شمشون العرب

مقال الثلاثاء 23-8-2016
شمشون العرب
برزت في نهاية الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي ظاهرة شمشون العرب، وكان يتسيّد شمشون العرب الخبر الأخير من نشرات الأخبار كما كانت ترتاح الصحف العربية بإفراد نصف صفحة لرجل مفتول العضلات يبرز نصف العلوي العاري للمتفرّجين ،حيث يقوم بالمشي على كوم من الزجاج المكسر بثقة زائدة أو يضع في فمه شعلة نار ، أو يدخل اسياخاً في خاصرته المشدودة ، أو يطلق صرخة مدوية قبيل تكسير عدة رفوف من الطوب بضربة واحدة ، وأحيانا هو نفسه “شمشون: ما غيرة ، يسحب شاحنة كاملة بـ”شعر صدره” أو يجر مدحلة انشائية بأسنانه ، أو يقوم بسحب قاطرة ومقطورة بأذنيه وغيرها من المهارات المبهرة والفريدة لكنها غير مفيدة في الواقع على الاطلاق..كما اننا لا نرى شمشون سوى على الصفحة الأخيرة من الجريدة او بالدقيقة الأخيرة من النشرة لكننا لم نره مثلاً في الواقع وفي حياتنا اليومية كــ”سوبر مان “بطبعته العربية..
أنا أرى أن شمشون العرب الذي يستحق الاضاءة والتكريم والاشادة هو “الموظّف” بقطاعيه العام والخاص ، فالموظف بعد اليوم العاشر من الشهر يصبح نصف العلوي عاري تماماً، يقوم بالمشي الى نهاية الشهر بثقة زائدة ، ويحاول أن يطفئ شعلة غيظه من نفاد الراتب ،ويطلق صرخة مدوية وهو يصفع ناصية ماكنة الــ”ATM” وهي تخبره أن رصيدك أقل من الحد الأدنى للسحب.. ويتسلى من الافلاس بشدّ “شعر صدره.. ويحاول أن يصل للراتب الجديد بكل بسالة…الموظف هو شمشون العرب الجديد..فمنذ ان ارتفعت شمس الصيف رمحاً في السماء وهو يعاني ويتحدّى نفسه ويحاول ان يغطي ساقي مصاريفه بتنورة راتبه مثل “الستّ المستحية” ..كانت البداية في رمضان ومصاريفه الهائلة؛ ولائم وطلبات النفس الأمارة بالسوء ، تلتها مصاريف العيد من ملابس وعيديات وزيارات ورحلات ترفيهية، تلتها مناسبات الأفراح بمختلف المقاسات..نجاح ،تخرج، زفاف،طهور..عقدقران..انتقال الى منزل جديد…الآن التسجيل للمدارس والتنقلات والمفاوضات في غرف المدراء عندي “4 رؤوس” كم تحسب لي الراس؟؟؟…وما ان ينقضي التسجيل للمدارس حتى يتشرف العيد الأضحى بالحضور …كل هذا والموظف على قيد الحياة..والابتسامة…
شمشون ليس الذي يمشي على المسامير والزجاج المكسر ويبقى على قيد الحياة…شمشون من تمشي عليه كل هذه المصاريف ويبقى على قيد الحياة..

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫7 تعليقات

  1. بشوية مدافشة ودفش .. ومداراة وتحمل الرفش … ما زلنا نستطيع العيش حتى نسلّم الامانة الى بارئها ونورث ابناءنا فقرنا ثم نحمل على النعش
    وما دمنا حتى الان لا ندفع ضريبة على انفاسنا … نستطيع ان نحسن التحمل حتى يقضي الله امرا كان مفعولا

  2. منذ خمس وثلاثون عاماّ وأنا انتضر آخر الشهر ولم يأتي متى يأتي ???????

  3. اسعد الله صباحك ابو عبدالله شمشون الان “لابد ” بعد ان اوصل المواطن الى هذه الدرجة التي ذكرت ما حل بالمواطن الاردني في السنوات ال 5 الاخيرة يفوق قنبلة هيروشيما ولا ابالغ والنتائج امام الجميع فقد اصبح لدينا انتحار اطفال ولا يوجد اصدق من مشاعر الطفل وهو يراقب معاناة الوالد المحب الذي اطيح به من قبل شمشون الذي هو لابد الان ولا يتحدث لكن دعاء المقهورين سيطيح به وبغيرة

  4. الحمد لله على كل حال، انشغلنا بأنفسنا فأشغلنا الله بها. ولو انشغلنا مع الله لكفانا الله ما اهمّنا ولا وحول ولا قوة الا بالله.
    صحيح انني مصاب بما اصيب به غيري من بلاء لكن قول الحقيقه مرير. وبهذه هذا المقال بدها روحه عالعقيه .
    صياح الخير استاذ ابوعبدالله وكل متابعي سواليف

  5. في الحقيقة أن الكل مسؤول عن الحالة التي وصلنا إليها. فنحن لدينا كبرة على …. عدد السيارات يكاد يصل لعدد السكان عدد الهواتف المحمولة ضعف عدد السكان نصف مليون عامل أجنبي أكثر ممن يعملون في دول النفط وعلى ذلك قس. لا شك أن للدولة دور لا تقوم به مثل إعادة تربية وتنظيم عاداتنا الاستهلاكية وثقافة العيب وغيجاد فرص عمل من صناعة وزراعة وفتخ أسواق لكن لا نهرب من مسؤولياتنا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته

  6. رائع ومبدع دائما ارجوا ان لا تنسى موضوع الكتابه عن القمل والذي اصبح ثمن الواحده 14 درهما في الأمارات ودمتم

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى