نور على نور

نور على نور
د. هاشم غرايبه
قال لي أحد الأصدقاء: أما آن لك أن تيأس، وتدرك أنك تنفخ في قربة مثقوبة، فما زلت تكتب كل يوم حاثا على رفع #الهمة وشد #العزيمة آملا بالتغيير المفضي للنهضة ..لكن الأمور تسوء أكثر!؟.
قلت له: أوافقك على تشخيصك، بل وأعتقد أن #الرتق اتسع على #الراتق، لكن إيماني بأن هذه #الأمة هي خير الأمم لا يتزعزع، وقناعتي أن نصرها قريب أكيدة، لذلك لا يداخلني اليأس، وسأواصل بذل ما أمكنني، مستعينا بالله المطلع على النيات، ومعتمدا على قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام: “إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” [يوسف:87].
في حقيقة الأمر إن #الجهاد في سبيل الله هدفه إعلاء كلمة الله، وطرقه كثيرة فلا يقتصر على القتال، وما اعتبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذروة سنام الإسلام، إلا لأن الله تعالى أعلمه بأن هذا المنهج سيظل مستهدفا من قبل أعداء الله، دائبون على محاولة إطفاء نور الله ويفشلون دائما ولا ييأسون، لأنهم لا يصدقون أن الله تكفل بحفظ منهجه الى يوم الدين، لكنه لا يرسل ملائكة ليدافعوا عنه، بل يسخر من عباده المؤمنين من يتصدى لهم ويكشف تآمرهم، فيردهم خاسئين في كل مرة، ويظل هذا الصراع قائما الى يوم الدين، حينها يكون الحكم العادل بحق الجميع.
إن الله قادر على أن يقطع دابر أعدائه في لحظة واحدة، وفعل ذلك مع بعض الأقوام حينما استعصى على المصلحين إصلاحهم، لكنه تعالى وبعد أن أكمل دينه وأتم نعمته بالرسالة المحمدية، أراد لأمة الدعوة خيرا، وللمتقين منهم أجرا أعظم من أجر الإيمان والعبادة، فاراد بهذا الصراع منافع لهم كثيرة:
1 – بالتحديات تعلو الهمم، وبالصعاب تنكشف القدرات الكامنة، وكما في سباقات الجري، توضع الحواجز في المضمار، لتكشف من هو من المتسابقين أكثر قدرة على القفز عنها من غير ان تعيقه عن الوصول الأسرع.
2 – الإيمان في الصدور، ولا يمكن معرفة عمقه بالأفعال الظاهرة، فقد تكون حقيقة أو مراءة، ففي حالات الدعة والحياة الرغيدة لا يمكن التمييز، لكن في حالات الضيق والأزمة التي يصنعها المناوئون لمنهج الله، يتميز المؤمن عن قناعة والتزام بمتطلبات ذلك الإيمان عن ضعيف الإيمان، عندما تكون التضحية بشيء من مكتسباته في سبيل الله متطلبا، فينكشف الذي يبحث عن المنافع والمكاسب السهلة المنال، ولا يريد تحمل مشقة ولا يصبر على ضيق.
3 –المنافقون مندسون في الأمة، ومتوارون لأن أعمالهم الظاهرة كأعمال المؤمنين، لا يظهرون خبيئتهم وحقدهم على منهجها، جبنا منهم وقلة حيلة، ولا ينكشفون على حقيقتهم إلا في المحن وحين تعرض الأمة لغزو أو حصار، حينها يسفرون عن وجوههم ويصطفون مع الأعداء.
4 – من محبة الله لعباده الصادقين، أنه يحبهم ويريد أن يميزهم بعطائه، فيتيح لهم التسابق الى جنته، والوسيلة ليست الجري ولا رفع الأثقال، بل التضحية بشيء من متاع الحياة الدنيا، بالتطوع في الجهاد في سبيله، والوسائل كثيرة : التبرع بالمال لنصرة المقاومين لمن لم يتمكن من الجهاد بالنفس، وبالوقت والجهد إن تمكن المرء من الدعوة، أو باستخدام ما وهبه الله إياه من قدرات بلاغية أو خطابية أو أدبية أو فنية، أو بقول كلمة الحق ولو أضرت به، أو بكشف مؤامرات الأعداء والمنافقين، وتوعية عامة الأمة وتوجيههم للصمود في وجه الإحباط والتيئيس الذي ينشره الأعداء وعملائهم، وشحذ صمود ابناء الأمة للتصدي لذلك وعدم الاستسلام لكيدهم.
كل امرئ سيقف فردا يوم القيامة أمام الله، وسيسأله عما فعله.
بماذا سنجيبه عندما يسألنا عما فعلناه بحق استعادة الأقصى وفلسطين وباقي ديار المسلمين التي نعلم أنها فرض عين، أي لا يجزئ مجاهد عن قاعد شيئا؟.
هل يمكننا القول أن الأمر كان بيد أمريكا والأنظمة العميلة لها، ولا نملك من الأمر شيئا.
بل نملك أن نفعل الكثير: وأقله أن نعري أفعال الخائنين ولا نسكت عليها، وندعم المقاومين، ونرفض مسالمة العدو، وأن نفشل التطبيع.
ولذلك أكتب، فذلك أضعف الإيمان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى