فايروس الكورونا ومكافأة مخترع الشطرنج

فايروس الكورونا ومكافأة مخترع الشطرنج
د. حازم التوبات

تذكرني أزمة فايروس كورونا وانتشاره السريع بقصة الملك الهندي الذي أراد أن يكافئ العالم الهندي الذي ابتكر لعبة الشطرنج، حيث أعجبته فكرة اللعبة وأمر باحضار مبتكر هذه اللعبة إلى البلاط الملكي لكي يكافئه بنفسه على ابتكاره الباهر، وعندما حضر المخترع ، و كان اسمه سيتا ، سأله الملك أن يطلب المكافأة التي يريد، فطلب سيتا من الملك أن يعطيه كمكافأة له على اختراعه حبة قمح عن أول خانه في رقعة الشطرنج وحبتين في الخانة الثانية و4 حبات في الخانة الثالثة و8 حبات في الخانة الرابعة، ثم 16في الخانة الخامسة ثم 32 في الخانة السادسة وهكذا بمضاعفة الحبات في كل خانة تالية حتى الخانة 64. الملك وحاشيته ضحكوا من تواضع هذا الطلب وتفاهته ,فقال له الملك سوف تُعطى ما طلبت ولكن يجب أن تعلم بأن طلبك هذا لا يليق بكرمي و سخائي، إذهب الأنّ إن خدمي سيعطونك ما طلبت. ابتسم سيتا، ثم غادر مجلس الملك. في فترة الظهيرة ، تذكر الملك مخترع الشطرنج، وبعث يسأل هل استلم سيتا مكافأته التافهة أم لا. وجاءه الجواب: أيها الملك، إن أمرك في سبيله إلى التحقيق وإن علماء الرياضيات
في القصر يحسبون عدد حبات القمح اللازمة. فغضب الملك، لأنه لم يتعود أن تنفذ أوامره بهذا البطء . وفي المساء سأل الملك عن المكافأة ولكن كان الجواب: أيها الملك إن علماء جلالتك يعملون دون كلل، ويأملون في انتهاء الحساب مع طلوع الفجر. في الصباح طلب كبير العلماء المثول أمام الملك قائلاً للملك: سيدي لقد قمنا بحساب كمية القمح التي يريد سيتا الحصول عليها وقد كان العدد كبير وهائل إلى حد لا يمكن تحقيقه. قاطعه الملك :- مهما كانت ضخامة هذا العدد، فسوف يُعطى للعالم سيتا، لقد وعدت بصرف المكافأة ويجب أن تصرف. قال العالم: ليس بمقدورك يا سيدي الملك تحقيق مثل هذا الطلب، ولا يوجد في كافة مخازن القمح مثل هذا العدد الذي طلبه سيتا، لو أراد الملك أن يمنح هذه المكافأة فليأمر بتحويل الأرض بأسرها إلى حقول مزروعة بالقمح، وليأمر بتجفيف البحار و المحيطات لتزرع مكانها القمح، ثم تعطى كل محاصيل هذه المساحات إلى سيتا . عندها أدرك الملك أنه ليس بمقدوره تقديم هذا العدد الهائل من حبات القمح إلى سيتا. ولكي يخلص نفسه من هذا الموقف ويتنصل من دفع المكافأة المطلوبة ،أمر بمثول العالم سيتا بين يديه وطلب منه بأن يعد بنفسه كمية القمح التي طلبها حبة حبة.وهنا تعذر على سيتا أن ينفذ هذا الطلب لانه لو شرع بتنفيذه فسينتهي ما تبقى من عمره دون أن يتمكن من عد حبات القمح المطلوبة.
هذه القصة يمكن وفي هذا الظرف الحرج الذي نعيشه أن نستنبط منها حكمة وعبرة في غاية الأهمية مفادها أن ظاهر الأمر ليس كباطنه وإن من يستيهينون بالوضع الذي نعيش ولا يأبهون بكل الأصوات التي تنادي بأخذ كافة الإحتياطات اللازمة لمنع إنتشار هذا الفيروس، فلا يأخذون الأمر على محمل الجد، قد يصلون بنا إلى وضع لا تُحمد عقباه ولا يمكن تلاشيه، فهذا المرض ينتشر وفقاً لما يُعرف بالرياضيات بالإقتران الأسّي، وهو مشابه في تضاعف الإصابة به بتضاعف حبات القمح في خانات لعبة الشطرنج.
لذلك،علينا أن ندرك خطورة الأمر وأن نلتزم بكافة التعليمات التي تصدر ممن يديرون هذه الأزمة فهم الأقدر على التعامل معها والأعرف بمخاطرها وعواقبها، ولكن حتماً فإن جهودهم لم ولن تتكلل بالنجاح ما لم يكن هناك تعاون تام من الجميع، فكلنا في قارب واحد وان استهتار فئة قليلة ستؤدي بنا جميعاً إلى الغرق لا سمح الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى