حكومات مُتنمِرة على شعوبها / د. مجد القبالين

حكومات مُتنمِرة على شعوبها

تُشتق كلمة التنُمر في اللغة العربية من مُحاكاة النمر؛ وذلك لتشبيه سلوك من يقوم باستغلال قوته في إساءة المُعاملة بالنمر الشرس والمُفترس ، ويتمحور التنمُر حول فكرة اساءة المُعاملة والابتزاز ، واساءة استعمال السُلطة والقوة.
والتنُمر احدى الظواهر النفس اجتماعية الموجودة لدى الأفراد وخصوصاً لدى الأطفال والمُراهقين ، ومؤخراً اصبحت صفة التنمُر موجودة لدى افراد يشغلون مناصب داخل الحكومة ويمتلكون السُلطة والقوة ، وهذا بحد ذاته شكل لهُم مع الوقت كرت مرور لمُمارسة سياسة التنمُر اتجاه الشعوب المغلوب على امرها.
وتتمثل البيئة الخصبة لزراعة بذور ثقافة التنمُر ونموها في الوسط السياسي بامتلاك الشخص المُتنمِر وهو (هُنا من يشغل منصب سياسي) جميع ادوات القوة والسُلطة ، ووجود اشخاص آخرون بحاجة للشخص المُتنمِر ولديه نقاط ضعف عديدة والذي يُمثِل الضحية التي يتم مُمارسة التنمُر بحقها( ويُمثلون الشعوب هُنا). وتتجسد اعراض الشخصية المُتنمِرة لدى صاحبها على شكل سلوك عدواني ورغبة في السيطرة والتحكُم بحياة الآخرين ، واستغلال السُلطة بشكل خاطئ بهدف ايذاء الآخرين بطريقة مُباشِرة او غير مُباشِرة ، والاستعداد لتصعيد الصراع وجعله يتفاقم وعدم الرغبة بالمُسامحة وانهاء نهر الصراع ، والاستبداد والترهيب والتهديد ومُمارسة الإرهاب الذي يسبقه التطرُف لدى صاحب الشخصية المُتنمِرة ، وعدم اهتمام بالأخرين وعدم احترام مشاعرهم وآرائهم ، وعدم القيام بالواجبات المُترتبة على الشخص المُتنمِر والتي تُعتبر حقوق للشعوب التي يتمر التنمُر عليها ، وعدم الاكتراث لمطالبهم وإهمالها وتجاهُلها بشكلٍ كامل ، اضافة الى ذلك مُعاناة الشخص المُتنمِر من اضطرابات تتعلق بالتعاطًف الانساني مع الآخرين ، ولا يقبل ان يُحاسبه احد ويعيش في حالة من المُكابرة على الخطأ ويعتبر نفسه انه دائماً على صواب ويتعامل بدكتاتورية ووفق مبدأ احادية وسلطوية الرأي ، واطلاق الاحكام السريعة على الآخرين واحكاماً قاسية في نفس الوقت ، والأنانية الزائدة ورفض الاعذار وعدم المرونة ، والشخصية المُتنمِرة خصوصاً والحكومات المُتنمِرة عموماً تحاول التركيز على نقاط الضعف لدى الشعوب وتوظيفها لإذلال تلك الشعوب واستغلالها سواءً مادياً او معنوياً وجعلك الشعوب تحت امرتها او بمعنى ادق (تحت رحمتها) ، فالشخصية المُتنمِرة مُقتنعة ان فرض وجودها يتم بالقوة والسُلطة فقط وتستمتع بإيذاء الآخرين .
اما بالنسبة لأدوات التنمُر السياسي التي يُمارسها بعض رموز السلطة تتمثل في :
– نظام الحصانة الذي يحصل عليه المسؤولين سواءً نواب ام وزراء والذي يُخرِجهم تماماً من طائلة المسؤولية والمُحاسبة القضائية وخصوصاً فيما يتعلق بحالات السرقة والرشاوي ، فمُجرد شعور المسؤول المُتنمر انه مُحصن وان القانون لا يستطيع مُلاحقته ومحاسبته ولو لفترة محدودة يُعزز من التنمُر لدى المسؤول خصوصاً ان من صفات الشخصية المُتنمرة ان صاحبها لا يُحب مبدأ المُسائلة والمُحاسبة على افعاله او اقواله ، وتتجسد لدينا صور واشكال التنمُر السياسي في الاردن داخل البرلمان بما يتمثل لدينا وعلى شاشات التلفاز من مُمارسة أعمال العُنف اللفظي (الشتم والسب والتهديد والترهيب) ، والعُنف الجسدي ولذي يتمظهر لدينا من خلال الضرب سواءً من خلال الأحذية ام استخدام المُسدسات او أي اسلحة اخرى.
وتكمن خطورة وجود مسؤول مُتنمر وخصوصاً اذا كان يُمثل بلده ويمثل شعبه بأنه ينقل صورة غير لائقة عن شعبه ووطنه ، ويعكس صورة غير حضارية وصورة تتسم بالعنجهية والهمجية.
– الرواتب الخيالية والمياومات والامتيازات المادية التي يحصُل عليها المسؤول يُعزز لديه فكرة ان المنصب تشريف وليس تكليف ، وكل ذلك يحصل عليه من جيب كل مواطن وكل فرد من افراد شعبه ، فهو يتنمر على افراد شعبه الذين هُم انفسهم يمنحونه الامتيازات المادية ، فصبح في هذه الحالة افراد الشعب انفسهم من العوامل المعززة للشخصية المُتنمِرة حتى لو دون قصد منهم.
– قيام المسؤول المُتنمر بتكوين قاعدة جماهيرية له بمُساعدة وسائل الاعلام واستخدامه كافة الأساليب للوصول لأهدافه وتطلعاته حتى لو كانت أساليبه غير مشروعة كالرشاوي والفساد.
ومن اشكال ومظاهر التنمُر ايضا قيام الحكومات المُتنمرة بوضع قوانين وانظمة وتعليمات فيها استنزاف لجيب المواطن محدودة الدخل وفيها إجحاف بحقوق المواطنين ، وتلك القوانين يتم وضعها بذريعة عجز الموازنة والتي يكون اهم مُسببِاتها حالات الفساد والسرقة التي تتم من قبل المسؤولين.
ان العوامل المؤدية لوجود مسؤولين متنمرين اتجاه شعوبهم نفسها هي ادوات التنمر السياسي اضافة الى ان الشخصية المُتنمرة تكون قد عانت في صغرها من اشكال عُنف عديدة او دلال زائد من قبل الأهل وغياب الوسطية والاعتدال في اساليب التربية المُتبعة ، حيث ان خبرات الطفولة السيئة والتي تتسم إما بالشدة المُفرطة او الحُرية المُفِرطة جداً احد اهم العوامل المؤدية لتشكيل الشخصية المُتنمرة.
وخلاصة القول………..
ان السياسي المُتنمِر على افراد شعبه هو شخص يُعاني من اضطرابات نفسية منذ صغره ويُعزز من هذه الاضطرابات ويجعلها تتفاقم اجواء الرفاهية التي يُصبح مُحاطاً بها عندما يستلم منصب في الحكومة ، إضافةً الى ذلك انه شخص ليس لديه شعور بالإنتماء والولاء والمواطنة لوطنه وليس لديه انتماء لأفراد شعبه ولا يُفكر بهموم شعبه ووطنه ، فكُل ما يفكر به هو الوصول لأهدافه الشخصية حتى لو كلفه الامر ان يتخذ من موارد ومقدرات وطنه سُلم يصعد عليه ، فالشخصية المُتنمرة في الوسط السياسي لا تختلف كثيراً عن وضع الأسلحة في الشارع فهو يُشكل خطراً على الدولة والمُجتمع وشعبه ، والمسؤول المُتنمر من اهم الوسائل وأخطرها التي تؤدي الى زعزعة الثقة بين الشعب والحكومة لأنه بالأصل لا يُمثل الحكومة بالشكل الصحيح بل يشوه صورة الحكومة امام الشعب ، ويشوه وظائفها التي من المفروض ان تقوم بها.
إن المسؤول المُتنمِر يعيش وفق المبدأ الذي قاله ميكافيلي في كتابه الامير……
(الغاية تُبرِر الوسيلة) ، وتلك الوسائل غير علنية وغير مُصرح بها تُسبِب تدهور الدولة والحكومة والمُجتمع لأنها وسائل غير مشروعة من الأساس ، وما الحكومة المُتنمرِة إلا انعكاس لمسؤولين مُتنمرين ضحيتهم الشعب المغلوب على امره.
د. مجد القبالين
دكتوراه علم اجتماع / علم الجريمة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى