاختراق عبره، مما يفتح شهية عمان لاحتـمالات التأهـل مجـددا للتـفاعل مـع «الواقـع السـوري».
الوزير سيرغي لافروف – على هامش تحضيرات قمة العشرين التي شارك فيها الأردن – تحدث، بشكل عابر، عن مشروع أردني – روسي جديد يتمثل في إقامة مركز «معلومات» لمكافحة الإرهاب في العاصمة الأردنية. وهي مبادرة تعني أولا ان «الخبرة الأردنية» في المجال مطلوبة وتحولت لبضاعة يمكن ان تشتريها روسيا سياسيا بعد ان تجاهلها التحالف الدولي الذي يقوده الأمريكيون ضد تنظيم «الدولة».
ويعني، ثانيا، أن القنوات الأمنية الروسية – الأردنية تتفاعل عندما يتعلق الأمر بالتصدي للإرهاب.
لافروف تحدث في تصريح لاحق عن الاستعانة بالأردن تحديدا ودون غيره في توفير قوائم «تصنيف» للمنظمات الإرهابية. وهو تعليق يؤشر مجددا إلى ان الخبرة الأردنية تجد اليوم بين القوى العظمى الجهة التي تهتم بها والتعامل معها.
ما الذي يعنيه ذلك عمليا؟ لا يمكن التسرع في الإجابة مباشرة على مثل هذا السؤال. لكن الاهتمام الروسي عمليا بخزينة المعلومات الأردنية عن تنظيمات الجهاد مثل «الدولة» و«القاعدة» يشكل نقطة تحول مهمة بالنسبة للمستوى السياسي والأمني الأردني، خصوصا بعدما تبين لجميع الأطراف في التحالف الدولي، الذي تراجعت عملياته في الأشهر الخمسة الأخيرة، ان «الخبرة الأردنية هي الأفضل والأكثر مصداقية». وهو ما ألمح له وزير الاتصال الناطق الرسمي، الدكتور محمد المومني، وهو يسجل أمام «القدس العربي» سابقا أن الكثير من الدول والمستويات الخبيرة خلف الكواليس تعرف اليوم ان تجاهل الخبرة الأردنية لم يكن حكيما بالمطلق.
على هذا الأساس يمكن القول إن الجانب الروسي يبدو مهتما اليوم، ولأغراض الاستقطاب، بالتفاعل مع المعلومات الأردنية حول البنية الواقعية للتنـظيمات الجـهادية المتهـمة بالإرهاب، خصـوصا في سورية والعراق حيثـ يوجد مئات الأردنيين في التيارات السلفية الجهادية المقاتلة في البـلدين، ممـا يبـرر توفـر قاعـدة معلومـات صـلبة بـيد عـمان.
تأطير هذا التفاعل يتم الآن عبر الغلاف الذي يقترحه لافروف لإقامة مؤسسات مشتركة في عمان، وهو ما يحصل لأول مرة عمليا طوال عقود، بسبب حساسية التعاون السياسي والأمني مع روسيا على بلد مثل الأردن محسوب بقوة على الجانب الأمريكي.
أمريكا، في رأي الأردنيين، لا تبدو مهتمة إطلاقا بالبقاء في دائرة نفوذها القديم في المنطقة، ولا تعترض على سلسلة تعاونات الأردن مع الرئيس فلاديمير بوتين. وعمان تحتفظ أصلا بملاحظات على القيادة السلبية للتحالف الدولي ضد «الدولة». وبالتالي تصبح خطوتها، في التقارب الأمني مع موسكو، محسوبة ولا تلحق ضررا، خصوصا اذا انحصرت في التعاون في مجال حيوي يشكل برأي مراقبين كثر منطوق ومضمون التفويض الأمريكي الضمني لروسيا بالملف السوري.
لذلك لا تبدو خطوة من وزن «مأسسة التعاون المعلوماتي» – بمعنى الاستخباري على نطاق تبادل المعلومات والتصنيف مع روسيا – شاذة عن القواعد، بقدر ما تتوافق مع المزاج الفعلي السائد حاليا والذي يوافق الهوى الأردني، إذ تبدو موسكو القوة الدولية الوحيدة التي تظهر استعدادا فعليا للاشتباك مع الإرهاب وتحديدا مع تنظيم «الدولة» الذي يشكل بدوره الخطر الأهم والأكبر على النظام والأردنيين في عمان.
الجدية الروسية تجذب المؤسسات الأردنية مقابل التساهلات الأمريكية في محور التحالف القديم المتآكل ضد الدولة. لكن التحول للجانب المؤسسي العلني هو خيار استراتيجي جديد بالنسبة للأردن بالتأكيد على المستوى السياسي ينطوي على «التنويع» الذي سبق ان تحدث عنه رئيس الوزراء الأسبق، سمير الرفاعي.
لكن الخطوة تعكس في مضمونها السياسي تبديلا مهما في انحيازات التعاون الأمني أو «مستجدات» مثيرة في المربع الأول للعلاقات خلف الستارة، وسعيا للابتعاد أكثر عن غرفة العمليات الأمريكية الأمنية السياسية التي أنتجت – حتى برأي مسؤولين أردنيين – من الأزمات في الجوار والمنطقة أكثر بكثير من الأزمات التي ولدت لمواجهتها أو احتوائها.
وسعيا لقياس ردود الفعل الأمريكية، ترك الأردنيون الإعلان عن هذه المؤسسات «المعلوماتية» مع روسيا، وبالتعاون معها في عمان للوزير لافروف ضمن بوصلة مستجدة لأمن المعلومات تحت الاختبار، أهم ما تعنيه ان التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا ضد «الدولة» في سوريا والعراق يتآكل لصالح تلك الحلقات والدوائر الاستراتيجية الجديدة التي أنتجها الرئيس الروسي بوتين.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى