قشر الوقت

#قشر_الوقت

محمد طمليه

جلست في بهو# الفندق . قلت : ” اتسلى ريثما تجيء ” , وطلبت الى النادل ان يأتيني بمشروب , وبطبق من الثواني والدقائق المسلوقة . جاء النادل بالطبق , فجعلت الوك الوقت , وارمي القشر في المنفضة …
مازلت انتظر : ها اني اسمع وقعا على بلاط الممر : ” طق .. طق .. طق .. طق ” . خطوات متشابهة كأيام الاسبوع . كسعال المريض قرب المغسلة . لمن هذه الخطوات ؟ اللعنة , انها للنادل الذي جاء ليأخذ #قشر #الوقت الى #الحاوية
قلت : ” اتسلى بالعبث بشاربي ” , فعلت . ياه صار لي شنب . صرت رجلا . صرت قابلا للارتماء في بهو فندق من اجل امرأة لا تجيء ولا تتصل .
ما زلت انتظر .. ها انني اسمع وقعا على بلاط الممر : خطوات متشابهة كالنقود في يد طفل فطيم . كنبض في ساعة الحائط . كسرب من النوارس المهاجرة . كم اتوق للرحيل , امضي الى غير غاية , امشي حثيثا صوب … لا يهم . ايتها #الطرق التي لم يعبث بها مهندسو وزارة الاشغال , خذيني .
ما زلت انتظر …
كنت صغيرا وكنت امسك بطرف ثوب امي لكي لا اتوه في الزحام . تتعثر خطواتي , آه … انها الخطوات ثانية : خطوات على بلاط الممر .. متشابهة ككرات الدمع التي تذرفها امي … لمن هذه الخطوات؟ اللعنة , جاء النادل لياخذ قشر الوقت الى الحاوية …
ما زلت انتظر امرأة لا تجيء . امرأة أرغمتني على الانصياع لمزاجها الصعب . هل كانت امي مزاجية ؟ وهل كان ابي مضطرا لانتظارها طوال الوقت !.
خطوات متشابهة , كالرجال الداجنين , كلهب ” الولاعة ” التي نشعل بها سجائر النساء . كأحمر الشفاه على طرف الفنجان . كالايدي التي نفتح بها ابواب السيارات لكي تصعد النسوة المتعاليات . كالساعات التي تضيع …
خطوات … جاءني النادل , فطلبت وجبتين . سألني الرجل الحائر : هل ينتظر السيد احدا ؟ , ثم ابتسم بخبث قائلا : ” أرجو أن لا تتأخر فتاتك ” . ومضى بعد أن صبَ الماء في كأسين : يا له من شاب دمث ووسيم ومتفهم … وذكي جدا قبل كل شيء , فقد ادرك انني انتظر ” تلك المرأة ” : يحدث أن يذهب رجل في اجازة ” شهر عسل ” بمفرده , ويبقى على أمل أن يلتحق الطرف الثاني به في اي وقت \ ولو على شكل صدفة : هذا الرجل تحديدا ينام كل ليلة في سرير مزدوج ليكون ثمة متسع لتهنأ ” تلك المرأة ” بمنامة مريحة تليق بها , ويمشي في المنزل على أطراف أصابع قدميه اذا كانت ” تلك المرأة ” نائمة : أنه حريص على الاستيقاظ من النوم قبلها بساعة ليعد قهوة لها , وافطارا لشخصين .
وهذا غداء لشخصين . وأبقى أنتظر : ربما تكون الآن في #الطريق الى هنا . ايها النادل : لا تعجل في الطعام .
*** قلت للخادم : ” اسرج لي الحصان , فأنا قررت أن أرحل بعيدا عن هنا “. قال الخادم : ” هل يعرف السيد الى اين سيذهب ؟ ” . رد السيد : ” ايها الغبي , الم اقل لك بعيدا عن هنا ؟ ” .
هذا ما قاله ” فرانز كافكا ” في واحدة من قصصه …
** قلت للخادم : انا راحل بعيدا جدا عن” هنا ” احث بخطى وصولا الى ” هناك ” . معي حفنة من الشاي , ومثلها من السكر , لا , ما معي شيء , لست في حاجة لشيء , اريد فقط ان ابتعد ” هناك ” حيث يمكنني ان اتنهد , وأقول :” لقد نجوت ” .. مم ؟ لا ادري , ولكني نجوت , لم اعد طرفا في .. كلهم حمقى وانني لأعجب كيف احتملتهم منذ ذلك التاريخ , اتذكر انهم .. انا لا اتذكر شيئا .. لا بأس ولا يهم , لقد نجوت , وهذا مكسب , ولن اعود ثانية بالطبع . سوف احذو حذو الشاعر . ” بيسنوف ” في رواية ” درب الآلام ” للكاتب الروسي ” الكسي تو لستوي ” : كان هذا الشاعر يبتعد في عربة بحصان خارج مدينة ” بطرسبورغ ” كان ثملا للغاية , واذا نظر الى الخلف ورأى اضواء المدينة , ظن انه واهم , وانه لا وجود لأي مدينة على الاطلاق : انا لست واهما , ويمكن لأحدكم ان يتأكد من ذلك اذا وخزني بدبوس , كل المجريات التي وقعت مؤخرا حقيقية وتبعث على الاشمئزاز ” امشي ” يقول شاعر طلياني : ” ما من طرقات , المشي يصنع الطرقات ” .. بعيدا عن ” هنا ” خلاصي ان امكث ” هناك ” الى الابد وحدي تماما , امشي وامشي , ولكني لا أصل الى ” هناك ” مطلقا .
** افكر في شيء : التنصل من كل الالتزامات , السفر الى اي مكان …
اريد بحرا ( ليس بالضرورة ان يكون ازرق ) … اريد رملا … وهجا … نساء غير محجبات … اشخاص دمثين … غرفة مرتبة في فندق … رسائل لا تأتيني , وهاتفا لا يرن .
جزيرة . اريد ان اعيش في جزيرة , محاطة بالماء طبعا , وفيها انا : قد اسمح بشجرة قد تنمو هنا او هناك … قليل من الاعشاب … موجة لعوب … نملة سائبة … غرباء لا يأتون مطلقا .
جزيرة . هل مرت باخرة ؟ هل سمعت صوتا ؟ هل اثمرت نبتة الضجر التي زرعتها في الفناء ؟ هل نز الماء من جرح في صخرة …
جزيرة … وهدوء … وغرقى لا ادفنهم … وامل معدوم … وثمار حامضة اتناولها وقت اللزوم …
وحدي تماما , ولكن ثمة امرأة في البال … امرأة في العشرين , وتوخيا للدقة اقول انها في الاربعين , ولكي لا يلومني طير , او يعتب وهج الشمس , اقول انها في ميعة الزهر / ريعان الندى – هي طفلة , مثلي عندما القمتني امي نبعا من حليب رقراق , ومثلي عندما حبوت اول مرة / طفلة بكامل قيافة الشفتين وقت القبلة , وبكامل قيافة الجسد وقت القشعريرة , وبكامل قيافة الروح وقت التألق .
طفلة , عرفتها عن قرب / عرفتها عن بعد / لم اعرفها مطلقا … الفراشة لا تحمل جواز سفر , والهواء يمشي حافي القدمين ولأنها كذلك , طفلة , فهي تكذب على التوالي . قالت انها لا تتأرجح في العيد , وان شعرها لم يكن على هيئة ذيل فرس , وانها لا تغمض عينا اذا نظرت الى الشمس مباشرة , وان القمر نام تحت وسادتها البارحة , وانها لا تحمل ” رضاعة حليب ” في ” علبة ماكياجها ” .
طفلة تكذب مرارا وتكرارا , وانا لا الومها بالطبع , لأنني احبها ..

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى