ما حقيقة أن المهندسين يبدعون أكثر من غيرهم في الإدارة؟ / الدكتور سامي رفيق الحميدي

ما حقيقة أن المهندسين يبدعون أكثر من غيرهم في الإدارة؟

الدكتور سامي رفيق الحميدي *

لا أحد يستطيع أن ينكر ما للإدارة في أي مجال من أهمية خاصة في انجاح العمل، وخاصة في مجال المشاريع الصناعية والخدمية واللوجستية ومجالات صناعة المعدات الثقيلة والخفيفة وغيرها من الصناعات التي تحتاج التدخل الهندسي لإنتاجها، والتي تعتبر أكثر تعقيداً إدارياً وعملياً من معظم مجالات الإدارة الأخرى، فكثيرا من المدراء والتنفيذيين يأتون من خلفية هندسية ويقودون مؤسساتهم وشركاتهم بنجاح وهنا ربما نتساءل عن أسباب تميز المهندسين في الإدارة؟.
وكمثال علمي تطبيقي لتقدير أهمية ذلك، فإن مصنع لسيارات الإطفاء أو معدات تقيلة لمكافحة الحرائق أو الصناعات الرقمية وتكنولوجيا المعلومات والإتصالات، تهدف إلى الإنجاز المتميز وجودة هذه الصناعات وإجراء الاختبارات اللازمة عليها وإمكانية تعديلها للحصول على المنتج النوعي المطلوب ومن ثم نسخه إلى أعداد كبيرة، دون خسارة تذكر لا في الوقت ولا في الكلفة، فلا يمكن بأي حال من الأحوال وجود إحتمالية للخطأ ولو صفر مئوي، بل يجب توقع كل المشاكل والمعضلات مسبقاً وتلافيها، وهنا لا بد من حسن الإدارة وبراعة القيادة، وعبقرية إيجاد الحلول والبدائل من خلال تزاوج العلمين العريقين الإدارة والهندسة الصناعية لإنجاح مثل هذة الصناعات.
وبالرغم من تعامل كل مؤسسة مع هذه التغيرات حسب واقعها وإحتياجاتها الخاصة بها، إلا أنه يلاحظ بشكل عام تزامن هذه العمليات مع التحديث – ليس للعمليات التقنية فقط بل والتجارية والتنظيمية والإدارية – والتي تؤثر على الجانب الإداري من وجهة نظري لتحقيق تحسينات مهمة في الكمية والجودة للمنتج، ومن هذا المنطلق تأتي “نظرية إعادة الهندسة” في الإدارة، وعليه يجب إعادة التفكير في طرق أداء العمل في المؤسسة وعمل التعديلات اللازمة على أساليب العمل وإعادة تصميم العمليات بحيث تتناسب مع الأهداف الجديدة للمؤسسة، وتسمى هذه العملية “إعادة الهندسة” (Re-engineering).
والمهندسون دائما ما يملكون بالإضافة لتميزهم في العلوم والرياضيات مهارات شخصية تساعدهم على كسب ثقة مجالس الإدارات، حيث يتميز المهندسين باهتمامهم بالتفاصيل وقدرتهم على حل المشاكل بطريقة مبرمجة، وإدارة المخاطر وقدرتهم على التحليل، وبالرغم من دقتهم وحذرهم إلا أنهم مستعدين لأخذ مخاطر مدروسة، وعند بحثهم عن حل لمشكلة ما فهم دائما ينظرون لجذور المشكلة وليس لظواهرها ولهم قدرة فائقة على تقييم الأمور بواقعية وببساطة وبدون حشو ليس له قيمة.
بالطبع لكل أمر إيجابيات وسلبيات، فحديثنا لا يعني أن المهندسين يتمتعون بكل الصفات اللازمة للنجاح بل هناك بعض السلبيات المرتبطة بالمدير المهندس، ومنها افتقادهم للمرونة فبعض المهندسين لا يؤمنون إلا بوجود طريقة واحدة لحل الأمور، في الجانب الآخر الكثير قد يفتقد لبعض المهارات الضرورية للقيادة كالذكاء العاطفي، وبعض المهارات القيادية المطلوبة، ومهارات إدارة الأفراد والتواصل التي يمكن اكتسابها بالتدريب.
وأختم مقالي بالسؤال الذي يتبادر لأذهاننا جميعاً، لماذا يقوم المهندسين بالإنتقال من الهندسة وهي وظيفة تقنية إلى مجال الإدارة! (هل من أجل البحث عن وظيفة ذات دخل أعلى، أو ميول شخصية، أو ساعات العمل المتعبة، أم الرغبة بوظيفة ذات وجاهة اجتماعية أكبر). لكن هذه ليست كل الحقيقة، فالبعض يدعي أن السبب لإنتقال المهندسين للإدارة هو أنهم غير متميزين في الهندسة وفي مجالهم من الأساس، فالمهندسين المتميزين قادرين على ممارسة التأثير على القرارات الإدارية بطريقة غير مباشرة وليس لهم أي إهتمام بالمناصب الإدارية. لكن في اعتقادي هذا ليس السبب فالعديد من المدراء المهندسين كانوا متميزين في مجالهم قبل الإنتقال للإدارة.

*رجل أعمال أردني في دولة الإمارات

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى