نحو مجتمع يستفيد من رمضان

نحو #مجتمع يستفيد من #رمضان

مصعب البدور
تتزين نوافذ البيوت وأبوابها وباحاتها استقبالا لرمضان الموسم الديني وميدان السباق نحو الخير، وتكثر فيه الدعوات المكتوبة في مواقع التواصل الاجتماعي، وتنتشر مقاطع الفيديو ذات الموسيقى المؤثرة، وتجد المجتمع كله صار نموذجا من نماذج التدين -افتراضيا- ولا شك أنني أحب هذه المظاهر لما تبث في نفسي من مشاعر سعادة وطمأنينة، وأحبها لأنها عنوان لولادة جديدة ولادة شعور التجمع، والظهور بمظهر واحد، والاتحاد والالتقاء في نقطة يتفق عليها الجميع.
ولأنّ الحديث عن المنهجيّة ولأنّه في معرض التّغيير، وجب التّعريج على رمضان على وجه الحقيقة فهو منهج يمتاز بالعمليّة وترك التّنظير، فكل شيء فيه عمليّ ويجسد التّغيير، بعيدا عن المنشورات المزيّفة التي يبثها جمهرة من النّاس، وبعيدًا عن مظاهر التفاخر والمنافسة في اختيار زينة رمضان، فمكنونات رمضان شيء سامٍ من تربية للرّوح وتجديدٍ للإيمان، وهجر للمخفي من الأعمال المحرمة.
ومما ينشر الفرح في رمضان الأجواء المتزيّنة والمظاهر المتديّنة، لكنّ ما يفرحني أكثر أن يكون رمضان فرصة جديدة، لنبدأ مجتمعًا جديدًا، له ضمير يحاسبه، وله شعور مسؤول، يراقب كل حركاته، ففي رمضان يحاسب الجميع نفسه، ويصبرها ويبتعد بها عن أي شيء يفسد صيامه.
فلو تعلمنا من رمضان أن نراقب كل حركة يمكنها إفساد مجتمعنا فنتجنبها؛ لكنت أحس بسعادة أكبر.
ويفرحني أكثر من المظاهر أن نتعلم من رمضان أن كل عثرة يمكننا أن نبدأ بعدها من جديد؛ ففي كل عام نغرق في غفلتنا عن القرآن والطاعات، والصدقات؛ ثم يأتي رمضان ويزرعنا فيها من جديد، فتجد أصوات التلاوات تصدح في كل ركن وزاوية من بيوتنا، وترى المساجد تعجّ بالحياة وتغصّ المصلين والمعتكفين، وتحتشد بدروس العلم، وفي رمضان يخرج الناس زكواتهم. فهذا التّجدد سر من أسرار رمضان، فيه تحيا نفوسنا بعد موتها، وتتحرك مشاعرنا بعد جمودها.
وأحب أن نتعلم من رمضان كيف تكون الرّقابة ذاتية، فنعمد إليها دائما، في أعمالنا وتجارتنا وعلاقاتنا، وعند مسؤولينا، وعند موظفينا، وعند صناعنا، وحرفيّينا، وطلابنا ومعلمينا، عند كل من له مهمة، فمن يتذكر الله في سره وعلنه وفي خلوته وفي اجتماعه في الشهر الفضيل، يجدر به أن يربي فيه الشعور بالرقابة الإلهية والرقابة الذاتيّة.
وأحب في رمضان أن نتعلم منه الاستثمار، وأن نتعلم من أيامه أن نصبر على الفاني من أجل الخالد، وأن نعمل لرفعتنا في المحافل الحقيقية، فكلنا يتذكر الآخرة في رمضان ويعمل لها، وأحب أن ننقل التّجربة من رمضان باستثمار أوقاته بالأعمال، فنقتبس هذا الاستثمار المبدع في تنمية مقدرات الوطن وتعزيز العنصر البشريّ بابتكار المشاريع وبرامج التطوير، فما أجمل الاستثمار عندما يكون في مقدرات الوطن وقدراته البشريّة.
أحب أن يكون رمضان درسًا في الإصلاح، ومنهجًا في التربية، ومقررًا لتقويم السلوك، وقانونًا لرفض الفساد والكذب والغش، وأحب أن يكون رمضان دورة حياة، تبث في بقية العام ما ينقصنا من حياة الضمير والعمل الجاد والسعي وراء الخير.
‏وأحب أن نكون مثل رمضان، طقوسه فرح، واجتماعه خير، وتفرقه انبثاق، نهاره أداء واجب وليله نافلة، وطعامه جائزة، فإذا تأثر واقعنا برمضان، ستتبدل طقوسنا نكد إلى سعادة، واجتماعاتنا شجار إلى تآلف، وطعامنا مائدة للخلاف إلى مائدة اتفاق.
إنّ عواصف التهنئة قبل رمضان، واندفاعة العبادة بدايته، لا بد أن تتحول فينا إلى شيء جديد، يخلق فينا
طاقة تدفعنا إلى الاستمرار بمنهج الخيرات الذي بدأنا به، وعلينا أن نفهم من رمضان ما هو أهم من طعام الإفطار الذي يرمى أغلبه، وأهم من ازدحام الأسواق، وما هو أسمى من الشجار الدائم، ومن اتّخاذ الصّيام ذريعة لنفاد الصبر وسوء المعاملة، رمضان منهج للتغير فلابد لنا من حصيلة نأخذها منه وأن نتحول إلى مجتمع يعرف كيف يستثمر مواسمه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى