مرة أخرى ، رسالة مفتوحة ولكن الى جميع العرب

مرة أخرى ، رسالة مفتوحة ولكن الى جميع العرب : العوامل الموثرة على موقف الفلسطينيين
د.لبيب قمحاوي

حتي لا يسئ أحدٌ من إخوتنا العرب فهم حقيقة الشعورالفلسطيني من العدوان الإعلامي الذي انطلق مؤخرا ًعلى الشعب الفلسطيني وقضيته ، و من طبيعة الصراع مع الصهيونية واسرائيل ، واستطراداً ً لما قيل سابقا ً في سياق هذا الموضوع ، وايضاحا ً للموقف الشعبي الفلسطيني ، من المهم تأكيد ما يلي :-
أولا ً : الشعب الفلسطيني شعب عربي أصيل ، لا ينكر الفضل أو جميل المساعدة والدعم من إخوته العرب ، ولكنه ، وبالمقدار نفسه ، عزيز النفس لايقبل الضيم أو المِنَّة أو الاحتقار من أحد .
ثانيا ً: الشعب الفلسطيني مثل غيره من الشعوب ، فيه الحلو وفيه المُرً ، فيه الوطني وفيه الخائن لقضيته ، فيه المناضل وفيه المستسلم ، وفيه الإيجابي وفيه السلبي . الفلسطينيون بشر كغيرهم من البشر ، وما يميزهم عن الأخرين هو قضيتهم واحتلال وطنهم وبالتالي تشتتهم في كافة الأصقاع ، واصرارهم العنيد على استعادة حقوقهم ووطنهم .
ثالثا ً : كان لإصرار القيادة الفلسطينية على الانفراد بمقدرات القضية الفلسطينية وبالقرار الفلسطيني من جهة ، والاصرار في الوقت نفسه على التدخل في عمق وغياهب السياسة العربية و العلاقات العربية – العربية ، الأثر الأكبر في رفع هالة القدسية عن قضية فلسطين وتحويلها من قضية فوق الخلافات العربية الى حجر من احجار الشطرنج في السياسة العربية والعلاقات العربية – العربية . وهكذا تحولت العلاقة بين العرب وقضية فلسطين من علاقة عقائدية وجدانية قائمة على الحق ووحدة المصير والخطر المشترك ، الى علاقة سياسية متذبذبة بين القيادة الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينيه ومن ثم السلطة الفلسطينيه ، وباقي الأنظمة العربية وشعوبها . وكانت النتيجة الحتمية لهذا المسار فك الارتباط والالتزام بين العروبة وقضيتة فلسطين .
رابعا ً: لقد كان لاتفاقات أ وسلو وما تمخض عنها وما رافقها من موافقة القيادة الفلسطينية على كسر أهم ثوابت القضية الفلسطينية ، الأثر النفسي الأهم في فتح الباب أمام بعض العرب للإستخفاف بالثوابت والمحظورات الفلسطينية خصوصا ً فيما يتعلق بالعلاقة مع العدو الصهيوني . وكان أخطر شعار عربي طرح في هذا السياق يتمثل ً في المقولة المشؤومة ” نقبل بما يقبل به الأخوة الفلسطينيون ” علما ً أن قيادة السيد ياسر عرفات كانت قد قبلت بالكثير مما لايجب القبول به ، وبالتالي مهدت الطريق أمام أولئك العرب الراغبين في التطبيع مع العدو الصهيوني ، والذين برروا ذلك بأنه يأتي انسجاما ًمع موقف ” الاخوة الفلسطينيين “.
خامسا ً : هنالك فرق كبير بين هدم حائط بيت وبين تدمير أساساته . ما يتعرض له الفلسطينيون وقضيتهم الآن هي عملية تدمير الأساسات التي تستند اليها القضية الفلسطينية . ما يجري هو الضرب في قلب الثوابت الفلسطينية وليس في القشور ، ومثل هذه العملية لا يمكن أن تصدر عن نفوس تائهة مريضة فقط ، ولكنها تأتي بالتأكيد كترجمة لبرنامج صهيوني خطير يهدف الى هدم أسس القضية الفلسطينية من خلال أدوات عربية ، مما يعكس درجة اللؤم للمخططين والمنفذين سواء بسواء . ما يجري هو عملية غسل دماغ للأمة العربية وللأجيال الجديدة من خلال وسائل إعلامية تهدف الى تسميم العقول من خلال مسلسلات ترفيهية تعمل على دس السم للمواطنين العرب وهم في أغلبهم غافلون عن النوايا الحقيقية لهذا العدوان.
وخلافا ً لما يعتقده البعض ، فإن الهدف من هذا العدوان الاعلامي لا يقتصر على التمهيد للتطبيع والقبول به سواء عن وعي أو بدون وعي مباشر ، بقدر ما يهدف إلى إعادة كتابة التاريخ وتأكيد الرواية الصهيونية بأن فلسطين هي تاريخيا ً وطن اليهود وأن التواجد العربي الفلسطيني فيها هو حالة طارئة على تاريخ فلسطين .
سادسا ً : وفي المقابل ، وردا ًعلي هذا العدوان ، فإن هنالك العديد من الاصوات الوطنية الصادقة الصادرة من دول الخليج العربي والتي انبرت للتصدي لهذا العدوان الاعلامي على الشعب الفلسطيني وقضيته وعبرَّت عن رفضها لهذا المسار وعن تمسكها بفلسطين العربية وقضية فلسطين باعتبارها قضية الأمة العربية . وقد أعطت الكويت حكومة وبرلمانا ً وشعبا ً مثالا حقيقيا ًعلى هذا المسار العربي الشريف . ولكن ، وعلى ما يبدو ، لم يكن هذا المسار الوطني القومي نهجا ًً عاما ً في مناطق أخرى في الخليج العربي وبعض دول العالم العربي . هنالك أنظمة تقف خلف ذلك العدوان وتلك الفلسفة الصهيونية في اغتيال الارتباط العربي بالقضية الفلسطينية و في تشجيع تجاهل الخطر الوجودي الذي تمثله اسرائيل على مستقبل العرب ومصالحهم ، دون أي اعتبار لخطورة مثل هذا المسار على مستقبل تلك الدول ، بل على وجودها .
سابعا ً: لقد أدى استفحال وباء الكورونا إلى إزدياد قوة وبأس ونفوذ الدولة الوطنية على حساب المنظومات الدولية والاقليمية و الفدرالية . وطغى نفوذ المؤسسات الأمنية الوطنية على أي مؤسسات ليبرالية أو ديموقراطية ضمن نطاق المجتمع المدني خصوصا ً بعد أن أثبتت الدولة الوطنية قدراتها و أهميتها في جهود التصدي للوباء . ويعتبر مثل هذا الوضع البيئة المثالية والمدخل لقوى اليمين المتطرف والمتعصب للدفع بمطالب إقصائية متطرفة تهدف إلى التمييز ضد الأخربن وضد الأقليات العرقية والدينية المتواجدة ضمن مجتمعات تلك الدول من منطلق أن الأولوية في الخدمات والدعم الذي توفره الدولة يجب أن تذهب إلى ما تعتبره قوى اليمين المتطرف المواطنين الأصليين في تلك الدولة . وهذا المسار يعني إنسحاب الدولة من أي نهج يتجاوز محدودية الفكر والاطار الاقليمي الضيق ويشمل ذلك الهوية والارتباط القومي في الحالة العربية .
العدوان الاعلامي الأخير على الفلسطينيين يعود في جذوره الى استفحال النزعة الاقليمية المتطرفة والاقصائية في العديد من مجتمات دول الخليج العربي ، والتي قد تنجح في إصابة الفلسطينيين بالأذى ، ولكنها سوف تقف عاجزة أمام حماية الدول التي تتبني ذلك المسار من الخطر الاسرائيلي القادم عليها وعلى المنطقة والاقليم بشكل عام .
تلك هي الشواخص التي تستحق أن تبقى في الذهن العربي باعتبارها تُجيب بإختصار على العديد من الأسئلة والتساؤلات عن حقيقة شعور وموقف الفلسطينيين مما جرى ويجري .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى