قراءة «لبنانية» في خفايا وألغاز المشهد الداخلي: حسن نصر الله و«الالتزام الأخلاقي» تجاه الجنرال عون

يمكن القول إن بصمات زعيم القوات اللبنانية، الدكتور سمير جعجع، على خطاب وبرنامج المرشح الرئاسي، الجنرال ميشال عون، بدت واضحة الملامح عندما نصح الأول الثاني بألا يقبل بمعادلة «حزب الله» المعنية بربط ملفين ببعضهما البعض، وهما ترشيح الجنرال و»السلة» الشهيرة التي تشمل قانون الانتخاب والحكومة ورئيسها.
وجهة نظر جعجع كانت أن يمتنع حزب الله عن هذا الربط لضمان عبور آمن ومقنع لترشيح الجنرال عون.
من هنا حصريا يمكن قراءة تخلي الشيخ حسن نصر الله المثير عن «السلة» إياها بعدما انتظر الفرقاء بهدوء خطابه الأخير بخصوص الانتخابات الرئاسية قبل نموالغموض وزيادة منسوب الضبابية بالإشارة المباشرة لرسو التصويت لصالح الحليف عون على حساب الحليف أيضا سليمان فرنجية.
نصر الله أعلن تأييد عون من زاوية «الالتزام الأخلاقي» والأساس بدون التخلي عن التحالف مع فرنجية.
قراءة موقف نصر الله تتطلب التعمق بخفايا ما بين الأسطر، حيث يتعاظم في العواصم العربية المهتمة بالشأن السوري الحديث عن إحياء حزب الله بعد تفكيك الحصار الدولي عن إيران، وفي ظل تقدمه بالمعادلة الروسية لمشروعه الباطني الأعمق، المتمثل في العمل على استغلال فرصة تاريخية مفصلية لإعادة إنتاج» المحاصصة»، وبالتالي اتفاق الطائف وفقا لميزان القوى الدولي والإقليمي الجديد.
الأهم ان الحديث عن الالتزام الأخلاقي تجاه ترشيح عون لا يعكس رغبة في الحسم، فقيادة حزب الله تعرف مسبقا أنه، وبموجب الحسابات الرقمية المباشرة، بأن بقاء الحزب إلى جانب عون يعني الاسترسال في عدم الحسم والبقاء في المنطقة التي يسميها الشيخ أحمد الحريري، المنسق الأساسي في تيار المستقبل، بـ»الهروب من النصاب».
الحسابات الرقمية تفيد بأن فرنجية لديه تحالف عنقودي من 70% من الأصوات يستطيع تأمينها، بمعنى ان ترشيحه من حزب الله يحسم فعلا الاستحقاق الرئاسي، ويسمح بإنعقاد «الجلسة البرلمانية» التي ينتظرها اللبنانيون منذ عامين فيما حصة عون من المقاعد وبأفضل الأحوال لا تزيد عن 40 % من المقاعد.
يتبع حزب الله هذا التكتيك لسبب، وفقا لقراءات معمقة للمشهد داخل أوساط تيار المستقبل اطلعت عليها «القدس العربي»، فحزب الله لا مصلحة له اليوم بحسم الاستحقاق الرئاسي واتجاهه العام بالرغم من تأييد عون علنا يتطلب «إرجاء» جلسة الإستحقاق الرئاسي حتى ينطلق قطار التسوية الأوسع في سوريا.
بمعنى آخر يقدر «تيار المستقبل» بأن حزب الله يريد انتهاء وظيفته في سوريا أولا قبل التفكير بالمعادلة الداخلية، على أساس مشروعه العميق المتمثل بنمط جديد يكرس «قوة الواقع» في ما يتعلق بالمحاصصة، وهو تكتيك يعطل مشروع الجنرال عون عمليا، رغم مؤشرات المرونة التي ظهرت في خطاب نصر الله ودخول جعجع القوي على خط ترشيح عون.
التخلي عن السلة إياها لا يعكس نوايا حزب الله الحقيقية، وإن كان يؤدي إلى إسترخاء الثنائي عون- جعجع بعد تخوف أوساطهما من قصة ربط الترشيح بملف السلة الثلاثية.
نصر الله، واستنادا إلى تحليل تقييمي عميق اطلعت عليه «القدس العربي»، خاطب في كلمته جمهور العماد عون، وجمهور فرنجية وجمهوره هو لإزالة الانطباع بأن الحزب هو الذي يعيق وصول أي من الحليفين إلى الرئاسة.
التركيز على هذه النقطة سببه معالجة الانتقادات التي وجهت إلى موقف الحزب من كل من أنصار القطبين المارونيين بأنه لا يحسم موقفه، أو أنه ينحاز إلى هذا أو ذاك.
وحصل ذلك بعدما انقسم مناصرو الحزب على مواقع التوصل الاجتماعي بين من أيد الجنرال، ومن أيد رئيس «المردة» النائب فرنجية.
حزب الله يهتم بالحفاظ على الحلفاء المسيحيين إلى جانبه في هذه الظروف الإقليمية الحرجة، وفي ظل استمرار تدخله في سوريا.
ولذلك فإن تأكيد حقه في مقاطعة جلسات البرلمان سببه أنه لا يريد لمشهد انقسام «8 آذار» أن يتكرس في أي جلسة نيابية، يكون فيها عون في جهة وفرنجية ونبيه بري في جهة أخرى، حتى لو لم يحصل انتخاب الرئيس، لأن هذا سينعكس على جمهور التحالف ككل وجمهور الحزب أيضا.
تلك التقديرات دفعت حزب الله لمعادلة الالتزام الأخلاقي مع عون التي لا تنتمي حتى وإن صدقت، كما قال زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري في إحدى الجلسات، إلى عالم السياسة الحقيقي، وتنطوي على خفايا وخلفيات، وتعني ببساطة بأن حزب «المقاومة» يمضي قدما في تأخير الاستحقاق الرئاسي رقميا وواقعيا.

بسام بدارين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى