شتَّانَ مَا بَيْنَ الْمَوقِفَيْنِ الأرْدُنِيِّ والإِيْطَالِيِّ / د . منتصر بركات الزعبي

شتَّانَ مَا بَيْنَ الْمَوقِفَيْنِ الأرْدُنِيِّ والإِيْطَالِيِّ حيَالَ مَقتِلِ زعيْتِر وَرِيجِينِي
إن بقاء أسباب الأزمة المتمثّلة في الملفات والقضايا المختلفة ،كقضية مقتل القاضي رائد زعيتر ،وقضية الأسرى الأردنيين في سجون الاحتلال الصهيوني ،بلا حلٍ ،يُبقي الأزمة قائمة ، ويخرج بها عن مساراتها وآثارها المتوقَّعة إلى ما هو أكثر إيلاماً .
إنني هنا أقف موقف المشفق على بلد لا أجد لي بلدا غيره، وأقف موقف المشفق على أهله وكلّكم أهل ، والمسؤولية التي تتحملها الحكومة ،أعرف أنها هي المسؤولية الأولى والأكبر، وأن الحكومة وقفت منّ هذه القضايا موقف المتفرج العاجز الذي لا حول له ولا قوة. فبعد سكوت طويل طال أمده ،لم يكن متوقعا من الحكومة الأردنية صاحبة ألإرث الثوري المعروف من ثورة العرب الكبرى ،أن تقصر بحق مواطن قتل ظلما على أيدي الصهاينة ،ثم لا تحرك ساكنا.
في مفرداتتنا مثل يقول :”ما يضيع حق وراءه مطالب” جميعنا يعرف هذا القول ،ولكن معرفته بالأمس ـ يوم أن كانت الذمم نظيفة ـ تختلف عن معرفته اليوم ـ بعد أن اتسعت الذمم وتلوثت . فالمثل الآنف ،لا يمكن ترجمته ما لم يكن مستندا إلى القدرة المتنفذة في كسب الحق ،قبل أن يُهدرَ ،ويصبح الطالب مطلوبا ،ويضيع الحق ويضيع المُطالِب.
نتفق جميعًا ،أن أخذ الحق حرفة، فلا يضيع حق وراءه مطالب، أما أسلوب المماطلة والتسويف والضحك على الذقون الذي طال انتظاره ،دون تحقيق تقدم ولو طفيف يذكر ،أمام الصلف الإسرائيلي ،ما يعني أننا سنبقى نراوح مكاننا دون أن يُنجَز أي شيء. إنّ الدّفاع عن الحقّ والمطالبة به ،فريضة فرضها الله ،والتخلّي عن هذه الفريضة وعدم أدائها ،يعني ببساطة أننا نسلِّم قراراتنا وإرادتنا لعدونا ،والنّتيجة كما قال الإمام عليّ – رضي الله عنه – : (ما تَرَكَ الحقَّ عزيزٌ إلا ذلّ، ولا أخذَ به ذليلٌ إلا عزّ). في قضايا الحقّ والعدل ،لا مجال للحياد ،الحياد ممنوع ،لأنّ الحياد في مثل هذه الحالات هو: كذب ونفاق ،أو هروب وإدارة ظهر، وتنصّل من حمل المسؤوليّة التي تقع على عاتقنا. فكلُّ صاحب حقٍّ مطلوبٌ إليه أن يطلبَ حقَّه، وأن يبحثَ عنه ويدافع، وإلَّا فإنه يُعتبرُ مقصراً مهمِلاً لحقه.
فصاحبُ الحقِّ إذا ترك المطالبة بحقه ضيعه ،فالظالم لم يَعتَدِ ويأخذْ حقَّ الغيرِ قرضًا ،أو استعارة لكي يعيده فيما بعد ،بل أخذه عدوانًا وغصبًا، والحقُّ إنّما يُحفَظُ بالمطالبةِ. والظاهر لي ،أن معرفة الحقِّ والمطالبةَ به ،أصبحت هي اللغة الرسمية في سوق الحضارة الغربية المعاصرة ،فالقوة والشجاعة ،هما الركيزة الأساسية لكسب الحق والمطالبة به ،فمن لا يمتلكهما تفترسه الديناصورات بأنيابها التي لا ترحم ،ولا تقبل رحمة أحد.
فلنقارن بين موقف حكومتنا البائس من مقتل مواطنها القاضي رائد زعيتر – رحمه الله – برصاص الغدر الصهيوني ،وموقف الحكومة الإيطالية من مقتل مواطنها “جوليو ريجيني” التي أقامت الدنيا ولم تقعدها ،وأقلقت مضاجع الحكومة المصرية ،وجعلتها تذهب صاغرة إلى إيطاليا تتوسل وتستجدي الحكومة الإيطالية ،بعد رفضها كافة التحقيقات ،لأنها اعتبرتها واهية ولا تمت إلى الحقيقة بصلة .

ولنقف على ما قاله وزير الخارجية الإيطالي “جنتيلوني” في مقابلة له مع صحيفة “لا ريبوبليكا” حيث قال :”نريد أن يتم تحديد المسئولين فعلا ،وسوقهم أمام القضاء ،إنّ الأمر يتعلق بشاب يشرَّفُ إيطاليا بأسرها ،وواجب ايطاليا الدفاع عن مواطنيها ،والتأكد من أنّهم عندما يقعون ضحية جريمة ،سيتم سَوقُ الجناةِ إلى العدالة.
فشتَّان ما بين الموقفين ،لقد هُنَّا على أنفسنا ،فهُنَّا على أعدائِنا إنّها مرحلةُ الاستكانةِ ،مرحلة المتعبين ،الذين أصابهم الخَوَر ،ونال منهم الوهْن ،حكومة لا تأبه بما فعله عدوها من قتل أحد فلذات أكبادها ،ليصدق فيها قول الشاعر: ومن يهن يسهل الهوان *** عليه ما لجرح بميت إيلام

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى