القتل بإسم الله / د. هاشم غرايبه

القتل بإسم الله
لا أحد يجادل في أن الحياة هبة من الله، ولا أحد غيره يمكنه ذلك، والخلق سر انفرد به تعالى ولا يمكن أن يطلع أحدا عليه، وعلة ذلك بيّنها في قوله تعالى: ” الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا”.
هذا الفعل الباهر للعقول، أنتج كل الكائنات الحية وفق نظام دقيق متكامل، فلا يمكن أن يسمح لأحد بالتدخل فيه أو إفساده، فمن أودع الروح في الجسد هو من يستعيدها متى شاء، ولا يحق لأحد أن يفعل ذلك بقرار من عنده.
كل الكائنات الحية عند الله حياتها مصونة، فلا يجوز إزهاق روح إلا وفق ما شرعه، وحتى صيد البر والبحر لم يُحلُّه الله إلا إن كان لسد الحاجة الى الطعام، كما خص النفس البشرية بقدسية خاصة، لذلك قال: ” مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا”[المائدة:32]، ثم زاد النفس المؤمنة تكريما فقال: ” وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً”[النساء:92] ، لذلك كان وعيده شديدا لمن يفعل ذلك “وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً” [النساء:93].
نخلص مما سبق إلى أن الله قيّد قتل النفس البشرية بقيود كثيرة، حتى حصرها بحالة واحدة فقط، وهي القصاص، وقيّد القصاص بأن الحكم فيه مقتصر على القاضي العدل وليس متاحا قراره للناس.
وإذا أضفنا الى ما سبق أن الله لم ينزل في القرآن ما يجيز قتل النفس عقوبة لتجاوزها أي حد من حدوده، لذلك نستنتج أنه لا يوجد قتل بإسمه ولا تنفيذا لأوامره، وفيما خلا القصاص فأي قتل مقصود بذاته عصيان لأمر الله.
هذا الأمر مبدئي في الدين، لكن هنالك استثناءات محددة بدقة ولا يجوز التوسع بها، فعند الدفاع عن النفس قد يقدم المرء على القتل وإلا قُتِل، ولما كان المال أو العرض أو الأرض تقترب منزلتها من منزلة النفس فقد بات الدفاع عنها وقتل من يعتدي عليها مباحا.
لكن العقيدة والدين هي أغلى من كل ما سبق عند المؤمن، لذلك فالدفاع عنها يصبح واجبا وليس مجرد حق.
إلا أن هذا الجانب هام وينبغي جلاؤه بوضوح لأن كل المتطرفين المفسدين دخلوا من بابه.
الجهاد دفاع عن العقيدة، وبهدف أن تكون كلمة الله هي العليا، وليس قتال الناس لإكراههم على الإيمان، فبعد أن نزل الهدى وانتشر ، تبين للناس الرشد من الغي، فلا إكراه في الدين، لأنه “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ”[يونس:99] ، لكنه أراد لهم دخول الدين بالإقتناع والإنتساب الى أمة الإسلام عن رغبة ومحبة في الله ورسوله، وليس خوفا من القتل ولا طمعا بمغنم.
يتذرع البعض بالآية الخامسة من سورة التوبة يسمونها آية السيف، لغرض آثم في نفوسهم، وهو وصم الإسلام بدين القتل والإرهاب، رغم أنه لم يذكر السيف في القرآن بتاتا.
هذه الآية ظرفية نزلت عند نقض المشركين للعهد عند المسجد الحرام، حالة حصلت مرة واحدة في التاريخ، وجاء علاجها في الآية المذكورة، ولو لم يتم العمل بها لما قامت للإسلام دولة، ولما قضي بعدها على الشرك في الجزيرة الى الأبد.
إذاً انتهت موجباتها، والإستدلال بها يكون في نشوء حالة مشابهة، أي نقض أعداء الإسلام لمعاهدة صلح، ولا يكون بفهم أن السيف هو الوسيلة لنشر الإسلام.
فالدين أنزله الله رحمة وهدى للناس أجمعين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى