الطريق الثالث .. في البحث عن أنساق جديدة وفكر مختلف !!/ اسماعيل أبو البندورة

الطريق الثالث .. في البحث عن أنساق جديدة وفكر مختلف !!
الطريق الثالث خيار وأفق ومحاولة ومساحة فكرية افتراضية استشرافية يراد منها التفكير بالمختلف واللامفكر به من خلال أنساق مغايرة للسائد والارتجالي والمنوالي والراكد ، كما يراد منها ابتداع واجتراح أفق جديد للتفكير والتغيير يتجاوز ما هو مثالي وغيبي ورغبي ونكوصي يرى الفكر والواقع واقفاً ومتجمداً في مسلماته ويقيناته وبدهياته أو مدعيا صلاحية هذه المسلمات في كل زمان ومكان .
والبحث عن الطريق الثالث والتأسيس لأطروحته وإمكاناته أصبح في حالتنا الراهنة احتياج فكري وليس موضوعا للمحاورة المجردة أو البحث عن إضافات التباسية جديدة ، ذلك أنه يقوم ولابد أن يقوم على تطلع استشرافي وعملية نقد ومراجعة كبرى لمسارات الفكر والوجود العربي إضافة إلى رفع الحصانة عن الأفكار ليس بالمعنى التقويضي والتفكيكي وإنما لغايات الارتقاء والتغيير والبحث عن معاني وآفاق جديدة للفكر والحراك السياسي والاجتماعي تأخذه على درب الاشتغال والفعالية .
كما أن الطريق الثالث يعني الوقوف أمام مظاهر وظواهر فشوّ الفوضى والارتداد والانسداد في الفكر والواقع العربي بغية التأمل في عوامل قيامها واستمرارها ، واختراق جدران الاستعصاء بالبحث والتفكير النقدي الخلاق الذي يفتح الآفاق ويفسر الواقع ويولّد الأمل .
وعليه يكون الطريق الثالث فضاء افتراضياً مفتوحاً للأمل والتغيير وحقلا جديدا للمراجعة والتفكير ، ولا يكون بهذه المثابة بدعة فكرية أو سياسية وتكرارا واجترارا للمقول وقراءات مجردة للواقع ، وإنما يكون إشتقاقا لممكنات جديدة واستشرافاً لمستقبل ممكن ننتقل معه إلى اسئلة جديدة حول النهضة والحداثة والمعاصرة ونتجاوز إلى الأبد حالة الغياب والاستنقاع المديدة ، والاستغراق الشقي في سجاليات وإشكاليات زائفة .
يتضمن الطريق الثالث أو عملية البحث عنه سؤالا حول ما يجب وما يمكن عمله لتجاوز الواقع الراهن ، وحول الممكنات المتاحة ، وهو بهذه الحالة لا يضمر القطيعة الفكرية التامة ولا محاربة الماضي وإعدام التاريخ أوالانفصال المتهور عنه ، ولكنه يريد أن يبدأ قراءة وقراءات خصبة ومخصبة لهذا التاريخ والماضي من أجل وصل إيجابياته بهذا المنهج والخيار الجديد الباحث عن التجاوز والخروج من الأزمة وإدامة التواصل بطريقة معرفية عقلانية واستشرافية .
في أكثر من منعطف تاريخي عربي وعالمي كانت هناك فرجات ومحاولات للتجاوز واختراق واقع مسدود ومكدود ، وكان البحث لا يني يولد مسارات جديدة تتناقض مع ما هو شاخص وقائم وتشتق منه مساحات وفضاءات للبدء واستئناف البدء رغما عن كل المعوقات والمحبطات والموحيات بأنه ليس من الممكن أن يكون هناك غير وأفضل مما هو كائن إلا أن كل ذلك كان يوحي ويوّلد البديل بعد فشو حالة اليأس وانعدام للبديل .
الانحصار والانئسار في ثنائيات – الأسود والأبيض ، السقوط والنهضة ..الخ – ، وانعدام البديل كانت دائما وأبدا تضبب الفكر وتبلبله ، وتحاصر إنطلاق واشتقاق الرؤى الجديدة ، وكانت تحول دون البحث عن الجديد والمختلف وكل ما هو خارج الثنائيات المغلقة والعقيمة ، ولذلك شهدنا في الماضي ونشهد الآن الحديث عن الحتميات المستحدثة ( حتمية الاستعصاء العربي ، حتمية الزوال والانقراض .. الخ ) وكل ذلك جراء فهم خاطيء للتاريخ وقوانينه ومساراته وفقدان الأمل في عقل وحركة المجتمعات واستبعاد نشوء النقيض والمفاجيء والاحتجاجي والمعاند والمتجاوز للثنائيات والحتميات .
في مجالنا العربي لا خيار سوى التشبث بمثل هذه الحقائق والفضاءات والمعطيات المنحوتة من هذا الواقع الصعب والمتكلس والتي لا تتأسس ( كما قد يتهيأ للبعض ) على الأساطير والرومانس والحكايات والفكر الرغبي وتفاؤل الارادة ، وإنما تستمد نسغها من المعطيات والقراءات الموازية والمغايرة والحفريّة والمتجهة إلى التغيير واستخراج الممكنات والنزوع إلى مدركات وخيارات جديدة من خارج أطر التفكير الأحادية والراكدة والمتشائمة ، وهو ما نسميه إجرائياً هنا بالطريق الثالث تمييزا له عما هو سائد ومتداول وعن كل ما يأسر ويحول دون إنطلاق خيارات جديدة وممكنات واعدة ومتاحة .
وكل عين بصيرة ترى أن ما يتخلق في بلادنا العربية من اضطراب واحتراب وقلق وله أسبابه ودواعيه ( الداخلية والخارجية ) المستدركة ، إلا أننا لغايات الاستنهاض والاستشراف لابد أن نفهمه ونتلقاه كقلق إيجابي يوحي بمضمرات كثيرة وواعدة ، وعلينا في هذه الحالة أن نتطلع إلى اشتقاق إدراكات واستبصارات تشدنا إلى هذا الإيجابي فيه ونستخرج بالتالي ما يمكن أن يؤسس لتفكير جديد بفهم هذا التاريخ المباشر والمتسارع للأمة والتأسيس للمستقبل بوعي وبصيرة مغايرة ، وابتداءا وأولا بالخروج من الأقانيم والمناهج التيئيسية التي تريد أن تبقيه في حالة جمود وإنكسار أزلي .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى