منارات هردبشتية / يوسف غيشان

منارات هردبشتية

أيّام زمان ، قبل أن يمتلك القراصنة طوربيدات وأسلحة حديثة ورادارات متطورة ، كانوا يقومون ببناء منارات مزيّفة تضلل السفن عن المنارات الأصلية ، وترسلها – عمدا – إلى المناطق الصخرية أو الشعب المرجانية العملاقة ، حيث تصطدم بها وتغرق ، فيأتي القراصنة وينهبونها عن بكرة أبيها وأمّها وخالاتها.
التكنولوجيا الحديثة التي تستخدمها السفن حاليا ، وحصل عليها القراصنة أيضاً بطرق متعددة ، جعلت من خدعة المنارات المزيفة جزءاً من الماضي التليد لعالم القراصنة .
لكنّ لعبة المنارات المزيفة لم تنته قط ، بل ازدادت شراسة وتدميرا ، وتزايد عدد ضحاياها، بل تحوّلت من مجرّد حادث بحري وعملية سلب ونهب إلى كارثة وطنية ، هذا إذا افترضنا جدلاً أنها ليست جزءاً من خطة استعمارية لاحتلال السواحل ومضيق باب المندب.
كلّما سمعت عن كارثة سياسية ألمّت ببلد عربي نتيجة التخبط في حساب الأمور، والجهل بالمعادلات الدولية والمحلية ، كلّما بحثت عن المنارات الزائفة هناك لعلّي أعرف السبب الحقيقي لتلك الكارثة.
كلما سمعت عن كارثة اقتصادية كبرى عانى منها الاقتصاد وخسر الكثير من المواطنين مدخراتهم ، كلّما اعتقدت أنّ ثمة منارة مزيفة ما في مكان ما قد أودت بالوطن والمواطن من أجل مصالح شخصية.
كلما بكت مدينة عربية بحثت عن مناراتها الزائفة ، حتى لو لم تكن قريبة من البحر.
كلما جثمت هزيمة على صدورنا كالكابوس الثقيل ، كلما بحثت عن المنارات الزائفة .
كلما اختلف بلدان عربيان وتنابزا بالألقاب والشتائم ، كلما فتشت عن المنارات الزائفة عند الطرفين .
يعني : هناك عصابات كبرى .. هناك قراصنة جدد كبار يستخدمون تكتيك المنارات المزيفة ليدمروا الوطن وليسرقوا الوطن والمواطن ، أمّا الجهات التي نراها ونعتقد أنّها وراء هذا الحدث أو ذاك ، ونصبّ جامّ غضبنا عليها ، فما هي إلاّ عصابات أصغر أو مجرّد وكلاء وفروع تعمل بالمقاولة للعصابة الكبرى التي تسرقنا وتقتلنا وتدفعنا إلى الانتحار وتدمّرنا عن طريق خدعة قديمة لقراصنة البحر الذين تحوّلوا إلى البرّ فأكلوا الأخضر واليابس .. والحبل على رقابنا جميعا ، من المحيط إلى الخليج .
من كتابي(هكذا تكلم هردبشت)الصادر عام2011

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى