يا مهدبات الهدب غننّ على وصفي / م. سليم البطاينة

يا مهدبات الهدب غننّ على وصفي
م. سليم البطاينة

تنتابني حالة من الضحك كلما اسمع أو اقرأ بين فينة وأخرى ان هنالك من زال يخاف من اسم وصفي التل رغم مرور خمسون عاما على استشهاده وهو قابع في قبره !!! حينها اتذكر المسرحية الشهيرة للأسباني Alejandro Cason ( الأشجار تموت واقفة ) ، وأتذكر ايضاً المقولة المأثورة للكاتبة والمفكرة الفرنسية Simon de Beauvoir ( تفكير المهزوم تفكير مأزوم ) !! فكم توالى الليل والنهار علينا ومضت سنوات طويلة وما زالت صورة وصفي التل لا تغادر عيون الاردنيين ، وما زالوا يستذكروه كل عام وكأنهم فقده اليوم !! فقد كان شخصية أردنية أسثنائية لم يشهد لها الاْردن مثيل ، وكان مسكونًا بالهموم الوطنية ويفكر بصوت عال لا يجامل في قناعاته أحد، ولم تكن لديه منطقة رمادية بين الحقيقة والوهم !! فجرأته لفتت أنظار الراحل الكبير الحسين في مرحلة مبكرة من حياته السياسية !! ففي عهده وبأول حكومة له أجرى مصالحة وطنية كبرى بين المعارضة والحكم وأصدر عفوًا عن المعتقلين السياسين والمنفيين السياسين.

فالطعن والتحرش السياسي في سيرته من قبل البعض ما هو إلا نتاج فكر مهزوم ومأزوم !!! فوصفي كان مشروع الدولة الوطنية ورمز القطاع العام ونهضة الريف والبادية والحفاظ على الارض الزراعية !! وكان من داعمي التعليم المجاني ودعم سلع الفقراء

فإلى جانب كل ذلك كان يهتم بالثقافة والهوية الاردنية والأغنية الوطنية !!! ففي مطلع ستينات القرن الفائت قام هو والمشير حابس المجالي والشاعر الوطني الكبير حسني فريز بأعداد كلمات لتكون أغنية وطنية أردنية ( تخسى يا كوبان ما انت ولف لي ، ولفي شاري الموت لابس عسكري ٠٠٠٠الخ ) !! فمن شدة اهتمام وصفي بتلحين تلك الكلمات أرسل دورية شرطة للبحث عن الموسيقار الكبير جميل العاص حيث وجدوه بجبل الحسين يأكل البوظة !!! فعندما دخل رئاسة الوزراء كان وصفي في استقباله وادخله احد المكاتب وطلب منه عدم الخروج حتى ينتهي من تلحين تلك الكلمات وأخذ مفتاح الغرفة في جيبه.
وقد كان لوصفي كثيراً من الأصدقاء من الفلاحين والبدو وأصحاب الدكاكين يجلس عندهم ويجادلهم في الشؤون العامة وفي حراثة الارض وتقتنيب الزيتون وتربية الماشية وصناعة ألبانها وسمنتها وشنينتها !! فوصفي كانت ثروته هي خياله الوطني الذي أراد توظيفه لخدمة الاْردن فقد غادر الدنيا ميديوناً وترك ارث كبير أتعب من بعده !!!!
فمن المستغرب والملفت للنظر أن نجد بعض السياسين عندما يكبر يصبحُ هائماً ولا يفهم ما يدور حوله بل تُسيره الخبائث والظنون فيستسلم لقوى الشر التي تريد أن تصنع الفتن والأزمات !!! فكلنا نعلم أن الانسان عندما يكبر يزداد حكمة وعقلانية في توخي الحكم على كثير من الأمور دون استعجال خوفاً من ان يتحول كلامه إلى كلام مبعثر ومشتت ليغرد خارج السرب
فأصعب ما يواجه السياسين الذين يمرون بظروف أستثنائية صعبة كالتقدم بالسن هو التفكير المهزوم والذي ينشأ نتيجة ارتباك المشهد أمامه ، فيجد عقله خارج التغطية !!!!!!!!! فالخطأ الكبير لهذا النوع من التفكير أنه ضعيف الذاكرة ومسموم الخيال ، ويتجاهل العلاقة بين الماضي والحاضر وأسير حالة من الخيال المتصلب !! وقاصر في البحث المعمق في الماضي ويقفز فوق الواقع !!! فالاردنيين يعرفون جيدا أن ليس لكل الأشخاص تاريخ يستحق الذكر ، وان الأجسام المغمورة بالمياه حتى بعد أن تطفوا إلى السطح تكون فاقدة للوزن ولا قيمة لها

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى