لن أُسامحهم ما حييت !

لن أُسامحهم ما حييت !
عبد المجيد عصر المجالي

هكذا بدون مقدمات، أكرههم ولن أسامحهم ما حييت:

صديقي الذي أقنعني بأن لدي من الوسامة ما يساعدني على الإطاحة ببنات الحارة جميعهن، وما أن صدقته وفردت ريش الطاووس لمديحه حتى عرضت خدماتي العاطفية على إحداهن فورا ، لكنها قالت لي: “هاظ إلي ضايل”، فاكتشفت وقتها أن (القرد) لا يكون غزالا بعين أمه وحسب، بل قد يكون كذلك في عين أصدقائه أيضا..

وصديقي الآخر الذي أقسم لي بأن (بطاقة ألو) يمكن إعادة شحنها مجانا بعد نفاد الرصيد عند وضعها داخل الثلاجة، فضاعت مرحلة المراهقة كاملة وأنا أتنقل بين الثلاجة وكابينة الاتصال لإجراء التجارب فيما ما يزال الرصيد صفرا، حتى أنني لم أجد الوقت لشراء بطاقة جديدة واستغلال مراهقتي في أشياء أخرى غير مفيدة أيضا!

مقالات ذات صلة

وقريبي الذي نصحني بضرورة دراسة العلوم السياسية مؤكدا لي أن من يدرس هذا التخصص يصبح شيئا مهما في المستقبل، لكنه نسي أن يخبرني بأن المهمشين -أبا عن جد- أمثالنا يظلون (شيئا) فقط مهما درسوا، أما (مهماً) فلها ناسها في هذا الوطن.. حتى لو لم يدرسوا!

وجارنا الذي أشبعنا وعظا وإرشادا بأنه لا يفرق بين الأردنيين إلا بمقدار انتمائهم، كان دائما يقول إن الوحدة الوطنية سبب قوة الأردن ومنعته، ولم أسمعه يوما يتحدث بغير هذا الموضوع، وحين تقدم صديق لي لخطبة ابنته رفضه قائلا:”ما بعطيش بناتي لحد مش منا”.. فتعلمت منذ ذلك الحين ان مغالاة الشخص في الحديث عن بعض الأمور دون سواها دلالة على افتقاده لها..

وفريد الأطرش الذي أفنى عمره يردد “الحياة حلوة بس نفهمها”، فانطلت علينا هذه الكذبة لأننا محكومون بالتفاؤل، ونسينا أو تناسينا أن من غنى هذه الأغنية هو نفسه الذي غنى بكآبة عز نظيرها “العمر قضيته حزين مظلوم.. اخلص من هم ألاقي هموم على دمعي أنام على دمعي أقوم “ … ثم اكتشفنا بعد أكثر من خيبة أن الحياة تزداد علقما كلما فهمناها أكثر..

ومحمد البوعزيزي الذي كوانا بناره وسمعنا من حسيسها أن “بلاد العرب أوطاني” تسرق جهارا نهارا ونحن ننعم بجهلنا ونعامل باستغفال مُعتبر، فارتاح هو وتركنا نستوي على ناره!

ليتك لم تفعل هذا يا محمد! ليتك تركتني بهموم كنت أحسبها أكبر ما يصيب القلب من وجع: البطاقة التي لم أنجح في إعادة شحنها مجانا، وعبارة “هاظ إلي ضايل” التي أوجعتني طويلا!

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى