” قهوتنا بارده !! “

” قهوتنا بارده !! ”
د. محمد شواقفة

اقترب مني صغيري يسألني بعد أن إستيقظ باكرا أكثر من المعتاد و حدثني بلكنة عربية مكسرة مستنكرا : هل هذا هو العيد ؟!

حاولت أن أبتلع مشاعري و أخفف عنه بأن العيد وقت للفرح و فرصة للحب . لم يبد عليه أي اقتناع بهرطقاتي التي اعتادها و هو بالكاد يفهم ما أعنيه عندما أتحدث له بالرمزية و الغموض و أدبا يحاول أن يظهر بمظهر الذي إقتنع و بأن ما أقوله له أي معنى.

أخبرته هذا العيد هو العيد الأكبر و يأتي بعد أن يؤدي المسلمون أحد أعظم الشعائر و هي الحج. أخبرته أن العيد فرصة للتقرب لله بتقديم الأضحية و توزيعها على الفقراء و المساكين و بزيارة الأهل و الأصدقاء و تبادل التهنئة و التبريكات . و أخبرته أيضا أنها فرصة للفرح و جلاء الأحزان و لهذا السبب نشتري ملابس جديدة و نملأ البيت بالحلويات مختلفة أشكالها و نحضر القهوة و المعمول و ربما بعض من الشوكلاته.

كان يوما طويلا بطيئا أمضيت جله في الاتصالات عبر الهاتف مع أحبتي في البعد أسمع أصواتهم و أطمأن على أخبارهم. كان جاهزا بحلة العيد الجديدة و قد أشغل نفسه بترتيب شعره بأشكال مختلفة و كان يغيب قليلا و يعود لعندي متسمرا أمام التلفاز أطالع مراسم الحج الى ان تجاوز النهار منتصفه و بدأت الشمس تزحف نحو مكمنها دون أن يطرق بابنا أحد !. كان يعتقد أنني أنتظر أحدا بسبب تجهيزاتي المتواضعة من قهوة سادة و شاي بالميرمية و معمول تم البحث عنه بشق الأنفس و بعض أنواع من الشوكلاته . لكنني أخبرته أن هذه ما تبقى لي من مظاهر العيد لا أكثر ولا أقل و أخبرته أنها ليست لأحد بعينه و بإمكانه أن يتناول منها ما يشاء. لكنه لم يفعل !!.

طلب مني أن أصف له طعم القهوة و لماذا نشربها نحن الكبار . و بكل صدق لم أجد أي كلام قد يجيب على هذا السؤال. أغلقت هاتفي و طلبت منه أن ينادي أخوته لنذهب لأي مكان فلا يزعجني بتساؤلاته و لا أبقى كالطاولة في انتظار لا أحد. و خرجنا كأننا نهرب من واقع بائس حزين. فقد بردت القهوة التي لم يشرب منها أحد و لم يلمس أي كان أي مما جهزت و أحضرت ! و شعرت بكل أمانة بغربة الجسد و الروح !

أخذني أطفالي لأماكن بعيدا عن قهوتي و أوهامي و أمضينا يوما آخر غرباء كالعادة بدون عنوان.

تساءل أبي عبر الاثير بأي صف بات كل واحد من احفاده و أخبرني أنه لا يزال هناك متسع من الوقت في الصيف ليحضروا و يراهم و لا يزال ينتظرهم و أصر صغاري على بعث صورهم بملابس العيد لأمهم التي لم يرونها منذ عدة أشهر و يسألون عن شقيقهم الأصغر الذي بدأ يلفظ أولى كلماته. و كانت تتكرر الاسئلة من اخوتي و احبتي تخالطها اجابات غامضة و عبرات لا تجرؤ أن تسيل. متى سنراكم ؟! لا نعرف صدقا و لم يعد لدينا رغبة بأن نبحث عن جواب !!

بكت أختي و هي تحدثني عن قبر أمي الذي سألها عني و اختنقت بالعبرات و هي تعرض علي رغيفا من خبز العيد و هي تناجيني: ليتك معنا هنا !!!

مر يوم العيد غريبا كما نحن غرباء ، و بقيت قهوتنا في دلتها و لم يسكب منها الا فنجان يتيم سكبته لنفسي و كانت القهوة باردة جدا كالعيد في بلاد الاغتراب .!!!ا

” دبوس على اعياد الاغتراب ! ”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى