يريدوننا نصف /سهير جرادات

يريدوننا نصف
سهير جرادات

عن أي يوم تتحدثون ؟!.. وهل تتحدثون عن ذلك اليوم البعيد ، الذي يأتي مرة في السنة ، تحتفلون به ونحن ما زلنا نراوح مكاننا ؟!. لتؤكدوا سيادة الفكر الذكوري، وتظهروا عجزنا عن إحداث التغييرعلى الأقل داخل المنزل ، وفي المناهج ، والتخلص من الموروث القائم على التمييز الجندري لصالح الرجل.. ،لنثبت في النهاية أن المعيقات ما زالت هي هي .. ولم تتغير رغم الضجيج الاحتفالي.

تتحدثون عن يوم عالمي خصص للمرأة على أنها النصف الآخر، وما زلنا نحتفظ بمنزلة النصف في كل شيء .. نصف المجتمع ..ونصف المشاركة ..ونصف الأجر ..ونصف الحقوق .. والنصف في التمكين ، والنصف في الميرات وربما نحرم منه، لنبقى بحاجة إلى المظلة الإقتصادية .. ونبقى مجرد نصف .
وأتساءل وقد مر اليوم دون أن نحقق فيه شيئا، هل خصص هذا اليوم لاستعراض قوة الرجل وقدرته على النيل من المرأة، والوقوف أمام طموحها؟

هل هذا هو اليوم الذي نريده ،وقد تحولت مؤسساتنا إلى مسارح هزلية لعرض التمثيليات المضحكة المبكية،لافساح المجال للمرأة لتجربة يوم واحد فقط لممارسة القيادة والإدارة ،بعيدا عن أي صلاحيات ، تماما كتلك الألعاب التي يمارسها الصغار ، أو تلك الأدوار التي نشاهدها في أفلام السينما وأفلام الكرتون .
للأسف أن هذا اليوم يتغنى به الشريك (الرجل )،بما حققته المرأة من نجاحات، متناسيا دوره في وضع المعيقات والعراقيل أمامها، تماما كما نتحدث عن الحروب والنزاعات بعيدا عن من يصنع ويوفر أدوات الموت والقتل ، ويكون جوابكم عن دوركم في إزالة المعيقات :” الحق يؤخذ ولا يعطى” .

هل تحتفلون بالمرأة التي ما زالت في كثير من محافظاتنا – لأن الأردن ليست عمان – تُحرم من حقها الشرعي في الميراث ، أو حق اختيار الشريك، أو حتى اختيار التخصص والمهنة التي تريد؟!.

أنت ، أيها الرجل ، يا من تمثل النصف الآخر ، هل فكرت ماذا ينقصنا نحن النصف ؟!. يا من تعتبرنا بأننا الجزء المكتمل ، عند حاجتك لوقوفنا إلى جانبك ماديا ،ومشاركتك أعباء الحياة بالخروج الى العمل ، أو عندما تتغرب وتترك مسؤولية الأبناء والمنزل علينا ،أوعند تركك لمسؤولية تربية وتدريس الأبناء ومتابعتهم .. هنا تعتبرون المرأة بأنها الكل .. وعند مطالبتها بحقها ، تعيدونها الى منزلة النصف ..

هل عرفت لماذا نحن النصف ؟!. لأن البعض يخصص نصف تفكيره في محاربتنا وابقائنا في النصف ، عن طريق التحكم والتفرد بالرأي في الدوائر والمؤسسات التي ترأسها ، وتمتلك حق القرار فيها لصالحك بعيدا عن المرأة ومصالحها.

أذكر عندما وافقت على أن أكون جزءا من تمثيلية هزيلة تُعرض يوما واحدا في السنة ،وحتى لا أتهم بالعرقلة أو أنني المعيق أمام الزميلات الصحفيات في هذا التقليد السنوي ، وتوليت في ذلك اليوم الاحتفالي مهام مدير وكالة الأنباء الأردنية – بترا – ، كيف رفض أحد الزملاء من الصحفيين، الذين يدعون أنهم يكتبون بحياد وموضوعية ،أن اترأس الاجتماع ، وانسحب حتى لا أكون ولو تمثيليا وشكليا رئيسة عليه.

ولم يختلف الأمر أيضا في ذلك اليوم عندما توليت منصب نقيب الصحفيين الأردنيين، كوني الصحافية المرأة الوحيدة في مجلس النقابة ، فقد انتهى اليوم المليء بالصور والأخبار الفارغة دون أي معنى ، لتكون الرسالة واضحة بأن هذا هو الدور الذي يسمح لنا بمزاولته ، ليس أكثر من تمثيل وتجربة .
لقد وصل بأحد المسؤولين في احدى المؤسسات ،وحتى يضعف وجود المرأة النموذج ، بأن كرر سنويا اختيار ذات المرأة التي لا تمتلك القوة والشخصية القيادية، وتتسم بالكثير من الضعف والتبعية ،ليكرسها نموذجا سنويا لمؤسسته ، وحرم جميع النساء من تولي هذا المنصب التمثيلي كون من كان يختارها احيلت على التقاعد ..

إن ما أحرزناه من تقدم نحن الأردنيات ، حتى لا نتخلف عن الأرقام العالمية ، كوننا من دول العالم الثالث .. يعود بالطبع إلى الارادة الملكية العليا التي ترانا نحن المجتمع وأننا نتساوى مع الجميع بالحقوق والمسؤوليات..

يا من تريدنا النصف .. ستبقى أنت النصف الآخر ..ويبقى يوم يحتفل فيه النصف الآخر بالنصف ..

Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى