لم أعد أبتسم ..

مقال السبت 18-1-2020
لم أعد أبتسم ..

اكتشفت مؤخراً أنني لم أعد أبتسم كما كنت ، وهناك ضعف واضح في لياقة الشفتين ، حتى النكتة “المتعوب عليها” أخلّصها من ناب سنّارتي وأرميها في بحر الكلام ثانية ، لم أبتسم لكل النكات التي قراتها وسمعتها عن “تخفضيات ضريبة المبيعات” ، ولم يضحكني صوت العسعس وهو يذكر المواد المخفضة..بل كان يستفزني ويدوسني ويهينني في كل كلمة يقولها بلغة تشبه العربية ، لم ابتسم لكل المنشورات التي سخرت من وزير المالية ومن الحكومة ومن أنواع السلع ومقدار التخفيض، لم أبتسم لكلمات النواب التي كانت تلقى في الموازنة ..هي لعنات ،شتائم، مسبات نستحقها، هي انعكاس رخصنا عند انتخابهم ، وضميرنا الذي بيع بعشرة دنانير أو “بطاقة خلوي” أو “صحن كنافة” ، وكيف أبتسم وكل ما نحن فيه كارثة ..وزراء “نخب عاشر”..”نواب مثل ألعاب البسطات دمى مطاطية تزمّر لنصف ساعة ثم ترمى “..وشعب لا يدري أنه قد أوغل في الوحل..وكل هذا اللون الداكن حوله ،طين أو طميٌ لا شوكلاته فعلى ماذا يضحك وينكّت؟..
لم أعد أبتسم كما كنت ، لأن الذين خرجوا من أجلى يطالبون بوطن أفضل ينامون على بلاط السجون في هذه الأثناء وأنا أطلب من زوجتي أن تضيف علي حراماً ثالثاً مبالغة في النعيم والدفء ، لم أعد أبتسم لأن الذين كانو أشجع منا وأحرص منا وأخلص منا يدفعون الثمن ونحن نقشر “الكلمنتينا” في الليالي الباردة…
لم أعد ابتسم ، لأنني كلما حاولت أن أنفض سجادة الوعي..كنت وحيداً وأتعبني وأرهقني الجالسون والمقهقون فوقها ..لم أعد أبتسم وأنا الذي كنت أبحث عن السخرية كصياد بري ، لا أقبل الا بالضحكة الطازحة لأؤمن رزقي ورزق قرائي ..فبعت رماحي ومزقت شباكي وبقيت أتامل الوجوه المفرغة من الغضب …لم أعد أبتسم لأن كل ما حولي أصبح موغلاً بالبلاهة تارة ، والجبن والنفاق المجاني تارة أخرى ، وقلة الحيلة في كثير من الأحيان …لم أعد أبتسم لأننا متطرفون بكل شيء بالنكتة والتعليق والاستهزاء وحتى البلادة نأكل الصفعة ونضحك كيف أكلانها..نحن لا نسخر من ضاربنا، نحن نحاول اقناع انفسنا أنها لا تؤلم مع أنها حقاً تؤلم …لم أعد أبتسم لأن الميوعة غيرت لون الدم وكثافته وأهميته…صدقوني صرت أبحث عن أقراص تجلّط..لتوقف هذه المهازل ..لم اعد ابتسم..لأن شفتي تعرفان حدودهما المقلّصة…فبيوع الوطن وصلت هناك…
أحمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هنالك الكثرين من المسؤولين و الحيتان و الحكوميين و البائعي الضمائر و الاوطان يبتسمون على ما وصلوا اليه من نتائج تصب في تحقيق ما هو مخطط و مرسوم منذ عقود طويلة. فهم فقط ممثلين على مسرح الشعوب الخانعة يؤدون ادوارا مدفوعة الاجر من دماء و مستقبل و حياة هذه الشعوب!!!

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى