ما مدى مشروعية قيام البنك بتعديل اسعار الفائدة على القروض المصرفية؟

د.الجراح: تعديل الفوائد على القروض بإرادة البنك المنفردة يخالف النصوص الصريحة لقانون البنك المركزي الأردني.

د.الجراح: رفع سعر الفائدة على المقترضين بارادة البنك المنفردة يخالف النصوص الآمرة لقانون حماية المستهلك الأردني.

د.الجراح: تنازع واضطراب الشروط العقدية التي وضعها البنك حول سعري فائدة مختلفين لا يعني اعطاء البنك رخصة على بياض لرفع اسعار الفائدة بارادته المنفردة وبالوقت الذي يشاء.

سواليف

نشر المحامي الدكتور جهاد محمد الجراح اليوم الإثنين مقالاً قانونياً بعنوان : “مدى مشروعية قيام البنك بتعديل أسعار الفائدة على القروض المصرفية”, خلص فيه إلى أن تعديل الفوائد على القروض بإرادة البنك المنفردة يخالف النصوص الصريحة لقانون البنك المركزي الأردني.

وأوضح المحامي الدكتور الجراح في مقاله الذي نشره عبر صفحته على موقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك” أن رفع سعر الفائدة على المقترضين بارادة البنك المنفردة يخالف النصوص الآمرة لقانون حماية المستهلك الأردني.

وأشار الدكتور الجراح إلى أن تنازع واضطراب الشروط العقدية التي وضعها البنك حول سعري فائدة مختلفين لا يعني اعطاء البنك رخصة على بياض لرفع اسعار الفائدة بارادته المنفردة وبالوقت الذي يشاء.

وتالياً نص المقال الذي نشره المحامي الدكتور الجراح:

إن تبادل السلع والاموال والخدمات يتم من خلال الاتفاقات والعقود, والتي بدورها تقوم في الاصل على حرية الاطراف في ابرام هذه العقود وتضمينها ما يرغبون من شروط وبنود , وبالتالي فإن إرادة الأطراف هي أساس الالتزام التعاقدي واساس عدالة التعاقد.

 وما سبق هو ما يعرف بمبدأ سلطان الارادة , ووفقا لهذا المبدأ فإن إرادة الإنسان حرة بطبيعتها ولا يمكن أن يقيدها الا الإرادة ذاتها , ويصبح العقد ملزما لأطرافه وقانونا لهم – العقد شريعة المتعاقدين – .

الا أنه اذا كان صحيحا ما سبق , فإنه صحيح ايضا أن الارادة المعتبرة للإلزام والالتزام هي الارادة الحرة المتكافئة مع الارادة الاخرى , ذلك أن تلاقح الارادات الحرة من شأنه أن يولد عقدا شرعيا يعتد به قانونا , فهو قائم على التكافؤ والتوازن بين طرفيه .

ولكن , اذا كان هذا التكافؤ قائما ومفترضا في ظل ظروف تعاقدية بسيطة وفي ظل محدودية التقدم الفني والاقتصادي والاجتماعي, مع امكان المام الشخص العادي بظروف التعاقد وقدرته على المفاوضة والمساومة نتيجة بساطة التعاملات, الا ان هذا الامر اصبح اليوم محل نظر كبير ! واصبح مبدأ العقد شريعة المتعاقدين محل نظر أكبر !

ففي ضوء التطورات الهائلة في الممارسات التعاقدية , أصبح الطرف الاكثر كفاءة او خبرة , أو الاقوى اقتصاديا يستغل تفوقه ليجعل ميزان الالتزامات التعاقدية يميل بشكل كبير لتحقيق مصالحه ويفاقم هذا عدم كفاءة الطرف الاخر لمناقشة بنود العقد او ان عدم خبرته القانونية لا تمكنه من ذلك او ان حاجته الاقتصادية تجعله يغمض عينيه ويقدم على القبول مذعنا لشروط الطرف الأول , مما يؤدي الى تدهور المبادئ التقليدية التي قام عليها العقد والتي كانت تحفظ توازن العقد , مما يحدونا للقول أن هناك حاجة لحماية الرضاء التعاقدي حماية فاعلة وبما يلائم هذه التطورات في ظل قصور الآليات التقليدية.

الاكراه الاقتصادي كمفهوم حديث لحماية المستهلك في عقد القرض المصرفي.

يعرف الإكراه كعيب من عيوب الإرادة بأنه ضغط تتأثر به إرادة الشخص فيندفع إلى التعاقد، والذي يعيب الإرادة في حالة الإكراه ليست الوسائل المادية التي تستعمل في الإكراه، بل نتيجة ذلك وهو ما يقع في نفس المتعاقد الذي يدفعه إلى التعاقد، والإكراه على هذا النحو يعيب الإرادة إلا أنه لا يعدمها، فالمكره هنا إرادته موجودة فعلاً ولكنها معيبة، فهو كان مخيّراً بين أن يتعاقد أو يتحمل نتيجة الأذى عن عدم التعاقد، فاختار التعاقد، ومن ثم فإرادته وإن كانت موجودة ولكنها معيبة لأنها لم تصدر عن حرية واختيار.

والإكراه هنا لا يقتصر على المفهوم التقليدي باعتباره إكراهاً مادياً أو معنوياً، بل يتجاوز ذلك إلى اعتبار الاستغلال التعسفي لحالة التبعية الاقتصادية التي يوجد فيها أحد العاقدين مما يعيب إرادته وبالنتيجة يعيب العقد.

وما يميز هذا الإكراه عن مفهومه التقليدي أنه ليس صادراً عن أحد المتعاقدين أو الغير وانما نتيجة ظروف خارجية لا يد لأحد فيها، واقتصر المتعاقد على استغلالها والإفادة منها للضغط على إرادة المتعاقد الآخر الذي وقع تحت تأثير هذه الظروف لحمله على التعاقد بشروط لم يكن ليقبلها لولا الظروف التي أحاطت به.

وهكذا فالذي يعيب الإرادة ليس الضغط الناشئ عن الظروف الاقتصادية التي يوجد فيها المتعاقد، وإنما استغلال المتعاقد الآخر لهذه الظروف استغلالاً تعسفياً على نحو يدفع الطرف الآخر إلى القبول بعقد يراه معارضاً لمصالحه أو رغباته أو توقعاته فقط من أجل تفادي ضرر أشد جسامة، فالمعول عليه إذاً، هو أن يضع أحد الطرفين الآخر نتيجة الضغط الاقتصادي الذي يمارسه ضده في موقف لا يسمح له برفض الشروط التي يمليها عليه، بما من شأنه أن يخلق اختلالاً واضحاً في التوازن العقدي بين الطرفين يؤدي إلى عدم عدالة عقديه غير مقبولة.

ويتضح مما سبق أن الإكراه بالمفهوم السابق ينبغي أن يتوافر له عنصران، أحدهما شخصي والآخر موضوعي:

العنصر الأول (الشخصي): التعسف في استعمال القوة الاقتصادية للمهني (الهيمنة الاقتصادية) وهذا التفوق هو الذي يمكن البنك من فرض شروط تعسفية لاعتياده على إبرام العقود ولدرايته الكبيرة بالحقوق والالتزامات الناشئة عنها، والبنك على علم تام بما يجري العمل به في المعاملات البنكية مما يمكنه من فرض الشروط التي هي في مصلحته على المقترض.

العنصر الثاني (الموضوعي):الميزة المفرطة التي يحصل عليها البنك والتي تتمثل بتجاوز البنك للسعر المعقول للفائدة، وسواء تعلق الأمر بالفوائد البنكية أو بفوائد التأخير الاتفاقية .

وعلى إثر ذلك، عمد المشرع الفرنسي، في مرسوم 2016 إلى استحداث صورة جديدة لعيب الإكراه، ليقرر بمقتضى المادة 1143 الجديدة أن الإكراه يتحقق عندما يقوم أحد الأطراف، متعسفاً في استغلال حالة التبعية التي يوجد فيها المتعاقد معه، بالحصول منه على تعهد لم يكن ليعقده في غياب هذا الضغط، ويحصل من ذلك على ميزة مفرطة بشكل واضح.

وبذات المفهوم أخذت العديد من التشريعات العربية منها قانون الموجبات والعقود اللبناني ( المادة 214 ) والمادة 129 مدني مصري , والمادة 130 مدني سوري والمادة 159 مدني كويتي , وغيرها الكثير من التشريعات العربية والاجنبية , ومن هنا ندعو المشرع الاردني الى استحداث نص خاص بالإكراه الاقتصادي لحماية المقترضين من ذلك.

تعديل الفوائد على القروض بإرادة البنك المنفردة يخالف النصوص الصريحة لقانون البنك المركزي الأردني:

نصت المادة 43 من قانون البنك المركزي الأردني رقم 23 لسنة 1971 وتعديلاته المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2301، ص 807 على أنه:

للبنك المركزي أن يصدر للبنوك ومؤسسات الإقراض المتخصصة باستثناء البنوك والمؤسسات المالية للعمل بالاستثمار وفق الشريعة الإسلامية أوامر تنشر في الجريدة الرسمية وبوسائل الإعلام الأخرى يحدد فيها ما يلي: أ- الحد الأدنى والأعلى لمعدلات الفوائد التي تتقاضاها البنوك ومؤسسات الإقراض المتخصصة على تسهيلاتها الائتمانية التي تمنحها للعملاء.

ب- الحد الأعلى والأدنى لمعدلات العمولات التي تتقاضاها على تسهيلاتها الائتمانية وإدارة حسابات العملاء وعلى خدماتها لهم.

ويتبين من المادة السابقة أن المشرع أعطى الصلاحية للبنك المركزي لأن يحدد مقدار الحد الأدنى والأعلى لمعدلات الفوائد التي تتقاضاها البنوك على تسهيلاتها الائتمانية الممنوحة للعملاء المقترضين، ولعلّ في ذلك حفاظ على قيمة العملة الوطنية وكبح لجماح التضخم واستقرار لأسعار السلع وكل ذلك وفق السياسة النقدية للدولة وبما يحقق الصالح العام، إلاّ أن ما يخصنا في موضوع تعديل أسعار الفوائد على القروض للعملاء أنه إذا قرر البنك المركزي رفع سعر الفائدة بتاريخ معين فيجب أن يتم ذلك على القروض التي تمنحها البنوك بذلك التاريخ وما يليه، ولا يجب بأي حال أن ينسحب ذلك القرار على القروض التي تم التعاقد عليها في الماضي وفي ظل سعر فائدة مغاير، لأنه من المقرر فقهاً وقانوناً وقضاءً أن أثر التشريعات والقرارات الإدارية يسري بأثر فوري وعلى الوقائع اللاحقة لصدوره ولا ينسحب بأي حال على الماضي.

وقد جاء قانون البنك المركزي نفسه مقرراً بصراحة قاعدة سريان الأثر الفوري للتعليمات والأوامر التي يصدرها وعدم رجوعها على الوقائع والعقود التي سبقت ذلك، حيث نصت المادة 44/د من قانون البنك المركزي على أنه: “لا يكون للتعليمات والأوامر التي تصدر بمقتضى أحكام المادتين (43، 44) من هذا القانون مفعول رجعي وتطبق على جميع أنواع المعاملات التي تشملها تلك التعليمات والأوامر وحسب المواعيد المقررة لها فيها”.

كما جاءت تعليمات التعامل مع العملاء بعدالة وشفافية رقم 56/2012 الصادرة وفقاً لأحكام قانون البنوك وقانون البنك المركزي لتنص في المادة 27/أ على أنه:

“لا يجوز تضمين عقد الائتمان نصاً/ نصوصاً تفيد أن للبنك الحق في تعديل أي من بنود العقد بإرادته المنفردة”.

ولعلّ هذا النص أيضاً ناطق بما فيه، بحيث لا يجوز للبنك أن يستقل بتعديل أي شرط من شروط عقد القرض المصرفي موضوع بحثنا إلا بموافقة العميل الصريحة.

رفع سعر الفائدة على المقترضين بارادة البنك المنفردة يخالف النصوص الآمرة لقانون حماية المستهلك الأردني :

لقد جاء قانون حماية المستهلك بنصوص آمرة تحمي المستهلك من الشروط التعسفية التي تفرض على المستهلك، حيث نصت المادة 22 من القانون المذكور على أنه:

أ- على الرغم مما ورد في أي تشريع آخر، للمحكمة أن تحكم ببطلان الشروط التعسفية الواردة في العقد المبرم بين المزود والمستهلك أو أن تعدلها أو تعفي المستهلك منها بناءً على طلب من المتضرر أو الجمعية. ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك.

ب- يعد من الشروط التعسفيّة بصورة خاصة كل شرط:

1- يؤدي إلى إخلال بين حقوق والتزامات كل من المزوّد والمستهلك على خلاف مصلحة المستهلك.

.

.

4- يتضمن منح المزود الحق في تعديل العقد أو فسخه بإرادته المنفردة.

خامسا : الهيمنة الاقتصادية والشروط التعسفية في عقد القرض المصرفي تخالف مبدأ حُسن النية التعاقدي:

يمثل مبدأ حُسن النيّة التعاقدي آلية فعّالة أخرى تسمح بمجازاة التعسف في استغلال حالة الهيمنة الاقتصادية لأحد المتعاقدين، وذلك بمقتضى نص المادة 202 مدني أردني والتي نصت على أنه: “يجب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حُسن النيّة”.

ويُعد مفهوم حسن النية نموذجاً للفكرة الإطارية ذي المضمون غير المحدد، والتي تتسم بمرونة كبيرة، وتفسيرها قابل للتطويع والتطور بسهولة مع الزمن وبحسب الظروف.

ويفرض حسن النيّة التزاماً بالأمانة والمصداقية يوجب على الأطراف المتعاقدة احترام التزاماتهم العقدية كما اتفقوا عليها، ويلزم كل منهما بعدم استغلال مركزه التعاقدي المتميز أو استغلال ضعف المتعاقد الآخر، وبعبارة أخرى، فإنه يلتزم بألا يتصرف متجاهلاً مصالح الطرف الآخر.

ويكون للقضاء دور كبير في مراقبة هذا المبدأ القانوني الهام من خلال تقدير مسلك المتعاقدين ووفقاً لظروف التعاقد.

تنازع واضطراب الشروط العقدية التي وضعها البنك حول سعري فائدة مختلفين لا يعني اعطاء البنك رخصة على بياض لرفع اسعار الفائدة بارادته المنفردة وبالوقت الذي يشاء.

وفي الإجابة على ذلك يمكن القول أن هذه حالة من حالات تنازع الشروط العقدية حول ذات المحل والمضمون، ومن الواضح أن هناك تعارضاً بينها، ولا بد والحالة هذه من تقديم أحدها على الآخر من خلال أعمال قواعد التفسير القانونية، وفي هذا السبيل فقد نصت المادة 239/2 من القانون المدني على أنه:

“أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقاً للعُرف الجاري في المعاملات”.

وإن تطبيقاً أميناً لنص المادة السابقة حول فكرة التنازع بين الشروط العقدية الواردة على ذات المضمون يقودنا إلى أن الإرادة المشتركة للطرفين اتجهت إلى الاحتكام إلى سعر الفائدة السائد وقت انعقاد العقد، ولا يمكن القول بحال أن نيتهما اتجهت إلى أمر مستقبلي يجهله كلا الطرفين، كما أن مقتضيات الثقة وأمانة التعامل بشفافية يوجب تطبيق الوضع القانوني والاقتصادي السائد عند التعاقد، فالعبرة لما تم الاتفاق عليه عند التعاقد.

أما القول أن البنك يستند إلى تعليمات البنك المركزي في تعديل سعر الفائدة، فيمكن الإجابة على ذلك أن مدى إلزامية هذه التعليمات للبنوك تتعلق بالحد الأقصى المقرر للفائدة والتي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها من ناحية، وأن هذه التعليمات تسري بأثر فوري ومباشر ومستقبلي وعلى ما ينشأ في ظلها من عقود من ناحية ثانية ، أما العقود التي نشأت سابقة على هذه التعليمات فيسري عليها اتفاق البنك مع العميل، وبالتالي فإن هذه التعليمات ليست رخصة على بياض للبنك لرفع سعر الفائدة على العقود السابقة واللاحقة على صدورها، وقد جاء حكم محكمة التمييز الأردنية رقم 1543/2019 تمييز حقوق الصادر بتاريخ 11/9/2019 تطبيقاً أميناً لما سبق.

Email:dr.jihad2000@hotmail.com

Tel: 0799110010

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى