في ذكرى رحيله، شاعر الحب، والألم ، بدر شاكر السّياب

#سواليف

كتبت .. تسابيح إرشيد

في قريةِ #جيكور العراقية الواقعة جنوب شرق #البصرة ، ولدَ الشّاعر #بدر_شاكر_السياب (1926م- 1964م). هذه القرية الصغيرة التابعة لقضاءِ أبي الخصيبِ لفتها البساتينُ الخضراء وغابات #النخيل، يمرُّ بها نهرُ بويب الذي تغنُى بهِ وبها السّياب في أشعاره. فأيّ بلد أحب إليه من هذه القرية، وهو يُفضلها في أشعارهِ على كل البلدان؟ لقد رسم لها صورًا تفوقُ معاني #الجمال والإبداع. يقولُ في قصيدته أفياء جيكور:

نافورةٌ من ظلالٍ، من أزاهير

ومن عصافير…

جيكورُ، جيكور، يا حفلا من النور

يا جدولا من فراشاتٍ نُطاردها

في الليلِ، في عالم الأحلامِ والقمر

ينشرن أجنحة أندى من المطرِ

إلا أنّ ما مرَّ به السّياب من تجارب مؤلمة وقاسية قد غير مجرى حياته وصقل شعره، أبرزها وفاة والدته وهو صغير لم يتجاوز السادسة، وزواج أبيه، وابتعاده عنه، ثم موت جدته التي كان يعيش معها، ناهيك عن #الفقر، وألم المرض الذي ألمَّ به في شبابه.

لقد صوّر لنا السّياب في قصائده ما أحس به من قهر ومعاناة لفقدانه والدته، فيقول: (الباب تقرعه الرياح)

أُمّاهُ…. لَيتَكِ لَمْ تَغيبي خَلْفَ سورٍ من حِجار

لا بابَ فيهِ لكي أدقَّ ولا نوافذَ في الجدار!

ويقول أيضا: (أنشودة المطر)

كأنَّ طفلاً باتَ يَهذي قبلَ أنْ ينام

بِأنّ أمّهُ التى أفاقَ منذُ عام

فلمْ يجِدْهَا، ثم حينَ لجّ في السؤال

قالوا لَهُ: بعدَ غدٍ تعود

لا بُدَّ أنْ تعــــــود.

ثمّ كانَ لموتِ جدّته الأثر الكبير في نفسه، فرثاها قائلا: (رثاء جدّتي)

جدّتي من أبثُّ بعدكِ شكواي؟طواني الأسى وقلّ معيني
أنت يا من فتحتِ قلبكِبالأمسِ لحبّي أوصدتِ قبركِ دوني

شاعر الحب

يتحدّث السّياب في قصيدته “أهواء” عن حبيبتين: هالة، وذات المنديل الأحمر. إنّ أقدم تجربة حب عاطفية للسّياب هي حبّه لهالة، الفتاة الرعَوية، التي احتلت مكانًا متميزًا في نفسِ السّياب من بين اللواتي أحبّهن، وامتلأ قلبه بهذا الحب عندما كان يلتقي بها عند شواطئ نهر بويب، وبين أفياء النخيل. حبّ انقلب إلى انكسار، وبهجة انقلبت إلى مرارة، حين تزوجت هالة من غيره.

هو الريف هَلْ تبصرينَ النخيل؟وهذي أغانيه هَلْ تسمعين
وذاك الفتى شاعر في صباهوتلك التي علّمته الحنين
هي الفن من نبعِهِ المستطابهي الحب من مستقاه الحزين

أما الفتاة الثانية، ذات المنديل الأحمر، التي يخاطبها في القصيدة، فكانت تكبره بسبع سنين. وحين ظنَّ أنَ العمر سوفَ يكون حاجزًا بينهما، حاول أنْ ينفض السنين الزائدة كما تنفض الريح برد الندى. يقول:

مشى العمر ما بيننا فاصلافمن لي بأنْ أسبق الموعدا
ولكنّه الحب منه الزمانثوانٍ، وما احتواه المدى
أراها فأنفض عنها السنينكما تنفض الريح برد الندى

ولكنه قد كان حبّا صامتا لا تعلم عنه ذات المنديل الأحمر شيئا، أو لربما تجاهلته، حيث يقول السياب:

وأمسى – ولم تدر أنت الغرام –هواها حديث الورى أجمعين
لقد نبّأوها بهذا الهوىفقالت: وما أكثر العاشقين ؟!

وفقد ذات المنديل الأحمر كما فقد هالة، ووجد نفسه أمام تجربتين مريرتين، هما في واقع الأمر تجربة واحدة مكرّرة. إلا أن الحب عند السياب خالد لا ينتهي، يغيب حينا ويرجع حينا، إذ يقول في نفس القصيدة:

وهيهات، إنَ الهوى لن يموتَولكن بعض الهوى يأفل
كما تأفل الأنجم السّاهراتكما يغرب الناظر المسبل

في عام 1946م، كتب السياب قصيدته “هل كان حبّا”، أولى قصائده في الشعر الحر، نشرت في ديوان “أزهار ذابلة”، يقول:

هل تسمين الذي ألقى هياما؟

أم جنونًا بالأماني أم غراما؟

ما يكون الحب نوحًا وابتساما

أم خفوق الأضلع الحرّى إذا

حانَ التلاقي

بينَ عينينا، فأطرقتُ، فرارًا

باشتياقي

شاعر الألم

التجارب التي ذكرت آنفا كان لها الأثر الأكبر في شعر السياب، فالمرض، والفقر، والعجز، والفقد كلها جعلت من شعره مشهدًا للألمِ والحزن. عاني السياب من الآلام النفسية والجسدية. عانى من إخفاقاته في الحب، إذ ظل طيلة حياته يعاني من هذا الإخفاق، فنراه في قصيدته بين الروح والجسد يقول:

هذا الجريح وجرحه لا يضمدُجارَ الغرامُ عليه فهو مُسهَّدُ

ويُجسّد لنا في قصيدته “شاعر” ما يُعانيه المحب من عذابٍ وآلام، فلم يكن له حظ من الحب سوى أسماء الحبيبات، فيقول:

غنّى ليصاد حبيباتهفاصطادَ أسماء بيباته
إن تبك عينيه صباباتهأبكى عيونًا بصباباته

وفي قصيدته “رئة تتمزق” يشكو آلامه الجسدية، فيتصور نفسه سيموتُ بلحظة كما يجف ندى الصباح، ويبدأ قصيدته بصورة فنية للمرض، فشبح الزوال يرقص في رئتيه ليوحي بقرب الأجل:

الداء يُثلج راحتي، ويُطفئ الغد في خيالي

ويشلُّ أنفاسي…. ويطلقها كأنفاس الذبال

تهتز في رئتين يرقصُ فيهما شبحُ الزّوال

مشدودتين إلى ظلامِ القبرِ بالدمِ والسعال

توفي السيّاب في المستشفى الأميري في الكويت في 24 كانون الأول عام 1946، ونقل جثمانه ليدفن في البصرة. وهو كما قالت عنه الشاعرة لميعة عباس عمارة: “شعلةٌ انطفأت قبلَ أنْ ينفدَ الزيت، وثمرة قطعت قبلَ أنْ يتم نضجها”.

ومن دواوينه:

أزهار ذابلة1947

أساطير1950

أنشودة المطر1960

المعبد الغريق1926

منزل الأقنان1963

شناشيل ابنة الجلبي1964

إقبال 1965

قيثارة الروح 1971

أعاصير 1972

Tasabeeh_irshaid@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى