بوتين يجرّ الغرب إلى المعركة التي يريدها في سوريا

سواليف
في ضباب الحرب السورية، ثمة شيءٌ واحد يبدو واضحاً: أن روسيا تراوغ الولايات المتحدة وحلفاءها عسكرياً ودبلوماسياً. وفي حين تتمسك واشنطن بأمل المفاوضات، فإن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يغير الحقائق على الأرض تماماً كما فعل في أوكرانيا عام 2014.

إنها لعبة بوتين، وهو الفائز فيها حتى الآن، وفق تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، الخميس 11 فبراير/شباط 2016.

عندما دخل الرئيس الروسي معمعة الحرب السورية الخريف الماضي دعماً لموقف الرئيس السوري بشار الأسد، قال الرئيس الأميركي، باراك أوباما، حينها أن “رمالاً متحركة” تنتظره، غير أن العكس تماماً هو ما حصل.

إنها لعبة بوتين

إنها لعبة بوتين، وهو يفوز فيها حتى الآن.

فالحملة العسكرية الروسية انطلقت تدريجياً. ومنحت الضربات العسكرية الروسية قوات الأسد الأفضلية. كما تمّ عقد تحالف فعال مع الميليشيات الشيعية الإيرانية واللبنانية والعراقية.

وكان هجوم مباغت تمّ شنه الشهر الجاري حول مدينة حلب شمال سوريا قد أخذ معارضي الأسد على حين غرة، وأسفر الهجوم عن قطع طريق إمدادات حيوي نحو المدينة. كما أسفرت الغارات الروسية عن مقتل أكثر من 500 شخص ونزوح 50 ألفاً إلى الحدود التركية، وهو ما فاقم أزمة اللاجئين.

يعتقد بوتين المتفائل ببساطة أنه إن منِح بعضاً من الوقت، سيحرز انتصارات حاسمة تضمن بقاء النظام في السلطة. أما وزير خارجيته، سيرغي لافروف، فيبقى في الوقت الحالي محافظاً على مظهر الاهتمام بالمحادثات الدبلوماسية الصادقة.

وكان من المزمع أن يعقد لافروف محادثاتٍ مع نظيره الأميركي، جون كيري، في ميونيخ الخميس 11 فبراير/شباط 2016، في محاولة للإبقاء على محادثات السلام.

كيري استنفد ما في جعبته

لكن كيري نفدت جعبته من العتاد، فقد أقعده عزوف أوباما عن الرغبة في زيادة تدخل بلاده العسكري، كما أنه لا يملك خطة بديلة معقولة، إضافة إلى تعرضه لكثير من الانتقادات من حلفائه. حالة كيري هذه لا تبشر واشنطن بالخير وتنذرها بـ”كارثة عصية” تلوح في الأفق.

تتزايد مكاسب روسيا بالفعل، وكيري الذي عيل صبره متحرقاً لعقد اتفاق مع موسكو، أوشك يتخلى عن شرطه السابق الذي لطالما أصر عليه في تنحي الأسد، كما أنه توقف عن توجيه انتقادات أميركية لأهداف الضربات الروسية التي تستهدف معاقل معارضي الأسد (المدعومين من أميركا) عوضاً عن ضرب عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).

وكان وزير الخارجية الفرنسي المستقيل، لوران فابيوس، ألمح هذا الأسبوع إلى أن الولايات المتحدة ينقصها الالتزام، أما القادة الأتراك فأعربوا أكثر عن استيائهم حين اتهموا كيري بالسذاجة في عدم فهم نوايا بوتين.

وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، علناً وصراحة أن أخطاء الولايات المتحدة تخلق “بحراً من الدم” وأن روسيا منخرطة في “تطهير عرقي” و”مذبحة عرقية”.

وتركيا ذات العلاقة المتوترة أصلاً مع موسكو بسبب الخروقات الجوية الروسية، أبدت غضبها إزاء التعاون العسكري الروسي المتزايد مع الأحزاب الكردية السورية التي تعتبرها تركيا إرهابية.

الأربعاء الماضي، استولى الكرد بغطاء جوي روسي على قاعدة منغ الجوية، التي كانت في أيدي المعارضة، وهو ما أثار غضب الرئيس التركي الذي ألمح من جديد إلى تدخّل عسكري تركي عابر للحدود.

بوتين.. وتوازن الخصوم

وكما هو الحال مع الأزمة الأوكرانية، فقد أثبت بوتين مهارته من جديد في إخلال توازن خصومه، فعرض لافروف بوقف النار بدءاً من 1 مارس/آذار 2016ـ يبدو ظاهرياً وكأنه استجابة لنداءات كيري، كما يُظهِر للعالم أن روسيا تتصرف بعقلانية، لكن الواقع أن خطة كهذه، إن اعتُمِدت، فستمنح روسيا الوقت الثمين الذي يلزمها لتحرز نصرها الحاسم.

وقال متحدث روسي إن الفشل الروسي في استهداف مواقع داعش يرجع إلى رفض الولايات المتحدة مشاركة المعلومات الاستخبارية معها، كما ادعت موسكو أن المقاتلات الأميركية، لا الروسية، هي التي تقصف حلب.

التقاعس والتلكؤ الأميركي حدا ببعض قادة المعارضة السورية إلى التذمر من أن أميركا تخلت عنهم، وهو ما أضعف فرص نجاح استئناف محادثات جنيف المزمعة في 25 فبراير/شباط 2016.

سلاح اللاجئين لضرب أوروبا

أهداف استراتيجية بوتين الكبرى تستفيد من حملته في سوريا، فبزيادة تدفق اللاجئين المتجهين شمالاً، وجد بوتين والأسد سلاحاً جديداً يخيفان به، ويقسمان ويوهنان، الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، فهذه هي غاية روسيا دوماً. كما أن التدخل في سوريا يسهم في إقحام روسيا من جديد في ساحة الشرق الأوسط بصفة لاعب مؤثر، في ظل أفول نجم أميركا وخفوت سلطانها الملحوظ.

فإن استحالت عملية السلام في جنيف كما يتوقع لها الكثيرون وسط كل هذا العنف، فقد يضطر أوباما وكيري إلى الانتقال إلى “الخطة ب”، لكن المعضلة أن لا أحد -ولا حتى هما نفسهما – يعرف ما هي هذه الخطة.

يبقى الجيش الأميركي ثابتاً على هدفه في محاربة داعش وعدم إحراز أي مكاسب في الحرب الأوسع، وما فكرة نشر الجنود السعوديين في سوريا غير الواردة بتاتاً والتي اقترحها هذا الأسبوع وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، سوى دليلٍ على ضياع وتخبط إدارة أوباما التي تخشى المجازفة.

لم تنته لعبة بوتين بعد ولم يكسبها، لكنه حتماً لا يصدق كم هو محظوظ.
هافنغتون بوست

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى