وزارة التربية والتعليم / عبد الكريــم فضلـــو العــــزام

” وزارة التربية والتعليم ”
أعتقــد أنَّ الحديــث عن وزارة التربيـة والتعليــم عبــر تاريخِهــا حديــثٌ طويــل ولــه تشعُّبــات كثيــرة, ولكنَّهــا كانـت بالمُجمَــل دائِمـاً مَنارة علــمٍ وأدب, تصنــع مُجتمعـاً مُتعلِّمــاً ذا تربيـةٍ أصيلــة تتَّســق مع أخلاقِ وقيــمِ وتاريـخِ هـذا الشَّعــب الأصيــل صاحِـب الهويَّــة والثقافـــة المتميِّـــزة.
كما كانـت تتميَّـز هـذه الوزارة بأنَّ جميـع كوادرها مِـن أصحـاب المؤهِّـلات العلميَّـة وقلَّمـا تشتمِـل وزارة أخـرى على هـذا القـدر مِـن المؤهِّـلات العلميَّـة كمـا كانَـت الوزارة تسيـر وفـق ضوابِـط تنظّـم كُـل الوظائِـف ويقُـوم على تنفيـذ هـذه الضَّوابِـط ومُراقبتهـا نخبـة مـن خيـرة القيادييـن المشهُـود لهُـم بالقُـدرة والكفـاءة.
في هـذه المراحـل ذات الطابع الذي أشرت إليه كان خريجوها الذين يكملون دراستهم مميزين وكوادرها كذلك حتى أنها أصبحت القدوة لكل وزارات التربية العربية والقدوة لكل الأنظمة التربوية في الدول المجاورة.
لكن الوزارة في الفترة الأخيرة أصبحت حقلاً للتجارب كل يسوق فيها فكره التربوي حتى أصبحت الأفكار متضادة أحياناً, كما أن المناهج صارت تضعف وتقوى حسب توجهات الوزراء, إضافة إلى أن واضعي المناهج لا يقتدون إلا بالنظريات التربوية الغربية حتى لو أن هذه النظريات كانت صعبة التطبيق عندنا لأن شعارهم (كُـل افرنجي ابرنجي) ولا يلتفتُـون إلى الحسنـات والخلاصات الفاعلة للمناهج والتجارب السابقة.
لا أريد هنا أن أتعرَّض لمُدخلات العمليَّة التربويَّة ولا إلى الأهداف والأساليب والتقويم وما إلى ذلك, ولكنني أفضل أن أتكلَّم باختصار عن الواقِـع العملـي الكائِـن حاليَّـاً والذي لا يُركِّـز على الجوهَـر وأنَّمـا يدُور حـول الرُّتـوش وحول الإجراءَات التي تُعطي بريقـاً ولكنَّـه بريـق السَّـراب يحسبُـه الظمـآن مـاء.
جميعنا يعرف أن العمليَّـة التربويَّـة بمختلـف توجهاتها لهـا جانبـان؛ جانب فنِّـي وجانِـب إداري ولكُـل جانِـب أهدافـه …. إلى غيـر ذلـك, ولكـن الأسـاس والأصـل لعمـل الوزارة هـو الجانِـب الفنِّـي الـذي له أهدافـه وأساليبه وأنشطتـه وتقويمـه وبيئتـه والقائمُـون عليـه وهـذا الجانِـب لا ينفصِـل عـن الجانِـب الإداري ولكنَّـه يظـل في صلب العمـل.
إنَّ مؤهِّـلات المُعلِّميـن وتعليمهِـم وتدريبهِـم يخـدِم في المقـام الأوَّل الجانِـب الفنّـي, وأن تطويـر المناهِـج هـو كذلـك, كما أن عمليَّـة التقويـم التي يختتـم بهـا كُـل عمـل وكُـل هَـدف هـي لكشـف العيـب والتقصيـر ووضـع الخطـط العلاجيَّـة لتلافِـي هـذا العيـب والتقصيـر حتى تتحقَّـق الأهـداف على أكمَـل وجـه.
إنَّ كُـل التربوييـن يعرفُـون أنَّ الأهـداف التربويَّـة التي أقرَّهـا الدستُـور وقانُـون التربيَّـة والتعليـم ثُـم تُرجمَـت كأهـداف للمناهِـج والوحـدات الدراسيَّـة جميعهـا مدونـة في أدلَّـة المناهِـج والكتُـب المدرسيَّـة وأن التقويمـات التي يمارسُها التربويُّـون في ختـام كُـل حصـةٍ و أثنائِهـا وفي نهايـة كُـل فصـل ونهايَـة كُـل عـام وفي نهايَـة كُـل مرحلـة ما هـي إلا لعـلاج الضعـف والخلـل وتطويـر المناهِـج وأداء الطلبـة الذيـن هـم محـور العملية التربويَّـة.
إنَّ الأمـر المُحـزِن اليـوم أنَّ الوزارة لا تقُـوم إلا بالتقويـم الذي يؤدِّي إلـى التعزيـر على طُلابِهـا الذيـن هُـم نتاجهـا وخلاصـة جهدهـا.
الوزارة اليـوم تخرج متباهيـة أنَّ طلابهـا في أدنى مستويـات التحصيـل, ولربمـا الجانـب التربـوي ليـس بأحسـن حـال من الجانـب التحصيلـي كمـا أنَّ الجانِـب العاطفـي والحِـس حركي و…و… ليسـت بأحسـن حـال مِـن ذلك أيضـاً.
ويبقـى السـؤال هنـا:
ماذا فعلـت الوزارة لعـلاج ذلـك ؟؟؟
ألا تعـرف الوزارة أنَّهـا ما وُجـدت إلا لتربي وتُعلِّـم الأبنـاء أحسـن تربيـة وأحسـن تعليـم وأن ترفـع مـن سويتهـم؟ وإلا فمـا الحاجـة إليهـا؟.
ألا تعرف الوزارة أنها عندما تفشـل في تحقيـق أهدافهـا فعلى مسؤوليهـا الاعتـزال وعلى الحكومة أن تبـدأ بثـورة تعليميـة تربويـة جديـدة تحقـق أهداف الشعب وأبنائه عمادها البناء، بناء الانسان من مختلف جوانب شخصيته، والحرص على بناءِ اجيالٍ متعلمةٍ مثقفةٍ متربيةٍ مسلحةٍ بما يخدم حياتها ولا يكون الهدف النقد والبكاء على الأطلال.
أرجو أن يعرف مسؤولو الوزارة أن التربية والتعليم ليست فقط تطبيق أنظمة وتعليمات فهذه يقوم بها حتى غير المؤهلين, وليست الوزارة لكشف العيوب وخلع الثياب والجلوس عليها دون معرفة أسباب العري والحَكْـوَكَــة و أن تعمَـل الوزارة على عِـلاج ذلـك.
أتساءَل ويتسـاءَل معي كُـل المُجتمَـع
كيف تقبـل الوزارة جيـوش الأمِّييـن من الطلبة ومثلهم من الراسبيـن والمُقصِّريـن؟
أين الخُطـط العلاجيَّـة التي وضعتها الوزارة والتي تُعنى بضعـف التلاميـذ؟
إذا وُضعت الخطـط العلاجيَّـة فما هي وسائل وعناصر تنفيذها وآليات ضبطها وضبـط نجاحها وإبعادهـا عن الروتين السابـق المعـروف؟
هل تقوم الوزارة بمحاسبة كُل مُقصِّـر عن تحقيـق الأهداف المَرجُـوَّة منـه؟
هل تُـدرك الوزارة دورها في تربية الأبناء وفي مقدار الخلل في منظومة الأخلاق والقيم عند الطلبة والمجتمع؟ وهل فعلت شيئاً للعلاج على المُستوييـن القريـب والبعيـد؟
أعتقد أن البيئة المدرسية الآن هي في أحسن أحوالها ولكن الخلل قد يكون في القائمين على تنفيذ الأهداف.
أرجو أن يعذرني القارئ على بعض الصراحة التي أتحدث بها ولكن الجرح مُؤلِـم يُجبِــر الصابرين على البُكاء.
ما عاد المجتمع يحتمل سماع شتم أبنائه ونعتهم بالتقصير والوزارة والميدان بريئون من أي ذنب.
أرجو أن تعرف الوزارة أن هدم بيت بكاملة أسهل من بناء حجر واحد, وأن النَّقـد والتَّجـريح أسهَـل شيء تَـراه العيـن وتفضحـه ولكـن بِنـاء الإنسـان وتعليمه وتربيته أصعب بكثير, وأن الهروب من القيام بالواجب إلى النقد والذم وغسل اليدين وعدم المسؤولية هي أسهل الطرق خاصة إذا كان الإعلام جاهزاً لإبراز المجاملات والقول (( كل شيء جاهز سيدي )) في حين المخفي أعظم.
الكاتـب: الأستـاذ عبدالكريـم فضلــو العـــزام

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى