.تفاصيل صغيرة…

[review]
الخميس 2-6-2011

 

 

مساء الخميس ..عندما تبدأ الشمس بسحب أشعتها من الشوارع العمّانية الملساء اللامعة، يرتفع منسوب الحنين عندي إلى كل شيء..مثلاً ، يبدأ قلبي في الخفقان عندما أسمع جاري المحامي يقفل باب مكتبه، أو يشغّل احدهم سيارته أسفل البناية ويمضي نحو الجنوب ،وتزهر قشعريرة الشوق عند اهتزاز شجرة التوت الملاصقة لمكتبي مع أول نسمة غروبية.

مقالات ذات صلة

مساء الخميس … يتوقف كل شيء ؛الهاتف عن الرنين، الطابعة عن العمل ،لا شيء ينبض بمثابرة واجتهاد سوى تكات ساعة الحائط الزرقاء ، وكأنها تأمرني أن ألملم أشيائي أنا الآخر وأغادر..

حتى المقاهي؛ إيقونة الحياة، التي عادة ما تعج بالكلام والدخان والزفير والأغاني والشكوى والحب والهذيان ، هي الأخرى تنفث زبائنها يوم الخميس نحو بيوتهم.. أختار الجلوس مع الساخر يوسف غيشان والاستماع الى نكاته التي لا تنتهي في محاولة لتبديد حنين العودة ، فاضطرب لخلو المقهى من العشاق و مخططي الأعمال الصغيرة، والنصابين، والقُمرجية وحتى المجانين ، فألف بربيشي حول خصر أرجيلتي وأعتذر بكلمات اقرب الى الهروب ..

كسيل يأخذ طريقه في الشُّعَب ، يتدّفق السير من قلب عمان الى باقي المدن، سيارات السرفيس تمر ثقيلة وممتلئة ،الباصات تفرغ شوق الراجعين الى المجمعات المكتظة ؛ من طلبة عائدين من جامعاتهم ، موظفين عزّاب يحملون بأيديهم اكياساً من «الغيارات»،زوّاراً «قاموا بالواجب» في المدينة الطبية،سيدات اقفلن ادراج مكاتبهن وهن يفكرن بتحضير «طنجرة دوالي» ، سيارة صغيرة تحمل في «طبونها» صندوق مشمش أو»أسكدنيا» للأولاد..وأخرى مكتظة بعائلة صغيرة و» بطيختين» يطل الأطفال من شبابيكها فرحين نحو الشمال..حارس ليلي في منشأة حكومية ، يختلس «خميساً»واحداً ليمضيه مع عائلته، على ركبتيه خبز ساخن وفي جيبه باقي الراتب و»حبة توفي» لأم العيال..سائق باص كيا يصطاد ركاباً مستعجلين من ذيل الطابور، مؤكداً لهم أن الأجرة هي نفس الأجرة الرسمية..

وفي حافلة متوسطة ، صبية تلقي برأسها على الشباك تفكّر بالقسمة والنصيب والوظيفة والأب المريض والراتب الضئيل والليل الطويل..تسند رأسها على نغمة حزينة، يوقظ صوت «سحّاب حقيبتها» الجوفاء شريكتها في الكرسي ، ترسل رسالة قصيرة من هاتفها ثم تعيده الى مكانه…

في مساء الخميس ،للبيت دفء آخر وطعم آخر وشكل آخر..مساء الخميس أتقرب بوسادتي زلفا نحو ركبة أمي ، أغسل بصوت أولادي وشجارهم سناج تعبي ،استنشق بخار الشاي الساخن المعمول احتفاء بعودتي ، أتبرأ من سواد الإسفلت الذي اذرعه طوال الأسبوع بحثاً عن لا شيء ..ثم أسدل قبة الجفن وأنام…

ahmedalzoubi@hotmail.com

  احمد حسن الزعبي  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى