متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا

المحامية غدير شابسوغ

العبودية التي قصدها سيدنا عمر بن الخطاب في مقولته الشهيرة
هي عبودية الفرد لفرد أي البشر للبشر وهذه العُبودية لها عدة أشكال و صور ومن أبرز صورها (النفاق الإجتماعي) السائد في مجتمعاتنا والذي يُجسد تقديس ما يكون النِفاق لأجله.
عندما تحدث الله سبحانه وتعالى عن المؤمنين وخاطبهم في كتابه العزيز، لم يخاطبهم بلفظ العبيد بل خاطبهم بألف العزة فسمّاهم (عِباد) جمعاً لكلمة العابد أما السلوك فقد وصفه بالعِبادة وليس
بالعُبودية.

ولو بحثنا في جذر كلمة عباد لوجدنا أنها (عبد) وأن المعنى اللغوي لها هو (نبتة طيبة الرائحة) وكأنَّ عباد الله يمتازون بالرائحة الطيبة العَطِرة، فهم يستمدون رائحتهم العَطِرة من نِسبتِهم لخالِقِه ولِقُربِهم منه. لقد خص الله سبحانه وتعالى العباد المؤمنين بألف (العِباد) وسُميت الألف بألف العزة، فالمؤمن يستمد عزّته من خالقه لقوله تعالى: (ولله العزةُ ولرسوله وللمُؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون).
والمعنى الإصطلاحي لكلمة (العابد) بألف العزة هو الموحد الناسك المتفرغ للعبادة.

مقالات ذات صلة

أما كلمة العبيد فهي جمع لكلمة العبد وعادةً ما تُطلق على
الأشخاص الأقل وعي وإدراك. والعبد هو الرقيق المملوك غير الحر الذي يُباع ويُشترى. ولإن العبودية تكون بالإكراه عليها سواء من قبل الآخرين أو من قبل الشخص نفسه (كالمنافق الذي يجد أنه مجبر على النفاق).
بينما أولو الألباب لا يجدوا أنفسهم مجبرين على اختيار العبودية إنما يختاروا أن يكونوا عباد الله المخلصِين من تلقاء أنفسهم فلا إكراه في الدين.

إن كلمة (العباد) التي هي جمع لكلمة العابد ترمز إلى الفئة الصالحة من البشر وهي الفئة التي تنفي عن نفسها الجبر في عبادة الله وحده. ولو تأملنا قوله تعالى لإبليس عندما قال لرب العزة: (لأغوينهم أجمعين)، أجابه رب العِزّة: (إلا عبادي المُخلَصين). مع أنه استخلصهم هو لِنفسه إلا أنه قال فيهم (عبادي) ولم يقل عبيدي المُخلَصين. فكلمة (عباد) خصها الله بالصالحين العابدين لله وحده، أما ما سِواهم من البشر لا يكونوا (عِباداً) له إنما عبيداً لأشياء أخرى كالمال والمناصب والسُمعة والأنا الدنيا والاشخاص المتنفذين وما شابه ذلك.

إننا لو تجردنا من العبودية وارتقينا بعقولنا ووعينا إلى عبادة الله وحده لواجهتنا قيودٌ إخرى تشبه قيود العبودية، قيود  تحاصرنا في حياتنا اليومية لتغل ايدينا لكن طبيعتها تختلف عن قيود العبودية.
إنها تغل أيدينا الحرة بالطقوس الإجتماعية المختلفة كالعادات والتقاليد والأعراف الإجتماعية، وهذه القيود بمثابة قوانين اجتماعية تساهم في تطبيق دعائم الدين وهي ذات أثر مهم في تماسك المجتمعات والمساهمة بالرقي الحضاري للإنسان.

هذه العادات والتقاليد أُسميها بالأساور الفِضيّة ما دامت تخلق جو مريح في العلاقات والتعامل بين أفراد المجتمع الواحد وتتلاقى مع الشريعة الإسلاميه فَتُحقق خيري الدنيا والأخرة. أما السلاسل والأغلال التي تجعلنا عبيداً لما دون الله عزوجل فهي النفاق المجتمعي السائد في مجتمعنا والذي طغى على المجتمعات الإسلامية وحلَ محل المنهج الأخلاقي الإسلامي للتعامل في الحياة اليومية لدى الشُعوب الإسلامية.

لقد دخل النفاق بيوت المسلمين و تغذى على موائدهم.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى