هذا نِتَاجُ تَرحيل المَشاكل / سلامة الدرعاوي

هذا نِتَاجُ تَرحيل المَشاكل

ما يشهده الاقتصاد الوطنيّ اليوم من تحدّيات عامة والخزينة بشكل خاص هو نِتَاجُ سياسة تَرحيل المَشاكل التي اتبعتها الحُكومات المختلفة منذ أعوام، فجميعها لم تواجه المَشاكل القطاعيَة بِوقتها، ورحّلتها لإشعار آخر، مما تسبب في ما نحنُ به الآن من اِختناق ماليّ واستياء عام.
قضية المعلمين هي أحد النماذج الصارخة لترحيل المَشاكل مُنذ عام 2014، أيّ أنها مُنذ خمسِ سنوات وهي تُرحّل من عام لعام آخر في ظل ضعف رسميّ في التعاطي مع متطلباتهم الماليّة في الوقت الذي كان بإمكان الحُكومات في ذلك الوقت التدرج بالحلول وعدم التصعيد و الوصول إلى النفق المظلم، فالتدرج بالحلّ وسيلة فاعلة في تجاوز الأزمات، خاصة وأن الإمكانات الماليّة كانت مُتاحة في ذلك الوقت اكثر مما هي عليه الآن، فالحكومات حينها كان لديها أموال المنحة الخليجيّة ومساعدات أكبر مما هو الوضع عليه حاليا في الموازنة مع اختلاف الظرف السياسيّ والاقتصاديّ للمملكة.
الأمر لا يقتصر على المعلمين ومطالبهم، فهناك العشرات من النقابات والفعاليات التي تطالب هي الأخرى بتحسين أحوالها المعيشيّة، من أطباء ومهندسين وصيادلة وممرضين وجيولوجيين ومتقاعدين، وجميعهم دخلوا مع الحُكومات السابقة منذ سنين بمفاوضات حول هذا الأمر وجميعهم بلا استثناء توصّلت الحكومات معهم لتفاهمات تقضي بأن أوضاعهم الماليّة لا تتناسب مع ما هي عليه وأنهم بأمس الحاجة للزيادات والعلاوات، لكن «العين بصيرة والأيد قصيرة»، وجميعها أيّ تلك المُطالبات تَتَرحّل من عام لآخر، والأسلوب المتبع للأسف للعلاج، هو تخدير الأزمة ومن ثم ترحيلها.
للأسف كاتب المقال لا يستطيع أن يقدم حلولا للخروج من الأزمة الراهنة مع المعلمين، فالحلّ المالي شبه مُستحيل في ظل وضع الموازنة، فبدون تلبية أيّة مطالب ماليّة جديدة لأيّ نقابة، سواء معلمين أو غيرهم، فالعجز الماليّ للموازنة سيرتفع من 650 مليون دينار مُقدّر في بداية عالم 2019 إلى ما يُقارب المليار دينار مع نهاية العام، أيّ أنه سيرتفع بِمقدار 350 مليون دينار بسبب تراجع الإيرادات المرتبطة بالأداء الاقتصاديّ العام، فكيف الحال إذا تمت تلبية طلبات المعلمين بالعلاوة والتي هي أقل ما يستحقونه.
والسؤال الأهم كيف للحُكومة أن تتعامل مع باقي المطالبات الماليّة النقابيّة إذا ما فُتح الباب على مصراعيه بعد تلبية الطلبات الماليّة لأي نقابة سواء معلمين أم غيرها من النقابات التي تُطالب بحقوقها.
والأهم من ذلك كُلّه، إذا ما عاد المعلم إلى صفوف المدارس دون أخذه مطالبه الماليّة المُتعلقة بالعلاوة، فكيف سيكون أداؤه التدريسيّ بعد كُلّ هذه الاعتصامات والإضرابات؟، لا شك أن مشهد التعليم سيواجه كابوسا حقيقيّاً يؤثر على مخرجاته سلباً.
أجزم لو أن هناك تنظيما خارجيّا يريد أن يعبث بأمن الأردن واستقراره ويدفع لذلك أموالاً طائلة فلن ينجح للوصول لما عليه المشهد الراهن بفضل سوء التعامل مع الأزمات، وترحيل المشاكل خوفاً من مجابهتها في وقتها، والتي كانت كُلف العلاج أقل مما هي عليه الآن.
لا أرى في الأفق حلّا سريعا لأزمة المعلمين، و أعتقد أن الحلّ كما تحدثت سابقاً لا يخرج من حلّين اثنين لا ثالث لهما: إما مساعدات استثنائيّة طارئة للمملكة تُساعد في تلبية الطلبات النقابية الجديدة، أو عمليّة سياسيّة شاملة تُنهي حالة الرتابة في المشهد العام للبلاد وتُنتج مؤسسات سياسيّة جديدة، تُشارك في تحمّل مسؤوليّة إدارة الأزمات وفق منهج ديمقراطيّ حديث.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الحل بحل الهيئات والمؤسسات المستقلة التى اكلت الاخضر واليابس،،، وما زالت الحكومة اذن طيم واذن عجين،،، اولا لترحل حكوكة الفشل ولتاتي حكوكة قادرة هلى حل هه المزارع التى لا فائدة منها، وسترى كم ستوفر الحكوكة من اموال

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى