من دفاتر معلمة / خلود المومني

من دفاتر معلمة
( كل ده كان ليه! !!!!! ) .

أكملت استعداداتي ورتبت أموري لاستقبال الأمهات في اجتماع خاص قمت بدعوتهن إليه …المكان. ..الزمان. ..بطاقات الدعوة. ..الضيافة. .. فاللقاء خاص جدا. . خطر لي وأنا أواجه أسئلة من طالباتي المراهقات تشير إلى بعد المسافة بين الأم وابنتها. …ولا حتى لقاء في المنتصف. ..قررت أن التقي بهن وانصحهن بطريقة التعامل مع ابنتها في هذا العمر الحرج وكيف تكسب صداقة ابنتها وتكون قريبة منها ومن قلبها وأسئلتها. …احتياجاتها. ..حزنها. ..فرحها. ..صدماتها.
الصدمة الأولى. ….أن أقل من نصف الأمهات حضر الاجتماع. …يبدو أن الباقي ترى نفسها فوق مستوى النصيحة وتقوم بواجبها على أكمل وجه.
وبدأت الحوار وعلمتهن طرق التقرب الصحيحة من ابنتها وكيف تكسبها. …. .و…….و…وانتهى اللقاء بسؤال الأمهات عن بناتهن سلوكيا ودراسيا. شكرت في جميع طالباتي ومدحتهن واثنيت عليهن وانتهى ذلك اليوم.
في اليوم التالي دخلت صفي وهناك إحدى الطالبات من المقربات جدا. …تسألني دائما في أمورها حتى الشخصية. ..تحبني واحبها لأنها طموحة ولا تحتاج لأكثر من فرصة واهتمام.
نظرت إليها فأشاحت بوجهها عني. ..وقرأت في عينيها أشياء مخيفة. …تسرب الارتباك والقلق إلى نفسي. ..ليست هي من اعتدت عليها. …انتهت الحصة بطيئة جدا علي. …خرجت وأشرت لها أن تتبعني. …وقفنا نتحدث. …ماذا بك؟ ؟!!!أخذت تبكي. ….سألتها ثانية : شو في؟ ! شو صاير؟ ! هبت في وجهي : ليش يامس. ..ليش؟ ! ليش تحكي لأمي هيك عني؟ ! تسمرت في مكاني. …..شو بتقصدي. …شو حاكيه لأمك. ….شو حكتلك أمك؟ ! أجابت : مس والله بحبك وبحترمك وكنت اعتبرك أكثر من أمي. ..ليش تحكيلها إني مهمله بدروسي وأخلاقي سيئه. .. وإنك دايما بتمسكيني بكتب رسائل لشباب.
ذهلت. …صدمت. …انعقد لساني لهول ما أسمع. ….لم أخبر الأم أي من هذا الكلام. …على العكس كانت أكثر من نال مديحا وإطراء مني. ….لم أعرف بماذا أرد عليها. …إذا قلت لها أمك كذبت. …ستفقد الثقة فيها. ..وإذا سكت ولم أدافع عن نفسي ستفقد ثقتها في أنا. …ولأول مرة في حياتي أمر بمثل هذا الموقف. …لن أستطيع الدفاع عن نفسي لأن التداعيات كثيرة في نفسية البنت بعد هذا الموقف. …فكرت. …أنا سأبقى إنسانة عابرة بالنسبة لها. …أمها الباقية إلى ما شاء الله. …..يجب أن لا اشوه صورة أمها. …وذهبت البنت وانا صامته. ..وحرارتي قد ارتفعت. ..ونار اشتعلت في رأسي. ..ولم تعد قدماي قادرتان على حملي. …..ولم أستطع الحياة مع هذا الموقف. …أنا المعلمة القدوة الكاذبة التي اتهمت طالبتي أمام أمها اتهامات باطلة. …وبقيت صورة البنت معي. ..في نومي وصحوي…وحصصي وحياتي كلها. ……..كلما مرت لحظة ازداد ألما. ..وألم أكثر فأكثر أثناء حصتها. ….كنت اتمنى أحيانا أن انفجر بالبكاء. . لا لنظرة الطالبة التي تغيرت بل لمفهوم الأم عن كيفية كسب صداقة ابنتها. …..كم هم كثر في حياتنا أولئك الذين يعتقدون أنهم إذا أرادوا كسب ود أحد عليهم بجعل الجميع أعداء له. …إما أن يكون هو فقط أو لا يكون. !!!
وانتهى العام. …كان أطول عام دراسي مضى علي مع تلك المشاعر والمواقف. …..وفي اليوم الأخير للامتحانات جاءت الطالبة إلى غرفة المعلمات. …نادتني على انفراد. …قالت لي : مس انا مش قادره أصدق اللي صار. ..طول السنه وانا بتعذب لاني حبيتك ومش قادره اكرهك. …وبعد اللي حكته أمي انك حكيتيلها اياه بالأول غضبت. …وزعلت. ..بس لما فكرت وربطت المواقف مع بعضها. ..ومعاملتك وطريقتك. …بطلت مصدقه. … بس ريحيني يا مس انا بعرف انك لا يمكن تكوني حكيتيلها. …بس حابه اسمعها منك مش قادره ما أثق فيك. …حكيتلها ممكن سؤال بالأول؟ ! قالت : اسألي يا مس.
علاقتك بإمك بعد هاي القصة كيف صارت؟ ! صرتوا صحبه ولا زي أول؟ ! قالت : مس بدك الصراحه. …وأسوأ من أول.
قلت للطالبة : أنا لم أخبر أمك شيئا مما قالته. لقد كذبت عليك بكل حرف. ….لا أعرف هل تصرفت بطريقة صحيحة؟ ! أم أنه تصرف خاطيء وقرار يضاف إلى جملة القرارات التي نتخذها خطأ في حياتنا؟ !
قرأت فرحا في عينيها بريقه أضاء الطابق كله. …احتضنتني وقبلتني وذهبت.
وقفت دقائق صامته أفكر. …لماذا كان كل ذلك العذاب طوال العام. لي وللبنت؟ ! ولماذا كذبت الأم ما دامت لم تحسن علاقتها بابنتها. ؟! ولماذا بقيت صامته؟ ! ما مصلحة الأم في أن تقطع صلة ابنتها حتى فيمن تثق بهم؟ ! ولماذا. …لماذا. …لماذا؟ ؟!!
لم يخطر ببالي حينها إلا عبد الوهاب في كل ده كان ليه! !!!!!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى