ملاحظات حول ملتقى المؤيدين لقانون الطفل / د. غازي الدويك

#سواليف

ملاحظات حول #ملتقى #المؤيدين لقانون الطفل
بقلم: د. #غازي_الدويك
أمين سرّ مجلس علماء الشريعة في حزب جبهة العمل الإسلاميّ
النائب الثاني للأمين العام للحزب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في أحد فنادق العاصمة عمّان تداعت قبل أيام مجموعة لعمل ملتقى سُمّي بالملتقى الوطني الديمقراطي، تدعو لدعم إقرار #قانون #حماية_الطفل الذي سيُناقَش في مجلس النواب في دورته الاستثنائية هذه.

وفي نظرةٍ أوليّة لهذا الملتقى يظهر بجلاء أنّه قد جاء كجزءٍ من حملةٍ إعلاميّةٍ ممنهجة تهدف إلى الردّ على ملتقى حزب جبهة العمل الإسلاميّ حول القانون نفسه في الأسبوع الماضي والذي لاقى مشاركة وترحيباً وتأييداً منقطع النظير تجاه رفض المساس بقيم #المجتمع وآخر حصونه وقلاعه (الأسرة)، ممّا يثير الغرابة حول حدّة وسرعة ردة فعل القائمين على الملتقى!! وعلى الرغم من الحملة الدعائية الواسعة التي رافقت عقد الملتقى، والتغطية الإعلامية الرسميّة وغير الرسمية لحشد الحضور، إلاّ أن الملتقى بدا معزولاً عن نبض المجتمع وهويّته وقيمه، فلم يكن الحضور سوى عدد قليل ممن يسمون أنفسهم بالنخبة، ممّا يعني أن الملتقى فشل في إيصال رسالته وأهدافه إلى عامّة #المجتمع_الأردني المسلم المعتّز بدينه، وهويّته، وأعرافه، وتقاليده.
وأنا هنا لستُ ضدّ أن يعبّر النّاس عن رأيهم فيما يدور في المجتمع من قضايا، وإن خالف رأينا وتوجهنا بما لا يُصادم الشرع وثوابت الدّين، أو يُخالف قِيَم المجتمع وأعرافه، ولكنْ، هل الذي نظموا الملتقى وهم يمثلون ما يُسمّى بالتيّار المدني (يساريون، ليبراليون، حداثيون، تنويريون) يحترمون رأي المخالف لهم؟ وهل يتحمّلون نقد طروحاتهم؟ فهم لم يسمحوا في ملتقاهم لأيّ صوتٍ مخالفٍ لهم أن تكونَ لهُ مجرد مداخلة أو تعقيب! ممّا يؤكد أنّهم أدعياء لحريّة الرأي والرأي الآخر، وأنّهم في حقيقتهم إقصائييون، إلغائييون لخصومهم ومخالفيهم، (وبخاصة الإسلاميين منهم)، فلطالما بشّر الليبراليون العرب بقيم الغرب وحضارته، وأفكاره المدنيّة والديمقراطية، فلمّا صاروا على المحكّ تبدلت تلك القيم إلى إقصاءٍ وتهميشٍ لمخالفيهم. لستُ هنا لأناقش رأي (الملتقين) وحججهم الواهية في تأييد القانون، لكنني أريد التنبيه إلى الدوافع التي تدفع هؤلاء إلى تبني قوانين الغرب وأفكاره وقيمه في طروحاتها، كي لا ينخدع الناس بطروحاتهم، أو تعجبهم عباراتهم المنمقة.
واضح أنّ المجتمعين يقعون تحت سطوة الانبهار بالقيم الغربية والقوانين المستوردة (سطوة الليبراليّة الغربيّة وثقافتها)، ولذلك عبّر أحدهم بحماسة منقطعة النظير عن أنّه:( يجب إقرار قانون الطفل، وتأييد نصوصه)، هكذا دون أيّ ضوابط أو استدراكات، وكأنّه قانونٌ إلهيّ نصوصه قطعية!!! ولا شكّ بأنّ هذه الحماسة مردّها إلى الهزيمة الثقافية أمام ثقافة الغالب، فالمغلوب مولعٌ دائماً بالاقتداء بالغالب، وبالأخصّ في قيمه وقوانينه! ولعلّي أُدلل على كلامي بأمثلةٍ ثلاثة ممّن تحدثوا في الملتقى، لنرى أثر سطوة ثقافة الغرب وقيَمه في هذا الخطاب.
تحدثت في الملتقى إحدى (التنويريات) وكانت ممثلة للشعب، واصفةً مُعارضي القانون (بالرجعية وعدم الفهم)، وبالغت في تصوير القانون كأنّه المنقذ لأطفال الأردن، وأنّ ملتقاهم قد انتصر للطفل من المضللين!! ورسمت للقانون صورة جمالية من وحي الخيال الواسع. ولا شكّ بأنّ هذه الأوصاف تجاه من يعارض القانون، أو يُعارض أفكارهم ليست جديدة ولا تنويرية، بل هي ذاتها ما كانت تمارسه الجاهلية وأهلها مع الثلة المؤمنة وتشغب عليها، وهو ما سطّره القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]. فهذه لوصاف وسلة لقطع الطريق على الحقّ وأهله من أن يصلوا إلى عقل وفهم المجتمع وأهله، وإشغالهم عن أن يستوعبوا هذا الحقّ المطروح بإثارة مثل هذه الأوصاف، وخلق البلابل التي تحاول إفقاد جمهور الناس عقلهم وتركيزهم، وقد تُوقف بعض أصحاب الحقّ عن المضيّ في عرض حقهم، وهذا ما كان يفعله أبو جهل، إذ كان يقول لأصحابه:” إذا قرأ محمد القرآن فصيحوا في وجهه، حتى لا يُدرى ما يقول”. إنّ رفع صوت هؤلاء الموافقين للقانون ونعت مخالفيهم بمثل هذه الأوصاف هو نهج جاهليّ له أتباعه في كلّ عصر، رجاء الغلبة المتوهمة “لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ”.
وإحدى المُتحدثات (ناشطة حقوقية)، هاجمت بيان علماء الشريعة في الحزب، وأثارت اعتراضاتٍ لن أضيع وقتي في الردّ عليها، لكن هالني أنّها وصفت البيان بأنّه: (اختباءٌ خلف ستار الشريعة)!!! ونحن نتشرف أن نحتمي خلف أستار الشريعة، وأيّ قيمة لنا بدون الشريعة؟ وبياننا بيان علماء شريعة، أتظن حضرتها أن يتضمن نصوصاً (لجون لوك – مؤسس الفكر الليبرالي-)؟! إننا لا نجد غضاضة في أن نعلن أنّ منطلقاتنا هي من الشريعة ولأجل الشريعة، وصولاً إلى تحكيم الشريعة، ولتنظر حضرتُها ماذا جرّ علينا إقصاء الشريعة عن الحكم ؟؟ لكن هلاّ أخبرتنا هذه الناشطة ما هو الستار الذي تختبيء خلفه أفكارها وأقوالها؟! إنّ هؤلاء الليبراليين وأضرابهم الذين يرفعون اليوم أصواتهم عاليةً لتدمير آخر حصون المجتمع(الأسرة)، يفسدون في الأرض حين يزعمون أنهم يصلحون، ويهدمون بنيان المجتمع حين يظنون والمخدوعون بهم أنهم يبنون ويشيدون!!إننا ندعو الغيارى اليوم إلى العمل على رفض هذا القانون وعدم مروره، فنحن بأمسّ الحاجة إلى إنقاذ الأسرة والفطرة والقيم ممّا يتهددها من تدمير ممنهج، ولسنا بحاجة إلى استيراد قواعد قانونية لأخلاق وسلوك وتربية الطفل من حضارة غربية أوشكت على الفناء، بعدما انتقصت وتجاهلت القيم الإنسانية للإنسان، في الوقت الذي أبرزت وضخمت فيه الخصائص الحيوانية.
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى