مشروع العطارات … خيار استراتيجي وليس جريمة

مشروع العطارات ... خيار استراتيجي وليس جريمة / د.م. موفق ابراهيم الزعبي

سواليف – نشطت في الفترة الأخيرة بعض الاقلام والأصوات بمهاجمة مشروع العطارات للصخر الزيتي من خلال التصوير للمواطن أن الحكومة تعرضت للغبن أو ربما تسرعت في موافقتها على المشروع، وهذا الرأي خاطيء وفيه تضليل للراي العام، حيث أن توجهات الحكومة لاستغلال الصخر الزيتي لم تكن مطلقاً طارئة ولا وليدة اللحظة، فقد بدأ الاهتمام الحكومي بالصخر الزيتي من خلال قيام سلطة المصادر الطبيعية باجراء دراسات جيولوجية مكثفة لتحديد كميات الصخر الزيتي ومواصفاته من خلال كوادر السلطة وبالتعاون مع جهات دولية ومنها البعثة الجيولوجية الالمانية التي كانت موجودة في الاردن 1961-1966 والتي قامت باجراء دراسات مكثفة جدا عن منطقة اللجون وهي دراسات جيولوجية وحفر لابار المياه وقدر الاحتياطي المؤكد انذاك بأكثر من مليار طن، وفي عام 1985 تم ارسال 120 طنا من الصخر الزيتي الى ائتلاف شركتي ليرجي وجلوكنر لاجراء دراسة جدوى فنية واقتصادية متكاملة لانتاج الف برميل نفط من صخر اللجون وقامت ببناء محطة تجريبية لهذا الغرض وعندما انهيت الدراسة قدمت لسلطة المصادر في عام 1986التي بينت انه لكي تكون عملية التقطير مجزية يجب ان يكون سعر برميل النفط 26 دولارا واكثر، وفي عام 1986 تم ارسال 1200 طن من منطقة اللجون الى شركة البتروكيماويات الصينية لتقطيرها في مقطرة فوشون وقطرت الكمية بنجاح، ولتدني اسعار النفط حينها تم غض النظر عن الموضوع ومنذ عام 2006 زاد الاهتمام العالمي بموضوع الصخر الزيتي بشكل سريع مع الازدياد المطرد في اسعار النفط لذا قامت الحكومة بوضع استراتيجية متكاملة للاستفادة من خامات الصخر الزيتي المتواجدة في باطن الأرض سواء من خلال التقطير لانتاج الزيت أو الحرق المباشر لانتاج الكهرياء ونتيجة لهذه الاستراتيجية قامت الحكومة في عام 2006 بطرح عطاء مشروع لتوليد الكهرباء بواسطة الحرق المباشر للصخر الزيتي، ولم يتقدم لهذا العطاء اية شركة لذا فقد قامت اللجنة التوجيهية -التي ضمت بعضويتها كل من مدير عام سلطة المصادر الطبيعية مدير عام شركة الكهرباء الوطنية وأمين عام وزارة الطاقة و الثروة المعدنية- آنذاك برفع تقرير الى مجلس الوزراء بأن دولة استونيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعمل على استخراج الكهرباء بشكل تجاري من خلال هذه التقنية والخبرة بهذا المجال متوفرة لديهم، و تم الطلب من مجلس الوزراء للتفاوض المباشر مع الاستونين في هذا المجال ، حيث تمت موافقة مجلس الوزراء على ذلك بموجب قرار ﻤﺠﻠﺱ ﺍﻟﻭﺯﺭﺍﺀ ﺭﻗﻡ (5000) ﺒﺘﺎﺭﻴﺦ 28/7/2007 ﻟﺒﺩﺀ ﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺽ ﺍﻟﻤﺒﺎﺸﺭ ﻤﻊ ﺍﻟﺠﺎﻨﺏ ﺍﻷﺴﺘﻭﻨﻲ ﻟﺘﻨﻔﻴﺫ ﻤﺸﺭﻭﻉ توليد الكهرباء من خلال الحرق المباشر للصخر الزيتي ﺒﺎﺴـﺘﻁﺎﻋﺔ ﺤـﻭﺍﻟﻲ 300 ميغا واط ﻭﺫﻟﻙ ﻤﻥ اجل تنويع مصادر الوقود الأولية اللازمة لتوليد الطاقة الكهربائية وايجاد مصدر وقود محلي، وقد شملت اﻹﺴﺘﺭﺍﺘﻴﺠﻴﺔ ﺍﻟﺸﺎﻤﻠﺔ ﻟﻘﻁﺎﻉ ﺍﻟﻁﺎﻗﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺩﻥ ﻟﻠﻔﺘﺭﺓ (2007-2020) هذه التوجهات بحيث تكون نسبة الكهرباء المولدة من الصخر الزيتي من خليط الطاقة في عام 2020 حسب سيناريو الطلب المتوسط هي 14% ويتم تخفيض نسبة الكهرباء المولدة من المشتقات النفطية لتصل الى 40%، ورفع نسبة الكهرباء المولدة من الغاز الطبيعي الى 37% وكذلك رفع نسبة الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة الى 6% وتخفيض نسبة الكهرباء المستوردة لتصل 3%.
عودة لتاريخ المشروع فقد قام وفد في شهر تشرين الثاني من عام 2007 يتكون من وزير الطاقة و الثروة المعدنية رئيساً للوفد ومدير عام شركة الكهرباء الوطنية ومدير عام سلطة المصادر الطبيعية بزيارة استوانيا وتم التوقيع على مذكرة تفاهم لهذا المشروع، و تم بتاريخ 12/8/2008 توقيع اتفاقية بالاحرف الاولى لدراسة هذا المشروع لمدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد، و قامت الشركة منذ ذلك التاريخ باجراء الدراسات الجيولوجية والتعدينية والبيئية واعداد تصاميم المنجم والبنية التحتية وكذلك بعمل تجارب صناعية لحرق عينات الصخر الزيتي المستخرج من منطقة عطارات أم الغدران ، وفي عام 2010 تم البدء بالتفاوض على جميع الاتفاقيات الضرورية لهذا المشروع، و لم ترفع هذه الاتفاقيات لمجلس الوزراء للموافقة عليها لعدم تقديم الشركة لسعر الكهرباء واشرف على اعداد الاتفاقيات لجنة توجيهية اردنية برئاسة وزير الطاقة والثروة المعدنية وعضوية كل من أمين عام وزارة الطاقة والثروة المعدنية ومدير عام شركة الكهرباء الوطنية وممثل عن وزارة المالية، بالإضافة إلى لجنة فنية تضم ممثلين عن الجهات الحكومية المعنية بالتعاون مع مكتب استشاري عالمي تم تعيينه لهذه الغاية، و تم الاتفاق مع الشركة على معادلة واضحة للسعر تشمل كلف التعدين، و البناء و التشغيل و كلف التمويل اضافة الى عائد معقول على الاستثمار يقل عن 10%، في نهاية عام 2012 تم طرح عطاء من نوع التصميم والشراء والانشاء (EPC) لانشاء محطة كهربائية تتكون من وحدتين بقدرة حوالي 470 ميغا واط، حيث تم اختيار شركة (GPEC) الصينية المختصة ببناء المحطات الكهربائية العاملة على الوقود الصلب كمقاول رئيسي للمشروع وتم الاتفاق المبدئي للحصول على التمويل من بنك الصين والبنك الصناعي التجاري الصيني مؤمناً من (SINOSURE) وعلى اثر ذلك تم استكمال دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع عام 2013 وفي شهر كانون أول 2013 تم ارسال مقترح التعرفة الكهربائية لشركة الكهرباء الوطنية وتم البدء بالتفاوض بوجود ممثلين للحكومة من أعلى المستويات وكذلك بوجود المستشارين المعيينين من قبل الحكومة ممثلة بشركة الكهرباء الوطنية. تم انهاء التفاوض على وثائق المشروع بما فيها سعر التعرفة عام 2014 وعلى أثر ذلك تم توقيع اتفاقية شراء الطاقة واتفاقيات المشروع الاخرى مع حكومة المملكة الاردنية الهاشمية بتاريخ 2/10/.2014 وعلى اثر توقيع الاتفاقيات قامت الشركة باستكمال كافة اجراءات التمويل وتثبيت الاتفاق مع المقاولين الى أن حصلت على القفل المالي بتاريخ 16/3/2017، حيث تمت المباشرة فوراً بتجهيز الموقع وترحيل المعدات وتجهيز البنى التحتية المؤقتة استعداداً لأعمال انشاء المحطة الكهربائية ومباشرة أعمال التعدين والبنية التحتية الخاصة بالمنجم مما حرك السوق ورفع الافتصاد وساهم بتشغيل المئات من الايدي العاملة المحلية وقد تم أنجاز ما يزيد عن 85% من أعمال البناء في المشروع واستخراج ما يزيد عن 5 ملايين طن من الصخر الزيتي وتخزينها لضمان وجود الكميات الكافية لبداية تشغيل المحطة.
على الرغم من وضوح الاﺴﺘﺭﺍﺘﻴﺠﻴﺔ ﺍﻟﺸﺎﻤﻠﺔ ﻟﻘﻁﺎﻉ ﺍﻟﻁﺎﻗﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺩﻥ ﻟﻠﻔﺘﺭﺓ (2007-2020) بضرورة ادراج الصخر الزيتي كمصدر وقود محلي لانتاج الطاقة الكهربائية ، الا أن المشروع واجه من بدايته الكثير من التحديات واخطرها محاربة المشروع من أطراف متضررة من وجود الصخر الزيتي كمصدر وقود احفوري قادر على انتاج الطاقة 24 ساعة يومياً على مدار الاسبوع ولا يتأثر كثيراً بأسعار النفط الخام وهو يشكل حمل اساسي (base load) ما يعني أنه سيكون بديل لمحطات الدورة المركبة (Combined Cycle) العاملة على المشتقات النفطية وللغاز والتي ادرجت في الاﺴﺘﺭﺍﺘﻴﺠﻴﺔ ﺍﻟﺸﺎﻤﻠﺔ ﻟﻘﻁﺎﻉ ﺍﻟﻁﺎﻗﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺩﻥ ﻟﻠﻔﺘﺭﺓ (2007-2020) ضمن نسب واضحة ومدروسة بعناية بالاضافة الى تحديد المصادر الخارجية المحتملة ﻟﻠﺘﺯﻭﺩ ﺒﺎﻟﻐﺎﺯ ﻜﺎﻟﺴﻌﻭﺩﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺭﺍﻕ بالاضافة الى الغاز المصري الذي وضحت الاستراتيجية في حينه أنه لا يكفي وهذا بحد ذاته مؤشر كاف للدلالة على علم الحكومة بالظروف المحيطة بمحطات الدورة المركبة وعدم ضرورة التوسع بها، وعلى الرغم من ذلك كله فقد قامت الحكومة بتوقيع اتفاقية استيراد الغاز من شركة نوبل انيرجي (المستورد من اسرائيل) على الرغم من عدم وجود هذا المصدر ضمن استراتيجية الطاقة وكما أنه طرأ بعد الاتفاق على مشروع الصخر الزيتي مما يعني التزام الحكومة باستيراد حد ادنى من كميات الغاز لتجنب خرق الاتفاقية ودفع الغرامات واذي بدوره يدفع الى ايجاد فائض في كمية الكهرباء المنتجة ضمن الحمل الاساسي والذي سوف يدفع الحكومة لدفع التكاليف الثابتة للشركات -وهذا عرف متبع في كافة اتفاقيات شراء الطاقة- سواء تم انتاج الكهرباء ام لم تنتج ، كما لا ننسى التوسع غير المدروس خلال السنوات الاخيرة في اطلاق مشاريع الطاقة المتجددة والتي لا تشكل حمل أساسي بل هي طاقة كهربائية موسمية ولا يوجد حاياً بطاريات رخيصة لتخزينها مما يجعل أيضاً هناك فائض في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لا يستفاد منه.
المغالطات حول مشروع العطارات كثيرة ومنها محاولة نشر معلومات مجتزئة أو غير صحيحة حول سعر البيع للحكومة والذي يحسبه كل طرف حسب اهوائه، حيث يتداول أن سعر بيع الكهرباء هو 105 فلسات لكل كيلو واط ساعة وأن المشروع سوف يكبد الخزينة 200 مليون دينار سنوياً على مدى 27 عام وهذا كلام غير دقيق البتة، فربما يكون سعر بيع الكهرباء في مثل هذه المشاريع مرتفعاً في البدايات كون الشركات ملزمة بتغطية نفقاتها الرأسمالية واستحقاقت المقرضين في بداية الاستثمار الا ان سعر البيع سينخفض تدريجياً مع تقدم الزمن، مع العلم أنه عند توقيع اتفاقية شراء الطاقة المولدة من الصخر الزيتي كانت تكلفة سعر وحدة الكهرباء كما أعلنت الحكومة هو 24 سنت امريكي (170 فلس) ، وقد وقعت الحكومة بداية عام 2014على شراء الكهرباء من مشاريع الطاقة الشمسية بسعر 17 سنت امريكي (120 فلس) و كذلك وقعت على مشروع للرياح في الطفيلة بسعر 11.3 سنت (80 فلس).
بالمحصلة، فان المتابع يجد أن المشروع أخذ وقتأً كافياً من الدراسة وتم بحثه على مدار عشرة أعوام قبل أن يبدأ رؤية النور ولم يكن وليد اللحظة ولم يكن فيه اي نوع من الغبن اذ تم التفاوض مع لجنة توجيهية برئاسة وزير الطاقة والثروة المعدنية وعضوية كل من أمين عام وزارة الطاقة والثروة المعدنية ومدير عام شركة الكهرباء الوطنية وممثل وزارة المالية وبوجود المكتب الاستشاري العالمي المعين من الحكومة، كم أن اللهدف من المشروع كان استراتيجي بحت لتأمين مصدر وقود محلي بديل لتنويع مصادر الوقود الأولية اللازمة لتوليد الطاقة الكهربائية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى