# الكرسي / أحمد المثاني

# الكرسي

. . بعدما أنهى دراسته في المرحلة الثانوية .. و بعد أن مضى رفاقه كل في طريق .. بقيت أحلامه تراوده أن يصبح ذات يوم مسؤولا ، يجلس على الكرسي ، و يصدر الأوامر .. و الكل من حوله يؤدون السمع و الطاعة ..و الكل رهن إشارته .
صورة اختزنها يوم أن دخل إلى غرفة الإدارة .. و وجد نفسه وجها لوجه ، مع المدير الذي يجلس على كرسي من الجلد ،
وراء مكتب أنيق .. كان حينها المدير يصرخ في وجه مجموعة من الطلبة .. و هو ينظر إليهم ، من خلف نظارته السوداء ، ذات العدسات السميكة ، بسماكة قعر زجاجة .
و كان المدير بشاربيه المستقرين تحت أنفه الطويلة ، و بملامحه القاسية ، و عصاه الطويلة كفيلا ببث الرعب في قلوب الطلبة ، الذين يحولهم المعلمون إلى سيادته ..

منذ تلك الحادثة .. أصبح لدى صاحبنا عقدة الكرسي و السلطة .. و تخيل أنه خلق ليأمر و يحكم ..
و بعد سنوات كبر صاحبنا و كبر معه عشقه للكرسي .. و تشاء الظروف أن يتدرج في سلم الوظيفة ، حتى وصل إلى منصب مدير
.. لم يصدق خبر ترفيعه في الساعات الأولى التي علم فيها بنبأ تعيينه مديرا .. و بعد أن استجمع قواه ، و تذكر صورة الكرسي و من
أمامه من ينفذ و يستجيب، و يقول حاضر سيدي .. و هو متصدر في مكتبه .. و هو منذ الساعة أصبح صاحب العطوفة ..
– لكنه في خلوته مع نفسه ، كان يجلس ممددا ساقيه .. تحت المكتب ، و يأخذ بالعبث و الدوران بالكرسي الدوار .. كأنما قد حقق أمنية حياته . و أصبح يستحضر الصورة الجديدة له و مجموعة الأوامر و صيغ التقريع التي تليق بهيبته ! لكنه في قرارة نفسه ، كان يستشعر أن الكرسي كبير عليه .. لكن هذا ليس مهما .. كم من مدير مثله ، كان لينا ، ثم أصبح يشار إليه بقوة الشخصية .. و الصحف و الإعلام يتناقلان أخبار عطوفته ..

بالتزلف و النفاق ، استطاع أن يرسم هالة حوله ، و ببطانة فاسدة من زمرة المنافقين استطاع أن يرهب الآخرين .. الذين لا يؤدون له واجب السمع و الطاعة .. و صارت تلك الزمرة آذانا لاستراق السمع و التجسس و نقل الأخبار ..

استطاع صاحبنا أن يرتقي و يقفز من كرسي إلى كرسي .. و نفث الشيطان في روعه أنه أبو الإدارة ، و لتذهب كل النظريات إلى الجحيم .. ما دام هو يمسك بعصا القانون و يفسره كيفما شاء .. و لم يبال بمن تشكى أو تظلم ..

مرت سنوات.. و ما زالت عقدة الكرسي تلاحقه.. و لم يقنع بوظائفه السابقة .. كان لا بد من التفكير بالمقعد الأشهر .. الذي من شأنه أن يوسع دائرة نفوذه و شهرته ..
و بدأ يحلم بالمقعد تحت القبة المستديرة !!
فالجالسون هناك ليسوا بأفضل منه ..
و أخذ يفكر و يفكر .. و وجد نفسه معتليا المنصة ، يناقش سياسات الوطن ، و كيف أنه الأقدر في اصلاح اقتصاديات الدولة و الاصلاح السياسي . . و لديه الخطط و التصورات للنهوض بالوطن .. و تصور نفسه يزلزل المجلس بصوته و بيانه .. و أخذ يطرق بيده على الطاولة ..
و إذ بزوجته تدخل تقطع عليه حلمه ، و تخبره بما لم يكن في الحسبان ..

: اسمك مع المحالين على التقاعد !!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى