وحدانية الدين من وحدانية الخالق / د. هاشم غرايبه

وحدانية الدين من وحدانية الخالق

هنالك مجموعات بشرية لا تزال تعتقد أن الدين مخترع بشري، ابتدعه المصلحون لتمرير أفكارهم أصلا، وادّعوا أنه جاءهم من الآلهة ليقنعوا الناس بها.
لم يكن من وسيلة أفضل لإقناعهم بأنه من الله غير المعجزات، والتي هي فعل مؤقت خارق لنواميس الطبيعة، لكن المكابر والمعاند الذي تتضرر مصالحه إن طبقت مبادئ الدين، لا يحتكم عادة الى عقله بل هواه، فلم تؤثر فيهم تلك الأفعال الصادمة للعقل.
رغم انقضاء عهد المعجزات، إلا أن القرآن بقي معجزة دائمة لم يتمكن أحد من مضاهاته أو العبث فيه، فتحولوا الى تفريق الدين بتعزيز الخلافات بين أتباع الرسالات.
إن عقيدة التوحيد مبنية على أن وحدانية الدين دالة على وحدانية الخالق، والذي يرتكز على المبادئ التالية:-
الأول: تعدد الرسالات لا يعني اختلافها:
كان من أهم وسائل التشكيك في الدين هي تفريقه، فجعلوا دين الله أديانا متفرقة، فنسبوا كل دعوة دعا بها نبي اليه وسموها بإسمه، وبحثوا في جزئيات كل دعوة عن وسائل الإختلاف، رغم أن الجوهر هو واحد فيها جميعا الإيمان بالله واليوم الآخر.
إذاً لو كانت الرسالات متباينة في مبادئها لكانت مصادرها متعددة، وما تسلسل مجيئها بأزمان متباعدة إلا لتتوافق مع ما وصله البشر من تقدم معرفي في كل حقبة، إذ لا يعقل أن تنزل التشريعات التي تنظم حياة البشر مرةً واحدة، فلو راعت ما سيكون عليه الناس آنذاك لما نفعت لمن سيأتون في حقب لاحقة، ولو أتت ملبية لحاجاتهم المستقبلية لما فهمها الأقدمون ولا استوعبوا غاياتها وهم ما زالوا بدائيين نسبيا.
الثاني: الرسالة الخاتمة تعني اكتمال الدين:
لأن الرسالات جميعها من المصدر ذاته فلا يمكن أن تتناقض، لذا فكل رسالة تصدق بما قبلها، وتكمل على ما ورد في ما سبقها، هذا يعني أمرين أولهما أن من مُتُّبع أي رسالة يجب أن يصدق بالأُخَر، لأن مرسلها واحد، والثاني أن الرسالة الأحدث مهيمنة على الأقدم.
من المنطقي أن تصل الرسالات الى حد يُقدّره الله، وتختتم برسالة يستكمل الدين بها، فعندها سيكون ذلك الدين النهائي، ومن المنطقي أن ذلك يسعد كل من آمن بالله، لذلك وجدنا الغالبية الساحقة من أتباع المسيح عليه السلام في الشام ومصر اعتنقوه بقناعتهم، فيما حاربه اليهود الذين خالفوا من قبل رسالة موسى عليه السلام وقتلوا الأنبياء الذين خلفوه):المائدة:32).
الثالث: الدين هو الإسلام:
عندما يقول تعالى”إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ” يعني أن الدين عند الله واحد وليس له أنواع وأشكال، فكل الأنبياء من بعد السلالة الجديدة من البشر(سلالة نوح عليه السلام)، وبلا استثناء، دعوا إليه وأوصوا ذريتهم وأتباعهم باتباعه، فكانوا مسلمين جميعاً، وذلك بدلالة الآيات: إسلام ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب ورد في(البقرة:131-133)و(آل عمران:67)، ونوح في(يونس:72)،ولوط في(الذاريات:36)، وموسى في(الأعراف:126)و(يونس:84)، وسليمان في(النمل:31) وعيسى في(آل عمران:52).
فالأنبياء لم يتفرقوا في الدين بل الذين اتبعوهم بعد زمن طويل هم من ابتدعوا التسميات المفرقة.
وقد أراد الله تعالى أن يؤكد ذلك بأن أسرى بخاتم أنبيائه الى المسجد الأقصى حيث صلى آمّاً بكل الرسل السابقين، وهنالك أنزلت عليه الآية 45 من سورة الزخرف وهي الوحيدة التي نزلت خارج الجزيرة:” وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ “.
في الخلاصة: الإسلام هو الدين، لكن لا يُكره على دخوله أحد، بل بالدعوة والحسنى، فمن أراد الخير لنفسه استجاب، ومن عاند فجزاؤه عند الله، وهو وحده صاحب الكلمة الفصل في الأمر، وإلى الله ترجع الأمور.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى