قصيدة ولوحة … نـحــــنُ البُســـــطاء / معن سناجلة

في كلِّ مكانٍ وزمانٍ
نحنُ البسطاءْ
كالنّملِ نسيرُعلى ظهرِ البيدرْ
والجوعُ يحاصرُنا ، والدّاءْ
والعطشُ اللّاهبُ ، والصحراءْ
وعلينا .. تمشي الأحذيةُ البلهاءْ
والفقر يقضُّ مضاجعَنا ، والجهلُ الكافرُ ، والغوغاءْ
والكرهُ الأعمى سيّدُنا . وعلينا يأمرُ
بالشحناءِ ، وبالبغضاءْ

****

في كلّ مكانٍ ، وزمانٍ
نحنُ الغرباءْ
كالعشب البرِّي المتناثرِ ، في كلِّ الأنحاءْ
في الأرضِ البورِ ، وبينَ الصخرِ ، وفوقَ الصخرِ
وبين تضاريس البيداءْ
كترابِ الأرضِ
بكلِّ مكانٍ ، منتشرونَ ، ومهزومونَ ، ومنبطحونَ
ومقهورونَ ، ومنفيَُونَ ، ومطحونونَ ،ومقموعونَ
بلا تاريخٍ ، أو أسماءْ

****

لا نملكُ من هذي الدنيا شيئاً
نحنُ البسطاءْ
لا نملكُ مالاً ، أو قوّةْ
لا نملكُ بيتاً ، أو كوّة
لا نعرفُ كيفَ تسيرُ أمورُ المالِ
وكيفَ تسيرُ أمور الجاهِ .. ؟!
وكيف نعيشُ بهذه الغابةِ ، دونَ أمانْ ..؟؟!

*****

إذ ليسَ لدينا أرصدةٌ تحمينا ، أو شيكاتٌ
وعقاراتٌ ، وعماراتٌ
أو أوسمةٌ ونياشينٌ ، أو سلطانْ

*****

لا نعرفُ أنواعَ السياراتِ
ولا أنواعَ البرفاناتِ
ولا أنواعَ الموديلاتِ
بأيِّ زمانٍ كانَ ، وأيِّ مكانْ
وكأنا ما زلنا صلصالاً ، أو حمأً مسنون
على باب الدنيا
وكأنا في بدءِ التكوينِ
بلا أسماءٍ ، أوتاريخٍ ، أو عنوانْ

*****

إذ ليس لدينا ما يحمينا ، أو يأوينا
أو ينقذنا ، من حرمانْ
نتكاثر فوقَ الأرضِ ، وتحتَ الأرضِ
ونحملُ عرشَ الماءِ ، على الأكتافِ
ونحسبُ أنّا كالفرسانْ

*****

لكنَّا .. دونَ خيولٍ ، أو أسيافٍ ، أو أرسانْ
ونظلّ عبيداً للإحسانْ
للسادةِ والأعيانْ
لا نعرفُ معنىً للعصيانْ
إذ ليس بوسعِ العبدِ
سوى الإصغاءِ
أو الإذعانْ

*****

لا نعرفُ بلداً في الدنيا أبداً
إذ ليسَ لدينا جوازٌ
يحملنا بين البلدانْ
ما زلنا منذُ ولدنا ، حتّى الآنْ
وإلى ما شاء اللهُ ، من الأزمانْ
كمحارٍ في صدفٍ ، في قاع البحرِ
نسائل عنّا .. غاباتِ المرجانْ
ونصارع أنواعَ الهذيانْ
لا نعرفُ ما سيكونُ
وما قد كانْ ..

*****

لا نملكُ مالاً ، أو جنحانْ
لا نملكُ حلماً ، يحملنا نحوَ الشُّطآنْ
لا نملكُ حقَّ القولِ ، أو التعبيرِ
عن الوجدانْ
والطِّينُ تراكمَ فوقَ صدورِ الناسِ
فنحنُ جميعاً دونَ لسانْ
وعلى أبوابِ طفولتِنا
تركونا نعلِكُ ذاكرةَ النسيانْ
ولهذا قصُّوا أجنحةَ التاريخِ
وقصُّوا أجنحةَ الطَّيرانْ

*****

وبقينا نحنُ على وجه الدنيا
نطفو ..
مثلَ الأخشابِ ، أو العيدانِ بلا أوزانْ
من غير ملامحَ ، أو أسماءٍ
أو عنوانْ
وبقينا مسجونينَ بداخلِ أنفسِنا
لا نعرفُ أيَّ مكانْ

*****

ما زلنا نسمعُ أنَّ هناكَ بلاداً
يمرحُ فيها الناسُ
ويبتهجونَ ، ويخترعونَ
ويمتهنونَ الحُلمَ
ويحترفونَ العِلمَ
ويمتشقونَ الفكرَ
ويبتدِعونَ النثرَ
ويجترحونَ الشِّعرَ
ويرتَشِفونَ الحبَّ
ويعترفونَ بحقِّ الناسِ جميعاً
في التحليقِ ، وفي الطيرانْ

*****

وأنا ما زلتُ على رملي
حارسَ كثبانْ
ولهيبُ الصَّحراءِ الظَّمآنْ
ما زالَ يطاردني
ويحاصرني بالحرمانْ
إذ ليس لمثلي
حقٌّ في العصيانْ

*****

والأرضُ لغيري ملهىً ليليٌّ
يحتدمُ الرقصُ بحانتِها
حتّى الجدرانْ
وحدائقُ حبٍّ ، أو ولهٍ أعمى
وجنائنُ عريٍ من شبقٍ
وكؤوسٌ من خمرٍ ودِنانْ
وعلينا إن غضبت يوماً
نحنُ البسطاءَ
المهزومينَ ، المقهورينَ
كما الفئران ، أو الجرذانْ
صادتنا بالخذلانْ
وعلينا أطلقتِ النيرانْ

*****

إذ ليس لنا فيها
من بيتٍ أو بستانْ
وعلينا صارت أضيقَ من فنجانْ
لا برَّ بها ، لا بحرَ ، ولا شطآنْ
لا غيمَ بها ، لا حبَّ ، ولا وجدانْ
لا شيء إلينا ، قد أهدتْ
غيرَ النكرانْ
لا شيء إلينا ، قد أعطتْ
غيرَ الحرمانْ

*****

أرقامٌ نحنُ ولكنَّا
ملحُ الأيامِ ، وجمرُ الأحلامِ الكبرى
نحنُ الفقـراءْ
الساسةٌ منّا ، والحكماءْ
والقادةُ منّا ، والعظماءْ
والسادةٌ والرؤساءْ
والكتابُ كذلك منّا ، والشُّعراءْ
وعلينا ينقلبونَ ، ويقتسمونَ الإرثَ
ونحنُ على قيد الدنيا أحياءْ

*****
لكنَّا نحنُ النهرُ ، ونحنُ البحرُ
ونحنُ الموجُ ، ونحنُ الغيمُ
ونحنُ الريحُ ، ونحنُ البوحُ
ونحنُ الغيثُ ، ونحنُ السّيفُ
ونحنُ النزفُ ، ونحنُ ترانيمُ الأشواقِ
وملحُ الأرضِ ، ونارُ الرفضِ
وتاريخ الإصغاءْ

*****

وسنبقى ما عشنا
نحنُ البسطاءْ
نلتقطُ الحبَّ
ونجمعهُ في فصل الصيفِ
لفصل البردِ
لكي نبقى أحياءْ
ونذودُ عن الشّمسِ الظلماءْ

*****

الأرضُ بنا تحيا
والحربُ بنا تحيا
والموت بنا يزدادُ عطاءْ
لا نيأسُ يوماً ، أو نفنى
ونظلُّ نمارسُ ما نهوى
عشقاً وفناءْ
ونكونُ إذا متنا
شهداءْ

*****

وعلينا يمشي الساسةُ والحكماءْ
وعلينا يعتاشُ الكتابُ
وتعتاشُ الصُّحفُ الصَّفراءُ
وتعتاشُ الصُّحفُ الخضراءُ
وتعتاشُ الصُّحفُ الحمراءُ
وتعتاشُ الشعراءْ
وعلينا يزدهرُ التاريخُ
وتنتفخُ الأسفارُ
وتمتلىءُ الأخبارُ
وتحتقنُ الشَّحناءْ
وعلينا يقتسمونَ الفيءَّ
وفوق مقابرنا يمشونَ
بلا استحياءْ
وإلينا
يظل الجندي المجهولُ
يشيرُ بكلِّ إباءْ

معن سناجلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى