من توفى الحجي / عودة عياصرة

من توفى الحجي

هذه الجملة هي رزنامة جدتي وتوقيتها الصيفي والشتوي ، كل شيء في ميزان حياة جدتي يؤول الى العام الذي توفي فيه جدي ، اذا أرادت أن تصف الأحداث تقول : ” يا جدة فلانه كانت ناقل بابنها سنة ما توفى الحجي ، أبوك راح على العمرة قبل ما يتوفى الحجي بسنتين ، الحجة رحمة توفت بعد ما توفى الحجي بثلاث سنوات ، جابت ثلجة كبيرة بسنة ما توفى الحجي “.

هذا هو الحب الذي لم تستطع أن تترجمهُ جدتي ببيتِ شعرٍ أو بلحنٍ أو بقصيدة ، انها مشاعرُ جدّتي التي صارت غباراً وحديثاً ودموعاً وذكريات ، ستونَ عاماً بجوار جدي والشقاءُ يطغى على الحب وظروف الحياةِ أقوى من العشقِ المختبئ وراء جدران العمر .

مات جدي وما زالت جدّتي على قيد ذكراه تُفتّشُ عن حديثهِ عن كلامهِ عن حكاياته ، تقصُّ المواقف واحداً تلو الآخر وفي قلبها غصّة الفراق ، تختتم كل رواية بقولها : ” راح ولا كأنه عاش الله يرحمه ” .

مقالات ذات صلة

هذا هو الحب الذي لا يهرم ، رومانسية شائخة أُترجمها بحذرٍ كي لا أُحرّف جماليّة العلاقة ، هذهِ رسائلُ الغرام الحقيقية ، فرائحة المزنوك المخلوط بالهيشي أكثرُ عطراً من الياسمين ، وصوتُ المهباشِ صباحاً غنّى بحنجرتهِ لحناً من القهوة أطربَ التجاعيد ودغدغَ الشيب قبلَ الرحيل ، فلا صوتُ فيروز ولا رسالة صباح أو قُبلة وداع يترجم ذلك الحب وقتها ، هي جدتي التي عشقت جدي بسليقتها ببساطتها بمنجلها وملفعها ، ومن بعد الموت والفراق ها هي تكملُ رسالة الحب لجدي بذكرياته ودموعها .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى