ليس للبيع أوالمبادلة

ليس للبيع أوالمبادلة
د. هاشم غرايبه

في مثل هذه الأيام من السنة الماضية، وقف الأردنيون وقفة رجل واحد يطالبون دولتهم بانهاء سيطرة العدو الصهيوني على منطقتي “الباقورة” و “الغمر” الأردنيتين، وكان ذلك بموجب اتفاقية وادي عربة المشؤومة، التي أقرت تلك الهيمنة لمدة 25 سنة قابلة للتجديد.
قيل وقتها في تبرير هذا البند المذل أنها مؤجرة، لكن فعليا لم يذكر أي قيد مالي بإيداع مبلغ في الخزينة (مهما قل) تحت بند أراض مؤجرة، مما يشكك في صحة الرواية.
في السنة الماضية كان يفترض أن يعلن الأردن عن عدم موافقته على تمديد (التأجير)، فأعلن أنه يرفض التمديد، الكيان اللقيط لم يأخذ الأمر على محمل الجد، وصرح بصلافته المعهودة أنه سيحصل على التجديد.
لم يبق اليوم سوى شهر واحد على موعد إخلاء المنطقة وإعادتها للوطن، لكن لا يوجد ما يدل على تفكيك ولا إخلاء، فهل قام المسؤولون بما يتوجب عليهم من التهيؤ لإجراءات فيما لو لم يستجب الكيان ورفض التسليم؟.
بعد تصريح الكيان اللقيط مؤخرا من أن هنالك مباحثات مع الجانب الأردني لتجديد احتلال المنطقتين وليس لإعادتهما، تتضح النوايا السيئة، فهو فوق رفض تطبيق نص المعاهدة، يحاول الإيقاع بين الأردنيين ودولتهم بالإيهام أنها راضخة لإملاءاتهم وليس للمصالح الوطنية الأردنية.
من الواضح للعيان أن هنالك نية للتلاعب من قبل هذا الكيان في التعامل مع هذه القضية، فقد أعلنت الدولة الأردنية العام الماضي على لسان الملك قرارها بعدم التجديد وإنهاء هذه الحالة الشاذة، لذا فلا مجال للتراجع.
إذا فهنالك أزمة حقيقية، إذ أن العدو اعتاد أن ينال كل ما يريد، والدولة الأردنية لا يمكنها الرضوخ، فذلك ما لن يقبله شعبها، فعلى ماذا يعتمد الطرفان في هذه الموقعة الفاصلة، والتي سيكون لها ما بعدها؟.
الأردن كما سائر الأنظمة العربية أسقط خيار القوة مبكرا، بعد الإعلان القميء عن أن السلام خيار استراتيجي، فيما أبقى الكيان اللقيط القوة خياره الأول، لذلك فليس هنالك من خيار أمام الأردن سوى الديبلوماسية الناعمة، والذي لن يكون سوى توسل واستجداء إن لم يكن مغطى بأوراق ضاغطة.
فماذا بيد الأردن ليضغط به بعد أن قدم كل شيء طلبه الغرب منه؟
سر قوته ووسيلة ضغطه، هو موقعه.
فقد أراد تشرشل من تأسيس الأردن أن يكون حاجز صد ليحمي الكيان اللقيط الى حين ترعرعه، لكن تبين فيما بعد، أن هذه كانت مهمة أساسية لكل الأنظمة العربية، التقدمية منها والرجعية.
وتبين أيضا أن قلق الغرب من نية القوى التقدمية والثورية لتحرير فلسطين، مبالغ فيه، لذلك فلم يقدم الأردن الكثير لحماية الكيان، فقد حماه فعلا انهزامية قيادات تلك التنظيمات المخترقة.
لكن للأردن وضع مختلف، فهو الخاصرة الرخوة للكيان، والذي لن يمكنه تغطية هذه الحدود الشاسعة بغير تعاون أمني مخلص من الجانب الأردني.
يبدو أن رعاة هذا الكيان من أتباع المسيحية الصهيونية، يؤمنون في قرارة أنفسهم وإن أخفوه، بالنبوءة القرآنية الواردة في سورة الإسراء، والتي تحقق الآن الجزء الأول منها: “وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا” [104] وبقي الجزء الثاني الذي يريدون تأخيره وإعاقته: ” فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ” [7]، وهم يعلمون من كتبهم المخفاة ومن الأحاديث النبوية أن الأردن سيكون أرض الحشد ومنطلق المجاهدين الذين سيتحقق على يديهم هذا الوعد.
لذلك فهنالك تعامل خاص مع الدولة الأردنية، فهي تدير هذه البقعة التي ستحدد بقاء الكيان اللقيط من زواله، فلا نرى دعما لعملة أي بلد في العالم إلا للدينار الأردني، فهنالك حرص على ثباته، إذ لو انهار (لا قدر الله) لعمت الفوضى، وفيها يصعب ضبط الأمن، وتتهيأ الظروف لتحشّدِ المجاهدين.
هنا الورقة الضاغطة..أن يشعر الكيان وحماته أنه ليس من مصلحته إيصال الأوضاع الى نقطة تهدد بقاء حالة الإسترخاء والطمأنينة، التي يعيشها في ظل التنسيق الأمني.
إذا شرب النظام الأردني حليب السباع هذه المرة وأصر على حقه..سيرضخ الكيان الرعديد فورا، وستكون بداية سلسلة استرجاع الحقوق، مثل حق استخراجه مياهه ونفطه ومعادنه، ومشروع ناقل البحرين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى