هل أخمدتْ شعلةُ الشعر في مهرجان جرش / أ.د خليل الرفوع

هل أخمدتْ شعلةُ الشعر في مهرجان جرش

الحديث عن الشعر في التأريخ الأدبي متعدد الطرائف ، ولم تدعِ العرب الشعر منذ زمن المهلهل وامرئ القيس ومن قبلهما من الشعراء حتى آخر لسان عربي مبين ، وقد بقيت الكلمة بإيحائها وتصويرها وحركيتها وإيقاعها ضمن سياقها الشعري مؤثرة في وجدان الأمة وتفكيرها، وكان للشعر دور رئيسي في بناء العقل العربي؛ فكان أحد مكونات الحضارة العربية وروافدها في بدايات تشكلها وأوج امتدادها وازدهارها وتأثيرها في الحضارات الإنسانية ، ولعل هذا مدخل للحديث عن الشعر في مهرجان جرش الذي كانت بداياته موفقة في الاختيار والتنظيم والجودة الفنية معنًى ومبنى؛ فقد شارك فيه كبار الشعراء،بيد أنه في السنوات الأخيرة لم يعد للشعر فيه ذلك الوهج والاحتفاء، وأول ما يبادرُ الذهنَ من أسئلة هو : من يختار أسماء الشعراء ، وما هي مقاييس الاختيار فنيا وفكريا؟ وما هي المعايير التي تعتمد كي يسمى البعض شعراء؟ وهل في المهرجان لجان فنية تنتخب من الوطن والأمة شعراء يُسْمَع لشعرهم وتتحمل تبعات ذلك الاختيار ، أم أن الشخصية الانطباعية تتحكم في مسارات ذلك الاختيار ؟ والحديث هنا ليس قدحا فيمن يشاركون بل هو نقد للحالة الأدبية ومآلاتها؛ فالمهرجان هو وجه الوطن وصورته ، هكذا يُزْعم ويُقال ! ثم هل ضاقت جدران الأمة على أسماءٍ تتكرر في كل سنة؟ وهل يعقل أن يوزعوا على مدن الثقافة الأردنية الثلاث وليس من أهلها مشارك واحد ، وأين شعراء القرى الأردنية وبواديها ومخيماتها والشعراء المغتربون وشعراء الجامعات أساتذةً وطلابا ، وكان على إدارة المهرجان أن تستعين بمن يزودها بقامات شعرية وطنية وقومية لم تؤمن إلا بسمو الكلمة معنى وفنا ، ولم تتخذ الوطن حقيبة، بل كان الوطن في مخيالها وواقعها حياةً والحياةُ وطنًا ، ولا أتحدث في هذا السياق عن فكر محدد أو أيدلوجية معينة بل الحديث عن معطيات متنوعة في طليعتها شعرية النص بعيدا عن طلاسم العبارة أو سذاجتها ، فالذاكرةُ الوطنية والقومية تحفظ شعرا كثيرا لعرار وتيسير السبول وحيدر محمود وحبيب الزيودي وماجد المجالي ولا تحفظ سطرًا واحدا لأكثر من يُسْتَدعون في مهرجانات الظل ، ولا ندري أين دور المنتديات الثقافية ومديريات الثقافة والجامعات والمثقفين والمفكرين من لجان المؤتمر شعراء ومحكمينَ ، أم إن المتحكمين هم إداريو المهرجان ورابطة الكتاب وحسب ، ولماذا تصر إدارة المهرجان على جعل المنجز الأدبي تابعا للآخرين ، أم إن استجداء أسماء المغنين المشهورة قد طغى على الرؤية فتشابهت الأسماء على البصيرة؟ فهناك ممن ألقوا ما يسمى شعرا لم بتجاوزوا في قصائدهم بعدُ أبجديات النحو واللغة، وكانت الأماسي الشعربة قليلة الحضور يكاد المرء يعدهم على جميع أصابعه عدا إذا استثني المشاركون وأصدقاؤهم والإعلاميون ، وقد طغى الحضور الإعلامي الانطباعي مزينا ونافخا ومضخما على حساب النقد الفني الواقعي ، أمَا وقد وُضِعَ الشعر على مصاطبَ طينيةٍ رِخْوة فإن إعادة الألق إليه فرض وطني مُسْتَأنَفٌ ليكون مشكاة مُقْمِرةً ونورًا مبينا ؛ فالوقوف على أطلال المهرجان ورسومهِ مطلب لا مفر منه احتراما وتأملا كي تعود جذوة الشعر جذعةً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى