مواسم العمر خمسة

#مواسم_العمر خمسة

#ماجد_دودين

هذا المقال تلخيص لكتاب: تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر – تأليف زينة الواعظين ودرة الناصحين الإمام عبد الرحمن بن الجوزي رحمه الله

الموسم الأول: من وقت الولادة إلى زمان البلوغ، وذلك خمس عشرة سنةً.

مقالات ذات صلة

والموسم الثاني: من زمان بلوغه إلى نهاية شبابه، وذلك خمسٌ وثلاثون سنةً.

والموسم الثالث: من ذلك الزمان إلى تمام خمسين سنةً، وذلك زمان الكهولة، وقد يقال: كهلٌ لما قبل ذلك.

والموسم الرابع: من بعد الخمسين إلى تمام السبعين، وذلك زمان الشيخوخة.

والموسم الخامس: ما بعد السبعين إلى نهاية آخر العمر، فهو زمان الهرم.


الموسم الأول: هذا الموسم يتعلق معظمه بالوالدين، فهما يربيانه، ويعلمانه، ويحملانه على مصالحه، فلا ينبغي أن يفترا عن تأديبه وتعليمه، فإن: ((التعليم في الصغر، كالنقش في الحجر)).

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا…}، قال: ((علموهم وأدبوهم)). فيعلمانه الطهارة والصلاة، ويضربانه على تركها إذا بلغ عشر سنين، ويحفظانه القرآن، ويسمعانه الحديث، وما احتمل من العلم أمراه به. ويقبّحان عنده القبيح، ويحسنان عنده المليح، ويحثانه على المكارم على قدر ما يحتمل؛ فإنه موسم الزرع.

لا تسه عن أدب الصغير … وإن شكا ألم التعب

ودع الكبير لشأنه … كبر الكبير عــــــــــــــــــــــن الأدب


إن الغصون إذا قومتها اعتدلت … ولا يلين إذا قومته الخشــــــــــــــــــــــــــــــــــــب

قد ينفع الأدب الأحداث في مهل … وليس ينفع في ذي الشيبة الأدب

فإذا راهق الصبي فينبغي لأبيه أن يزوجه، فقد جاء في الحديث: ((من بلغ له ولدٌ، وأمكنه أن يزوجه، فلم يفعل، وأحدث الولد، كان الإثم بينهما)).

الموسم الثاني وهو من زمن البلوغ إلى منتهى الشباب وهذا هو الموسم الأعظم الذي يقع فيه جهاد النفس والهوى وغلبة الشيطان. وبصيانة هذا الموسم يحصل القرب من الله عز وجل، وبالتفريط فيه يقع الخسران العظيم، وبالصبر فيه عن الزلل يُثنى على الصابرين، كما أثنى الله فيه على الصابر يوسف الصديق؛ إذ لو زل من كان يكون؟

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عجب ربك من شابٍ ليست له صبوةٌ)).

ويقول الله عز وجل: ((أيها الشاب التارك شهوته من أجلي! أنت عندي كبعض ملائكتي)).

وليعلم البالغ أنه من يوم بلوغه قد وجب عليه معرفة الله تعالى بالدليل لا بالتقليد، ويكفيه من الدليل رؤية نفسه، وترتيب أعضائه، فيعلم أنه لا بد لهذا الترتيب من مرتب، كما أنه لا بد للبناء من بانٍ، ولا بد لهذا البناء من باب. ويعلم أنه قد نزل ملكان يصحبانه طول عمره، ويكتبان عمله، ويعرضانه على الله تعالى، قال الله عز وجل: {وإن عليكم لحافظين. كراماً كاتبين. يعلمون ما تفعلون}.

قال محمد بن الفضل: منذ أربعين سنة ما أمليت على كاتبي سيئةً، ولو فعلت ذلك لاستحييت منهما. فلينظر العبد فيم يرتفع من عمله، فإن زل فيرفع الزلل بتوبةٍ واستدراك.

الموسم الثالث وهو حالة الكهولة وهذا الزمان فيه بقيةٌ من الشباب، وللنفس فيه ميلٌ إلى الشهوات، وفيه جهاد حسن، وإن كانت طاقات الشيب ترع وتزعج عن مهاد اللهو، وليكتفي الكهل بنور الشيب الذي أضاء له سبيل الرحيل، وليعامل بالبقية المائلة إلى الهوى يربح، ولكن لا كربح الشباب.

الموسم الرابع وهو الشيخوخة

وقد يكون في أول الشيخوخة بقية هوى، فيثاب الشيخ على قدر صبره، وكلما قوي الكبر، ضعُفت الشهوة، فلا يراد الذنب، كما قال الشاعر:

تاركك الذنب فتاركته … بالفعل والشهوة في القلب

فالحمد للذنب على تركه … لا لك في تركك للذنب

فإذا تعمد الشيخ ذنباً، فكأنه مراغم؛ إذ الشهوة المطالبة قد خرست.

ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبغض الخلق إلى الله شيخٌ زانٍ)).

فالويل كل الويل لمن لم ينهه شيبه عن عيبه، وما ذاك إلا لخلل في إيمانه.

وقد يقول الشيخ العالم: علمي يدفع عني، وينسى أن علمه حُجَةٌ عليه.

الموسم الخامس وهو حال الهرم

ورد في الحديث: ((ابن الثمانين أسير الله في أرضه)).

ولم يتوف زمان الهرم إلا تدارك ما مضى، والاستغفار والدعاء عمل ما يمكن من الخير اغتناماً للساعات، والتأهب للرحيل.

وكان عامر بن عبد القيس يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة، فلقيه رجل فقال: أكلمك كلمة. فقال: أمسك الشمس.

وقال لرجل سأله: أعجل فإني مبادر، قال: وما الذي تبادر؟ قال: خروج روحي.

وقال عثمان الباقلاني: أبغض الأشياء إلى وقت الفطر؛ لأني أشتغل بالأعمال عن الذكر.

وكان داود الطائي يشرب الفتيت، ولا يأكل الخبز، فقيل له في ذلك، فقال: بين شرب الفتيت ومضغ الخبز قراءة خمسين آية.

ومن نظر في شرف العمر اغتنمه، ففي الصحيح: ((من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلةٌ في الجنة)).

وقال الحسن رحمه الله: الجنة قيعانٌ، والملائكة تغرس، فربما فتروا، فيقال لهم: ما لكم فترتم؟ فيقولون: فتر صاحبنا، فقال: أمدوهم رحمكم الله.

وقد رأينا جماعة من الأشياخ يرتاحون إلى حضور الناس عندهم، وسماع الأحاديث التي لا تنفع، فيمضي زمانهم في غير شيء، ولو فهموا، كانت تسبيحةٌ أصلح.

وهذا لا يكون إلا من الغفلة عن الآخرة؛ لأن بتسبيحة واحدة يحصل الثواب على ما ذكرناه، والأحاديث الدنيوية تؤذي ولا تنفع.

وكان أبو موسى الأشعري يصوم في الحر، فيقال له: أنت شيخ كبير، فقال: إني أعده لعسير طويل. وقيل لعابد: ارفق بنفسك، فقال: الرفق أطلب. فمن عرف شرف العمر وقيمته، لم يفرط في لحظة منه. فلينظر الشاب في حراسة بضاعته، وليتحفظ الكهل بقدر استطاعته، وليتزود الشيخ للحاق بجماعته، ولينظر الهرم أن يؤخذ في ساعته، نفعنا الله وإياكم بعلومنا، ولا سلبنا وإياكم فهومنا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا، ولا جعل علمنا حجةً علينا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى