الجاي أخو الرايح / راتب عبابنه

الجاي أخو الرايح
(1)
استهلت الحكومة الجديدة عهدها برفع أسعار المحروقات لتزيد الأعباء على الشعب وهو على أبواب رمضان إذ ترتفع الحاجة لتوفر السيولة لتغطية المتطلبات الرمضانية. وهو إجراء عمق الشعور بعدم التفاؤل بهذه الحكومة وتعزيز القناعة بأن الجاي أخو الرايح ولا فرق بين هذه وتلك. الكثيرون قالوا القرار مجهز ومتخذ من قبل الحكومة المقالة. ألم يكن بإمكان الرئيس الجديد تثبيت الأسعار على أقل تقدير كخطوة تدعو الشعب للتفاؤل وتعطي رسالة مفادها الجدية بالوقوف بصف المواطن ولو من باب الترويج لحكومته؟؟!! الدستور تم تعديله بزمن قياسي ليخدم فئة محددة، فلماذا لا يجمد أو يلغى أو يعدل قرار مجحف بالأصل بحق المواطن؟؟
ذلك دليل قاطع على أن المواطن لم يكن يوما من أولويات الحكومات والجديدة إحداها، بل هي المصالح الضيقة التي تحكم القرار وتضع السيناريوهات التفصيلية بحيث تكون الفائدة منصبة على فئة محدودة العدد والضرر يلحق بباقي الشعب الذي سكت احتراما وصونا للإستقرار لكن لا أظن الحال سيستمر طويلا لأن الأردنيين كرامتهم عنوانهم فلن يصبروا على جور أو ظلم إلا بحدود ما يحفظ لحمتهم واستقرارهم وأمنهم، لكن من يضمن أن يكون صبرهم تحصيل حاصل؟؟ من يراهن على الحكمة والتعقل عليه أن يدرك أن لكل شيء نهاية وأن الإقتصاد الذي تداخل مع الكرامة لا بد من أن تنهض الناس للذود عنه وصونه حنى لا يبقى بيد البرامكة والمتبرمكين. لقد كانت فرصة ذهبية بيد د. الملقي فوتها وقد كان بإمكانه إعطاء انطباع التفاؤل بحكومته وإثبات حسن نوايا الحكومة لكن يبدو أن المواطن يأتي بآخر سلم أولويات هذه الحكومة التي لغاية الآن لا تختلف عن سابقتها.
(2)
ما يقارب نصف أعضاء الحكومة هم من الحكومة السابقة السيئة الذكر التي تذاكت فأفقرتنا وشدت الأحزمة فارتفع الدين صاروخيا واعتمدت الجباية عنوانا فزاد العجز ولعبت على وتر الشهامة فجعلتنا غرباء بوطننا واستبدلت النزاهة بالمحسوبية فعملت لصالح فئة النخبة وحرمت باقي أبناء الوطن. من الملاحظ أن مبدأ التوريث والتدوير لم يغب عن تشكيلة هذه الحكومة. وبالتالي التكرار يعني تماثلها لحد كبير مع سابقتها. وهذا النمط لن يبني ثقة بين المواطن والحكومة على عكس ما يطمح له الملك وعبر عنه في العديد من المناسبات وفي الأوراق النقاشية.
(3)
رب قائل لماذا التسرع لننتظر ثم نحكم. لسنا بصدد تقييم الأداء والحكم عليه بقدر ما نحاول إلقاء الضوء على الهيكلية والتركيبة وما تمنيناه لكيفية التشكيلة وما لم نتمناه. لقد مل الأردنيون من تدوير الأسماء التي تكاد تنحصر بعائلات بل وبأسر بعينها رغم ابتعاد التشكيلة الحالية عن أسماء تقليدية لعشائر اعتدنا أن يكون لها على الدوام استثناء بشغل حقائب وزارية أي عشائر “براسها ريشة” ميزها النظام بالقرب والإقتراب والرعاية وميزت نفسها بالتصفيق والتطبيل لكل ما يقال حتى وإن كان لا يخدم الدين ولا يتفق مع المثل والقيم المجتمعية. الرئيس نفسه وارث للمناصب، كيف لا ووالده أول رئيس وزراء بعهد المرحوم الحسين بن طلال؟؟ وهو وزير سابق بعدة حكومات وسفير أكثر من مرة، أليس ذلك توريثا؟؟
(4)
وزير الخارجية وهو أحد العابرين للوزارات وهو أيضا ابن وزير قبل على نفسه أن يعمل تحت إمرة من كان يوما يأتمر بأمره. ربما قبل بذلك خدمة للوطن والشعب والملك فلا تثريب عليه. وهذا يؤشر على مدى التمسك بالكرسي حتى لو خدش الكبرياء الوظيفي ولم لا ومياوماته تفوق راتبه وينعم بحياة الفنادق والمنتجعات والطائرات وكل ذلك تحت عنوان “التقى وناقش مع نظيره العلاقات الثنائية واتفقا على تطويرها في ضوء تطابق موقف البلدين الشقيقين أو الصديقين”. لا نسمع إلا هذه الديباجة التي أصبحت ثابتة كثبات البتراء.
(5)
وزيران غادرا مع الحكومة السابقة ولم يمض على تعيينهما أكثر من أربعين يوما وآخر يعود مع الوزارة الحالية بعد ستقالته/إقالته بأربعين يوما أيضا. أليس هذا ضرب من التلاعب والإستخفاف ونوع من المزاجية تخلو من الإحتكام لمرجعية صحيحة تضع الصالح العام في مقدمة أولويات الإختيار الذي يخدم ولا يهدم؟؟ هل هو ضرب من المستحيل الخروج من حالة التنفيع والإرضاء؟؟
(6)
الناخبون فقدوا الثقة بصدقية العملية الإنتخابية. ولا يساورهم أدنى شك بتدخل الدولة في الإنتخابات مهما حاولت أن تثبت للناخبين نزاهتها وترك العملية لهيئة الإنتخاب وحتى لو تم نقل الناخبين والمرشحين لكوكب آخر فلن يقتنع الشعب ببراءة الدولة من التدخل. وتلك قناعة تولدت بتراكم التجارب وباعتراف أحد مدراء أهم جهاز أمني. كل ذلك سينعكس على نسب الإقتراع في الإنتخابات القادمة وهو مؤشر خطير يعكس حالة غير صحية تحدد بدورها تصنيف الأردن سلبيا بهذا الشأن لدى المنظمات الدولية المعنية. هذا في عالم بات به المواطن شريك بالحكم وصناعة القرار. بتقديري الشخصي أعتقد أن المجلس النيابي القادم لن يتجاوز تمثيل ثلث الأردنيين بسن الإنتخاب.
المجلس السابع عشر أعان الحكومة على المواطن وكان ممثلا للحكومة أمام الشعب. فشعب حوصر بين فكي كماشة طرفها الحكومة والطرف الآخر النواب فأنى له أن يتوسم خيرا؟؟
(7)
ستبقى الثقة مفقودة طالما المواطن مهمشا.
ستبقى الثقة مفقودة طالما الإستخفاف بالعقول مقترن بالأداء الحكومي.
ستبقى الثقة مفقودة طالما الإختيار والتعيين قائمان على مبدأ التوريث والتنفيع.
ستبقى الثقة مفقودة طالما المواطن لا يلمس ما يخدمه من الحكومة.
ستبقى الثقة مفقودة طالما المواطن يشعر بمصادرة حقوقه لتعطى للمتنفذين وذويهم.
(8)
كيف سيتم بناء الثقة بين المواطن والدولة وهو يرى التغيير شكليا وليس هناك ما يدعو للتفاؤل بل تكاد الحكومات تكون مستنسخة عن بعضها؟؟ الإصلاح ما زال في المهد والفاسدون لم يحاسبوا. لا إصلاح إلا بمحاسبة الفاسدين وقطع دابرهم ليقضوا باقي أعمارهم خلف القضبان. ننادي بالإصلاح من رأس الهرم حتى القاعدة، فلماذا الإصلاح إذا لم يوجد خلل؟؟ المناداة بالإصلاح يعني الإعتراف بوجود الخطأ والإعوجاج. فلماذا لم يخرج الإصلاح من مهده؟؟
(9)
ما تقدم لا بد أن يلقي بظلاله على الأداء العام للدولة برمتها من موظفين وجنود وعاملين ومزارعين وجميعهم يكونون السواد الأعظم من الشعب فلا بد الأخطاء المتراكمة قد طالتهم ونالت منهم وهم من العشيرة في القرية والبادية ولا ننسى أن لكل فعل ردة فعل. فعندما يكون الأداء الحكومي ينعكس إيجابا على المواطن بالتأكيد ردة الفعل ستكون من نفس النوع وإن كانت سيئة وهي دائما كذلك فردة الفعل المماثلة بالسوء نراها تأخرت. شعبنا الأردني ليس غوغائيا بل متعلم ومثقف وواع ومدرك وهي صفات الحليم الذي وإن تحمل وصبر فلا بد من نهاية لصبره.
(10)
فهل من ناصح أمين ووطني غيور من رؤساء حكومات ووزراء وضباط متقاعدين، وأراهم كثر في الوطن وأعلم أنهم يحملون هم الوطن ويفتدوه بأرواحهم. فلم لا تلتقوا وتتدارسوا الأمر لتخرجوا بتشخيص الحالة الأردنية ووصف العلاج والتقدم بنتائج وتوصيات ترفعوها لجلالة الملك بعيدا عن البطانة لإنقاذ الأردن والحفاظ على ما تبقى قبل أن يخصخص. أو لماذا لا يشكل الملك مجلس مستشارين لتقديم النصح والإرشاد من الرعيل الأول لأن “الدهن بالعتاقي”. مجلس الأعيان رغم أنه يسمى مجلس الملك لكنه يسير بموازاة الحكومة والنواب فلا تأثير فعلي له سوى كونه برتوكوليا شكليا يقتضيه الحال.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى