وَرَاءَ كُلِّ إِنْسَانٍ عَظِيمِ أُمَّهُ

وَرَاءَ كُلِّ إِنْسَانٍ عَظِيمِ أُمَّهُ

هِبَةُ أَحْمَدَ الْحَجَّاجِ

ذَاتَ يَوْمٍ ، وَ بَيْنَمَا أَنَا مُنْغَمِسٌ فِي الْعَمَلِ ، مِنْ تَقَارِيرَ وَ مُقَابَلَاتٍ وَالْبَحْثُ عَنْ آخَرَ الْمُسْتَجَدَّاتِ وَ وَ وَ إِلَخْ . . لَفَّتَ انْتِبَاهِي مَقُولَةٍ لِ “نَايِتْ أَنْدْجِيلْ” أَنَّ طَاقَةَ الْإِنْسَانِ لَوْ تَمَّ تَوْصِيلُهَا بِبَلَدٍ يُمْكِنُهَا أَنْ تَوَلَّدَ كَهْرَبَاءَ لِمُدَّةِ أُسْبُوعٍ كَامِلٍ .

قُلْتُ فِي نَفْسِي ” يَا لَهُ مِنْ كَلَامِ جَمِيلٍ يَبْعَثُ رُوْحَ الطَّاقَةِ الْإِيجَابِيَّةِ ، وَ يُشْعِرُ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ جَبَلٍ مِنْ الطَّاقَةِ ، وَإِنَّ الْأَعْمَالَ الَّتِي يَقُومُبِهَا بِالنِّسْبَةِ لِطَاقَتِهِ الْعَظِيمَةِ وَ الْجَبَّارَةُ مَا هِيَ إِلّا ” أَعْمَالٌ صَغِيرَةً لَا تُعَدُّ بِالْحُسْبَانِ ” .

وَ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ نَأْخُذَ قِسْطًا مِنْ الرَّاحَةِ ، حَتَّى نَتَزَوَّدَ بِتِلْكَ الطَّاقَةِ الْعَظِيمَةِ ، فَقَرَرْتْ أنْ أَخَذَ قِسْطٌ مِنْ الرَّاحَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ ، كَيْ تَتَوَلَّدَ لَدَيّ تِلْكَالطَّاقَةُ حَتَّى تُضِيءَ عِتمَةُ اللَّيْلِ وَ تَجْعَلْنِي أُنْجَزُ أَعْمَالِي بِشَكْلٍ أَسْرَعَ وَ أبْسُطْ .

وَ قُمْتُ بِذَلِكَ ، وَ بِالْفِعْلِ شَعَرَتُ بِطَاقَةٍ كَبِيرَةٍ . كَمَا قَالَتْ “نَايِتْ انْدْ جِيلْ” ، و قَرَّرْتُ أَنْ أُنْجِزَ عَمَلِي بِشَكْلٍ سَرِيعٍ وَ سَلِسٍ وَمَا أَنْ قُمْتُ بِتَجْهِيزِمَكْتَبِيٍّ لِلْعَمَلِ ، وَ إِذْ عَمُّ الظَّلَامُ الْحَالِكُ وَ السَّبَبُ أَنَّ الْكَهْرَبَاءَ قُطِعَتْ .

وَمَا كَانَ لَدَيَّ أَيُّ حَلٍّ سَوًّا أَنَّ اسْتِسْلِمَ لِلْأَمْرِ الْوَاقِعِ وَ أَنْتَظِرُ أَنْ تَأْتِيَ مَرَّةً أُخْرَى ، فَخَرَجَتْ وَ وَجَدَتْ أُمِّي تَضَعُ الشُّمُوعَ عَلَى أَزِقَّةِ الْجُدْرَانِحَتَّى تُضِيءَ لَنَا الْبَيْتُ وَ لَا نَشْعُر بِالْخَوْفِ وَ الْوَحْدَةِ ، وَلَكِنَّهَا لَا تَعْلَمُ أَنَّ عَدَمَ وُجُودِهَا لَا سَمَحَ اللَّهُ ، هُوَ الْوَحْدَةُ وَ الْخَوْفُ وَالظَّلَامُ الْحَالِكُ .

جَلَسْتُ مَعَ الْأَهْلِ وَ أَخَذُ كُلٌّ مِنَّا يَتَذَمَّرُ وَ نُلْقِي اللَّوْمَ عَلَى قَطْعِ الْكَهْرَبَاءِ ، وَ نَرْمِي هُمُومَنَا عَلَى أُمِّي ، وَ كَانَتْ أُمِّي الْجَبَلَ الَّذِي مَهْمَا اشْتَدَّتْ بِنَاالْعَوَاصِفُ وَ الرِّيَاحُ ، سَيَبْقَى الْجَبَلُ جَبَلٌ وَ سَتَبْقَى أُمِّي أُمِّي .

فَأَخَذْتْ تُخَفِّفُ عَنَّا وَ تَقُولُ كَلِمَاتُهَا الْمُعْتَادَةُ ” لَا عَلَيْكُمْ ، دَقَائِقَ وَ سَتَحِلُّ الْمُشْكِلَةُ ” ، وَمِنْ جُمَلِ أُمِّي الْمُعْتَادَةِ لِتَخْفِيفِ الْهُمُومِ وَ الْمَصَائِبِ هِيَ ” إِلَيَّ صَايِر عَلَى هَالِنَاسْ صَايَرْ عَلَيْنَا ” فَعِنْدَمَا قَالَتْ أُمِّي هَذِهِ الْجُمْلَةُ رَدَدْنَاهَا مَعَهَا بِصَوْتٍ عَالِي ، وَ خَتَمَتْهَا أُمِّي بِحْسِّهَا الْفُكَاهِيِّ وَقَالَتْ” شطُورَيْن ” . وَ أَصْبَحْنَا جَمِيعَنَا نَضْحَكُ وَ نَبْتَسِمُ .

وَ بَعْدَهَا جَلَسَتْ أُمِّي بَعْدَ أَنْ تَأَكَّدْتُ أَنَّ ضَوْءَ الْبَيْتِ أَصْبَحَ مُنَاسِبٌ لَا يَدْعُو لِلْخِيفَةِ أَوْ حَتَّى الْقَلَقِ ، وَ أَصْبَحَتْ تُلْقِي عَلَيْنَا الْأَسْئِلَةَ ، وَ ابْتُدِئَتْبِأَخِي مُتَسَائِلَةٍ :- لِمَاذَا مُنْزَعِجٌ مِنْ انْقِطَاعِ الْكَهْرَبَاءِ ؟ رَدَّ أَخِي بِكُلِّ جَرَاءَةٍ مُضْحِكَةٍ :- كُنْتُ أَلْعَبُ وَ اقْتَرَبْتُ مِنْ الْفَوْزِ فَانْقَطَعْتُ الْكَهْرَبَاءُ ،تَخَيَّلِييَا أُمِّي ، رُدَّتْ أُمِّي عَلَى الْفَوْرِ وَ قَالَتْ :- نَعَمْ نَعَمْ تَخَيَّلْتُ وَ كَمَا أَنَّنِي تَخَيَّلْتُ ، تَخَيَّلُ أَنْتَ أَيْضًاً أَنَّكَ فُزْتَ .

فَأَصْبَحَ الْجَمِيعُ يَضْحَكُ مَرَّةً أُخْرَى ، وَ بَعْدَ ذَلِكَ نَظَرْتُ إِلَى أُخْتِي و قَالَتْ :- الْآنَ دُورَكِ ، رُدَّتْ أُخْتِي مُتَحَمِّسَةً :- الْبَطَلَ يَا أُمِّي ، يَبْدُو أَنَّهُ قَدْمَاتَ، عِنْدَمَا دَهَسَتْهُ السَّيَّارَةُ وَ نُقِلَ إِلَى الْمُسْتَشْفَى ، قُطِعْتُ الْكَهْرَبَاءَ وَلَمْ أَتَمَكَّنْ مِنْ مَعْرِفَةٍ إِذَا كَانَ حَيٌّ أَمْ لَا ؟ نَظَرْتُ إِلَيْهَا أُمِّي و قَالَتْ :- بِالطَّبْعِ لَمْ يَمُتْ ، الْمُسَلْسَلُ فِي بِدَايَتِهِ وَ يَبْدُو وَأَنَّهُ تَعَرَّضَ لِبَعْضِ الْجُرُوحِ وَ عَادَةً كُلِّ مُسَلْسَلٍ يَبْحَثُونَ عَنْ التَّشْوِيقِ وَ الْإِثَارَةِ .

ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَيَّ و قَالَتْ: وَ أَنْتَ أَيُّهَا الْكَبِيرُ ؟ نَظَرْتْ إِلَيْهَا نَظْرَةُ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَتَجَاوَزْ الْخَمْسَ سَنَوَاتٍ وَقُلْتُ :- يَجِبُ عَلَيَّ أَنْ آتِيَ بِفِكْرَةِمَقَالٍ وَأَنْ أَكْتُبَ الْمَقَالَ وَ أَنْ أَتَسَلْسَلَ بِالْمَوْضُوعِ بِشَكْلٍ لَطِيفٍ وَ جَذَّابٍ وَ سَهْلٍ عَلَى الْقَارِئِ . وَأَنَا لَمْ أَقُمْ بِكُلِّ هَذَا إِلَى هَذِهِ اللَّحْظَةِ .

نَظَرْتُ إِلَيَّ و قَالَتْ :- حَسَنًا ، أَنَا الْآنَ مُلْهَمَتُكِ وَ سَآتِي إِلَيْكَ بِالْفِكْرَةِ ، وَ سَأَرْوِي إِلَيْكُمْ قِصَّةً جِدًّا جَمِيلَةً ، وَ لَكِنْ قَبْلَ الْقِصَّةِ ، مَنْ هُوَ الْمُلْهِمُلِاخْتِرَاعِ الْكَهْرَبَاءِ ؟!

فَأَجَابَنَا جَمِيعًا بِكُلِّ ثِقَةٍ :- أَدِيسُونْ ” ، نَظَرْتْ إِلَيْنَا أُمِّي و قَالَتْ :- لَا ، هُوَ مُخْتَرِعُ الْكَهْرَبَاءِ وَلَيْسَ الْمُلْهِمُ ، ظَهَرَتُ عَلَيْنَا جَمِيعًا ” نَظْرَةُ الذُّهُولِ” ،ثُمَّ قَالَتْ :- إِلَيْكُمْ الْقِصَّةُ :-

كَانَ يَا مَكَانُ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ ، طِفْلٌ صَغِيرٌ لَمْ يَتَجَاوَزْ 8 مِنْ عُمْرِهِ يُدْعَى أَدِيسُونْ ، طُلَبَ مِنْهُ مُدِيرُ الْمَدْرَسَةِ أَنْ يَبْعَثَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ إِلَى أُمِّهِ ،عِنْدَمَا وَصَلَ الْبَيْتُ قَالَ لِأُمِّهِ: هَذِهِ رِسَالَةٌ مِنْ إِدَارَةِ الْمَدْرَسَةِ.

هَذِهِ الْمَرْأَةُ كَانَتْ فِي حَالَةٍ يُرْثَى لَهَا ، كَانَتْ حَزِينَةً وَ مَكْسُورَةَ الْقَلْبِ وَ الْخَاطِرِ ، يَدَاهَا تَرْتَجِفَانِ مِنْ شِدَّةِ الْقَهْرِ وَ الْأَلَمِ ، عَيْنَاهَا مُغْمَضَتَانِبِالدُّمُوعِ وَهِيَ تَقْرَأُ الرِّسَالَةَ لِنَفْسِهَا،

وَكَانَ نَصُّهَا:

” ابْنُكَ غَبِي جِدًّا. فَمِنْ صَبَاحِ الْغَدِ لَنْ نُدْخِلَهُ إِلَى الْمَدْرَسَةِ” .

وَأَنَا مُتَأَكِّدَةٌ فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ بَلْ أَجْزَمُ ، أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا لَهَا :- مَا رَأْيُكَ أَنْ نَأْخُذَ رُوحَكَ أَمْ يَتْرُكَ ابْنَكَ الْمَدْرَسَةَ لَقَالَتْ عَلَى الْفَوْرِ :- خُذُوا رُوحِي ، وَابْقَوا ابْنِي فِي الْمَدْرَسَةِ لِكَيْ يَتَعَلَّمَ وَ يُكَبِّرَ وَ يُصْبِحَ إِنْسَانٌ يَفْتَخِرُ بِنَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ أَفْتَخِرَ بِهِ ، غَمَرَتْ بَرِيقِ عَيْنَيْهَا الدُّمُوعُ وَهَى تَقْرَأُ لِابْنِهَا لَكِنْ مَعَغَرِيزَةِ الْأُمِّ، لَمْ تُؤْمِنْ بِمَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَ قُرِّرَتْ بِطَبِيعَةِ الْحَالِ عَدَمَ الِاسْتِسْلَامِ ،

سَأَلَهَا ابْنَهَا قَائِلًاً “مَاذَا يُوجَدُ بِهَا؟”

بِدُمُوعٍ فِي عَيْنَيْهَا قَرَأَتْ نَانْسِي لِابْنِهَا مُحْتَوَيَاتِ تِلْكَ الرِّسَالَةِ الْمُقْتَضَبَةِ:

“ابْنُكِ عَبْقَرِي، هَذِهِ الْمَدْرَسَةُ مُتَوَاضِعَةٌ جِدًّاً بِالنِّسْبَةِ لَهُ، وَلَيْسَ لَدَيْنَا مُعَلِّمُونَ جَيِّدُونَ لِتَعْلِيمِهِ.. مِنْ فَضْلِكَ، عَلِيمَيْهِ فِي الْمَنْزِلِ”.

أَعَدَّتْ وَالِدَةُ إِدِيسُونْ رُوتِينًا مُمْتَازًا لِلتَّعْلِيمِ الْمَنْزِلِيِّ لِابْنِهَا، وَتَرَكَ إِدِيسُونْ مَدْرَسَتَهُ وَرَاءَهُ دُونَ تَفْكِيرٍ ثَانٍ.

قَاطَعَتْ أُمِّي عَلَى الْفَوْرِ وَسَأَلْتْهَا مُتَلَهِّفًا لِلْإِجَابَةِ : حَسَنًا ، أُمِّي كَيْفَ كَانَتْ أُمُّهُ مُلْهِمَتَهُ ؟

نَظَرَتْ أُمِّي و قَالَتْ بَلَغَتْهَا هِيَ ” هَونُ حَطْنَا الْجَمَالَ ” وَ تَقْصِدُ هُنَا تَكْمُنُ الْقِصَّةُ .

ثُمَّ أَكْمَلَتْ قَائِلَةً :- لِأَنَّ الضَّرُورَةَ هِيَ أُمُّ الِاخْتِرَاعِ، كَانَ هُنَاكَ دَوْرٌ بَشَرِيٌّ وَرَاءَ هَذَا الِاخْتِرَاعِ، يُفِيدُ بِأَنَّ وَالِدَتَهُ أَصْبَحَتْ مَرِيضَةً بِشَكْلٍ خَطِيرٍ وَكَانَتْ الْجِرَاحَةُ مَطْلُوبَةً ، وَلَكِنْ كَانَ عَلَى الطَّبِيبِ الِانْتِظَارُ حَتَّى الصَّبَاحِ لِعَدَمِ وُجُودِ ضَوْءٍ كَافٍ،

مِمَّا دَفَعَ إِدِيسُونْ لِابْتِكَارِ الْمِصْبَاحِ الَّذِي يُضِيءُ فِي اللَّيْلِ، وَهُوَ مَا فَشِلَ فِي الْقِيَامِ بِهِ فِي الْبِدَايَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَسْلِمْ، وَ اسْتَمَرَّ فِي الْمُحَاوَلَةِ حَتَّىنَجَحَ فِي ذَلِكَ.

نَظَرَ أَخِي إِلَى أُمِّي و قَالَ : حَصَلَ مَعَهُ كَمَا قَالَ نَابِلْيُونَ بُونَابَرْتْ ” مُسْتَقْبِلُ الْوَلَدِ صُنْعُ أُمِّهِ” .

ثُمَّ قَالَتْ أُخْتِي وَ” أَدِيسُونْ ” أَيْضًا كَتَبَ مَقُولَةً قَائِلًا” كَانَ تُومَاسْ أَلْفَا إِدِيسُونْ طِفْلًاً غَبِيًّاً، وَ بِفَضْلِ بُطُولَةِ وَالِدَتِهِ، أَصْبَحَ عَبْقَرِي الْقَرْنِ، فِينِهَايَةِ حَيَاتِهِ”.

وَ نَظَرْتُ إِلَيْهِمْ وَقُلْتُ : وَأَيْضًا كَتَبَ عَنْ نَفْسِهِ “ادِيسُونَ ” :- أُمِّي كَانَتْ مِنْ صَنْعِنِي، لَقَدْ كَانَتْ مُحِقَّةً جِدًا، وَاثِقَةً جِدًا مِنِّي، وَ شَعَرْتُ أَنَّ لَدَيْهَاشَخْصًا تَعِيشُ مِنْ أَجْلِهِ، شَخْصٍ لَا يَجِبُ أَنْ يُخَيِّبَ ظَنُّهَا .

ابْتَسَمَتْ أُمِّي و قَالَتْ يَاااهْ ، لَوْ كَانَتْ وَالِدَةُ أَدِيسُونْ مَوْجُودَةً بَيِّنًا الْآنَ ؛ لَكَانَتْ تَشْعُرُ كَمَا قَالَ ” رِيشْتِيدْ “:- لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْبَهْجَةِ وَالسُّرُورُ مِقْدَارُ مَا تُحِسُّ الْأُمُّ بِنَجَاحِ وَلَدِهَا .

ثُمَّ نَظَرَتْ أُمِّي و قَالَتْ :- مَا رَأْيُكِ أَيُّهَا الصَّحَفِيُّ بِمَا قَصَّصْتُهُ لَكِ ؟

قُلْتُ لَهَا :- بِشَجَاعَةِ وَالِدَةِ إِدِيسُونْ وَ إِيمَانِهَا الْمُسْتَمِرِّ بِقُدُرَاتِ ابْنِهَا جَعَلَتْهُ الْعَبْقَرِيِّ الَّذِي نَشَأَ لِيَكُونَ عَلَيْهِ، مَعَ حُبِّ أُمٍّ حَقِيقِيٍّ وَ قَوِيٍّ مِثْلَ حَبْنِانْسِي إِدِيسُونْ، كُلُّ شَيْءٍ أَصْبَحَ مُمْكِنًا.

وَمِنْ ثَمَّ أُضِيءَ الْبَيْتُ مِنْ جَدِيدٍ ، وَ رَجَعَتْ الْأَنْوَارُ إِلَى الْبَيْتِ ، وَ أُخِذَتْ الْفَرْحَةُ تَرْتَسِمُ عَلَى وَجْهِ كُلٍّ مِنَّا ، وَمِنْ ثَمَّ صَرَخْنَا بِصَوْتٍ عَالِيٍّ وَبِأُسْلُوبٍمُضْحِكٍ وَ فُكَاهِي ” رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ يَا وَالِدَةُ أَدِيسُونْ ” عَمَّتْ ضِحْكَةً فِي جَمِيعِ أَرْجَاءِ الْمَنْزِلِ ، وَمِنْ ثَمَّ ذَهَبَ كُلُّ شَخْصٍ فِينَا إِلَى تَأْدِيَةِ مَهَامِّهِعَلَى الْفَوْرِ خَوْفًا مِنْ انْقِطَاعِ الْكَهْرَبَاءِ مَرَّةً أُخْرَى .

وَأَنَا قَرَّرْتُ أَنْ أَكْتُبَ مَقَالَ بِمُنَاسَبَةِ عِيدِ الْأُمِّ بَعْدَ مَا قَصْتُ لَنَا أُمِّي عَنْ عَظَمَةِ وَالِدَةِ أَدِيسُونْ وَكَيْفَ صَنَعَتْ ابْنَهَا ، فَكَتَبَتُ :- “لَمْ تَكُونِي يَا أُمِّييَوْمًا مَا إِمْرَأَةٌ عَادِيَةً ، فَفِي كُلِّ الْمَرَّاتِ الَّتِي قَابَلَتْنِي الدُّنْيَا بِمَوَاقِفِهَا الْمُوحِشَةِ وَجْهًا لِوَجْهٍ كُنْتُ أَخْتَبِئُ فِي ظَهْرِ أُمِّي وَ أَطِلُّ عَلَيْهَا بِكُلِّ قُوَّتِي ” أَنَامَعِي أُمِّي ” ، وَحِينَمَا دَاهَمْنِي الْيَأْسَ حَارَبْتْهُ بِأُمِّي ، وَفِي كُلِّ الْمَرَّاتِ الَّتِي حَالَفَنِي بِهَا النَّجَاحُ أَتَحَاشَى الدُّنْيَا وَ أَهْلُهَا وَ أَرَى انْعِكَاسَ فَرْحَتِيبِعَيْنِ أُمِّي، وَكُلُّ حُبٍّ فِي حَيَاتِي أَسْتَصْغِرُهُ حِينَمَا أُقَارِنُهُ بِحُبِّ أُمِّي ، وَ صَدَاقَتِي الْأُولَى وَ الْأَزَلِيَّةِ كَانَتْ مَعَ أُمِّي ، وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ أَقِفُ عَلَى عَتَبَةِالْخَوْفِ أَسْتَظِلُّ بِظِلِّ أُمِّي ، وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ أَقِفُ أَمَامَ إِنْجَازِ صَنَعْتُهُ لَا أَتَذَكَّرُ أَنَّ أَحَدَ يَسْتَحِقُّ الذِّكْرَ سِوَى أُمِّي، وَفِي كُلِّ الْمَرَّاتِ الَّتِي ابْتَسَمَتْ لِيالدُّنْيَا كَانَ سَبَبُهَا دُعَاءَ أُمِّي.

أُمِّي أَنْتِ لَسْتَ ِ الْمُلْهِمَةَ لِاخْتِرَاعِ الْكَهْرَبَاءِ وَلَكِنْ تَأَكُّدِي

يَا أُمِّي أَنْتِ مُلْهَمَتِي بِكِتَابَةِ كُلِّ جُمْلَةٍ أَوْ كَلِمَةٍ أَوْ حَتَّى حَرْفٍ .

فَأَنْتِ يَا مُلْهَمَتِي مَنْ بَنَيْتَ نَجَاحَاتِي، وَ كُنْتِ مَصْدَرَ الطَّاقَةِ فِي صُمُودِي أَمَامَ الصُّعُوبَاتِ، أَنْتَ يَا حَبِيبَةُ مَنْ أَرْشَدَنِي وَ نَصَحْنِي وَ وَجِّهَنِي ،وَأَخَذْتُ بِيَدِي لِتَحْقِيقِ كِيَانِي وَذَاتِي. لَمْ أَشْعُرْ يَوْمًاً أَنَّكَ ضِقْتِ أَوْ تَذَمَّرْتِ ، وَ صَبَرْتِ عَلَيَّ صَبْرَ الْمُحِبِّ ، فَلَا مَعْنَى لِأَيِّ نَجَاحٍ أُحَقِّقُهُ يَا رَفِيقَةُرِحْلَتِي دُونَ وُجُودِكَ بِجَانِبِي، وَ دُونَ الْإِحْسَاسِ بِمَشَاعِرِكَ تَحُومُ مِنْ حَوْلِي، وَ مَهْمَا كَبُرْتَ وَ مَهْمَا تَعَدَّدَتْ مَسْؤُولِيَّاتِي وَ مَهْمَا تَشَعَّبَتْ أَدْوَارِي ،فَإِنَّنِي مَازَلْتُ أَحْتَاجُكَ، وَمَازَلْتُ أَحُنّ إِلَى أَنْ أَنَامَ بَيْنَ يَدَيْكَ؛ لِأَرْتُوِي مِنْ حَنَانِكَ، فَكُلُّ مَشَاعِرِي تَنْحَنِي أَمَامَ لَمْسَةٍ مِنْ يَدَيْكَ، وَ دَعْوَةً مِنْ قَلْبِكِ.

وَكَمَا قَالَ مَحْمُودُ دَرْوِيشٍ” لَنْ أُسَمِّيَكِ امْرَأَةً، سَأُسَمِّيكَ كُلَّ شَيْءٍ”.

وَمَا إِنْ انْتَهَيْتَ مِنْ الْمَقَالِ ، ذَهَبَتُ إِلَى أُمِّي و قَالَتْ لَهَا ” هَذَا الْمَقَالُ بِ “عُنْوَانِ ” وَرَاءَ كُلِّ إِنْسَانٍ عَظِيمِ أُمَّهُ ” .

قَدْ لَا أَكُونُ اخْتَرَعْتُ الْكَهْرَبَاءَ وَلَكِنْ أَكْتُبُ مَقَالَاتٍ جَمِيلَةً ، هَكَذَا يَقُولُونَ . ابْتَسَمَتْ أُمِّي و قَالَتْ :- لَا بَلْ عَظِيمَةٌ وَ لَيْسَتْ جَمِيلَةً فَحَسْبُ .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى