من وحي العيد

من وحي العيد
أ. د أحمد العجلوني
أكاديمي وخبير اقتصادي

العيد بكل بساطة هو دعوة عامة ومناسبة للفرح، وأهم الأعياد هي تلك التي تأتي بدعوة ربّانية مقدّسة تأتي في مواسم مقدّرة من الله عز وجل لفرض حالة الفرح العام وتجاوز الأحزان والمرارات بحلاوة العيد وأجوائه بكل تفاصيلها. ويهتم أرباب الأسر بالسعي لتهيئة الأجواء لخلق هذه الحالة من الفرح بما يستطيعون من قدرات مادية حسب قدراتهم، حتى لو اقتضى ذلك تأخير أولويات معيشية لصالح مصروف العيد أو حتى مزيداً من الديون. كما أن العيد فرصة ذهبية لأهل الخير لإصلاح ذات البين في البيت والبناية والحي والقرية والمدينة لكي يجمعوا شتات القلوب ويصلوا ما تقطّع من صلة الأرحام وتجاوز حالات الخصام والخلاف؛ والارتواء من مياه المحبة التي جففتها وعسّرت جريانها سدود الشقاق والخصام. وهذا ما ألفناه وتربينا عليه في أردننا الحبيب منذ نعومة أظافرنا وورثناه عن آبائنا وأجدادنا، إذ كانت مناسبة العيد دوماً علامة فارقة في تحسين العلاقات الاجتماعية ورأب الصدوع وتأليف القلوب.
ولئن كانت مسؤولية رب الأسرة والبيت الصغير كبيرة في بذل الاستطاعة القصوى لإسعاد زوجته وأبنائه، أو كانت المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية لأهل الحي والبناية والبلدة كبيرة؛ فإنها تكون أكبر كلما كبر البيت واتسع، وكلما تعاظم الهم لكي يكون بحجم وطن. وكلّنا يعي ما يمر به بلدنا الحبيب من ظروف اقتصادية وتحد صحيّ نجم عن أزمة الكورونا، ويسمع ويرى ويتابع ما تنويه قوى الشر التي تتكالب عليه لفرض خيارات استراتيجية ليست في مصلحة الأردن مما سمي بـ “صفقة القرن” وغيرها من المخططات التي تهددنا. وهذه تحديات عظام تتطلب تكاتف الجهود ورص الصفوف وتذويب الخلافات بين أبناء البلد من كل شرائحه وأطيافه وطبقاته.
لقد كنّا نأمل أن يأتي هذا العيد وقد أنجزنا جانباً مهماً من الاستعداد الوطني للتحديات وتوحيد الصفوف للسعي نحو الأهداف العليا التي تحقق مصلحة الوطن وتعين على مواجهة المخاطر. ولكن واقع الحال –وبكل أسف- أمسى على غير ما تمنيناه وما أملناه، وبدل أن تأتي الحكومة (رب الأسرة) بالفرح والبهجة لأبناء البلد فإنها أضافت لأزماتهم وهمومهم أزمات جديدة بلا طائل ولا مصلحة، فأفسدت على الأردنيين ونكّدت عليهم عيدهم. فها هي عشرات الالاف من الأسر قد حرمت فرحة العيد لأسباب كان من اليسير تفاديها لو أديرت الأمور بحصافة ورشد، فالكثير من العائلات تناثر أبناؤها في بلاد الاغتراب وتقطعت بهم السبل بسبب خلق أزمة المغتربين.
كما فجع الجميع بالتجاوزات الكبيرة على القوانين المحلية والدولية، وانتهاك قيم المجتمع الأردني وأعرافه بالتجاوز الفج على حقوق عشرات الآلاف من المعلمين والتنكيل بقياداتهم النقابية وقمع احتجاجاتهم السلمية، ولم تشفع لهم مناسبة العيد المبارك ولا ظروفهم الصحية المهددة للحياة بأن يقضوا العيد بين أطفالهم وأمهاتهم وأزواجهم، في حين أن المتهمين بجرائم كبرى يطلق سراحهم وينعمون بكل راحة؛ ويتم التجاوز عن تجاوزات كثيرة بحق القانون والوطن وأهله (من الحكومة وغيرها) وغض الطرف عما لا يتّسع لتعداده المقام.
إن الربّان الحصيف المحنّك يعد سفينته جيداً ويتفقدها ليتأكد من متانتها وجاهزيتها؛ ويتأكد من كفاية المؤن فيها قبل الشروع بالإبحار. ومع ذلك وقبله يختار بحارته من الأكفاء الأمناء المهرة. وهذا ما نريده لسفينة بلدنا قبل أن تبحر في محيط المستقبل المليء بالأنواء والعواصف ووحوش البحر الشرسة التي تحوم حول السفينة؛ لكي نصل إلى بر مستقبل آمن ومزدهر بإذن الله.

حفظ الله الأردن من كل شر؛ وأدام ازدهاره

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى