مفهوم التجديد في الدين

مفهوم #التجديد في #الدين
هذا المفهوم يثير عادة ردة فعل رافضة لدى بعض السلفيين الاستنساخيين الذين يخشون ضياع الدين أو تفكك عراه، وتخوفا أن يؤدي ذلك الى التبديل والتعديل، مثلما جرى مع الأمم السابقة من أهل الكتاب، لذلك يلجؤون الى التشدد بالتمسك بحرفية ما قال به السلف الصالح، وعدم السماح بمناقشة فهم الأقدمين له.
التجديد في الدين ليس لإكمال نقص فيه، ولا لأن مفاهيمه ماضوية تحتاج لتحديث وتطوير، بل هي سنة كونية إلهية، لأن الله أنزله في زمان لم تكن المعارف البشرية قد وصلت بعد لاستيعابه بالمفهوم العقلي، ولأنه أراده لكل الأزمان القادمة، فلا شك أنه ضمنه كثيرا من الأمور التي لم يكن البشر زمن التنزيل قادرين على الإحاطة بها، لكن مع مرور العصور سيمكنهم ذلك.
إذاً فالتجديد يكون في #تطوير #الفهم_البشري للدين، أي الفقه، لأن الدين اكتمل ولا يعتوره نقصان.
من أهم عناصر اكتمال الدين وكماله، هو أن الله أنزله بكتاب يحوي كل عناصر الدين الأساسية من أسس العقيدة (أركان الإيمان)، والأحكام والتشريعات والعبادات (أركان الإسلام)، وجعله بلغة عصية على التقليد، وتعهد بحفظه بذاته العلية، ولم يكلف بشرا بتلك المهمة، لئلا يجعل لمن يبتغون تحريفه سبيلا لتحقيق مبتغاهم.
يجب التنبه الى مفهوم شركي يناقض أساس العقيدة الأول وهو التوحيد، تسرب بحسن نية من بعض الفقهاء، عندما قالوا بأن مصادر التشريع في الدين ثلاث: الكتاب والسنة والاجتهاد.
وهذا خطأ، بل هنالك مصدر وحيد للتشريع هو الخالق، والله لا يشرك في حكمه أحدا، وهو وحده الذي يعلم ما ينفع الإنسان وما يضره، وما هي حدود فهمه واستيعابه، وما هي أهواؤه ورغباته.
إنما هنالك ثلاث طرق لمعرفة التشريعات الإلهية، وهي الكتاب والسنة وفهم الفقهاء (الاجتهاد)، وترتيبها بهذا التسلسل هام، بمعنى أن البحث عن أي حكم شرعي يجب التوجه الى كتاب الله أولا، فإن وجد المرء مراده أكتفى به ولم يبحث في طريق سواه، وإن لم يجده بوضوح وبشكل شافٍ، توجه الى السنة، وهي ليست أحكاما موازية ولا بديلة لكتاب الله، بل هي من فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لكتاب الله، والمتمثل بقول أو فعل أو تقرير يبين ذلك الحكم، إما تفسيرا لمبهم، أو تفصيلا لمجمل، أو تخصيصا لمعمم.
لذلك فأي تشريع وارد في السنة، لا يخرج عن هذه الحالات الثلاث، وهذا يعني أنه ليس حكما مستقلا، بل هو فرع يجب أن يكون له أصل في القرآن.
أما الطريق الثالث، فهو في حالة أن تكون المسألة مستجدة، ولم تكن موجودة في زمن التنزيل، لذا لم يرد في أي من الطريقين الآنفين ذكر لها، كحكم التدخين مثلا، فلا يبقى الا السبيل الثالث وهو قياس الفقهاء على حكم المثيل.
ما سبق ذكره جاء من خلال فهم الحديث المشهور: “روي أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن. قال له: “كيف تقضي إذا غلبك قضاء”؟ قال: أقضي بكتاب الله. قال: فإن لم تجد في كتاب الله, قال: بسنة رسول الله, قال: فإن لم تجد. قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله”.
نستنتج ما يلي:
1 – إن إتاحة المجال لفهم الأحكام من غير السبيلين (الكتاب والسنة)، هو مناط التجديد، أي استخدام أدوات العقل البشري المنطقية (الملاحظة والمقارنة والقياس ..الخ) في استنباط حكم استجد ولم يكن معروفا زمن التنزيل.
2 – إن الاجتهاد يعني التجديد، وهو فرع من الأصل ولا يملك نقضه أو إبطاله، لذلك فلا خوف من خروجه عنه إن التزم بالضوابط العروفة.
3 – التجديد ضرورة يفرضها التطور، وهو سنة كونية أوجدها الله لتحقيق سنة دوام الارتقاء، لذلك فتزمت المتشددين إزاءه، ورفضهم الخروج عن فهم الأقدمين وتفسيراتهم، معاكس لما أراده الله، ولذلك فرض على أولي الألباب من المؤمنين دوام التفكر في كتابه على مدى الدهور، وعدم التوقف عن ذلك في أي زمن “وَٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا” [الفرقان:73].

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى