مجرمون بلا حدود

مجرمون بلا حدود / #يوسف #غيشان

في إمارة قلعة الكرك، خلال العصر المملوكي، جرت العادة أن تقام الاحتفالات للسلطان القادم إلى الإمارة أو العائد من الحج، وعند وصول السلطان أو الأمير كانت المنجنيقات ترمى، تماما كما نطلق نحن النار حاليا ابتهاجا بطهور الولد أو نجاحه بالتوجيهي أو وفاته شابا أعزب، أو زواجه.
أما في زمن أحمد باشا الجزار الذي حكم الساحل الفلسطيني في النصف الثاني من القرن الثامن عشر والسنوات الأربع الأولى من القرن الذي تلاه، فقد قرر الباشا أن يمنع الناس إطلاق النار في الأعراس، من البواريد التي تم سلبها من جيش نابليون المهزوم على أسوار عكا، لكن مستشاره اليهودي رجاه ألا يفعل ذلك.
صرخ الباشا في وجه مستشاره، وطلب منه تفسيرا لمعارضة قراره، فقال له المستشار، ما معناه:

  • اترك الناس يطلقون النار في الهواء فتفرع بنادقهم.
    قال الجزار لمستشاره اليهودي بلغته البوسنية المكسرة ما معناه بالعربية الفصحى:
  • بخ بخ
    وألغى الجزار قراره بمنع إطلاق النار في الاحتفالات.
    تخيلوا أن المماليك في عصرهم الثاني تخلوا عن عادة إطلاق المنجنيق، وهي مجرد حجارة ربما تكون مربوطة بشريطة مشتعلة، وأن احمد باشا الجزار أراد الغاء إطلاق النار، وهو مجرد بارود والقليل من برادة الحديد.
    تخيلوا انهم فكروا بذلك على الأقل بينما كان عدد الناس لا يزيد عن عشرات الالاف.
    أما نحن فما نزال نطلق النار- بعد ان صار الناس بالملايين – وبكافة أنواع البواريد المسدسات، في وسط الحارات، وفي الأسواق خلال مرور الفاردة، ولا نهتم لعدد الضحايا التي تسقط من الناس الأبرياء، ولا نأبه الى ذلك.. المهم ان نتفشخر عند صاحب الفرح أو أهل الناجح بالتوجيهي، على حساب مآسي الآخرين ومصائبهم التي نصنعها بأيدينا الملوثة بالدم.
    جميعنا يعرف، انه لا يكاد يمر اسبوع الا وتسقط ضحية أو أكثر من الرصاص الطائش (وما يزال اثر لطاف طائش على سيارتي أصابها وأنا فيها) وجميعنا يعرف أن الحكومات مقصرة في مواجهة هذه الظاهرة الحقيرة، وجميعنا يعرف أن حوادث القتل هذه تسجل جرائم دون مجرم.
    لكن الحقيقة التي ينبغي ان نعرفها وندركها، ان من يطلق النار في افراحه ليدمر الآخرين، هو قاتل قاتل قاتل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى