ما هي أبرز مشكلات أردوغان؟

سواليف

نشرت صجيفة “نيويورك تايمز” تقريرا للكاتبة صابرينا تافرنيسي، تقول فيه إن الرئيس التركي طيب رجب أردوعان حضر احتفالا لإحياء ذكرى فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح في القرن الخامس عشر الشهر الماضي، حيث دخل إلى مسرح الحفل، وسط بحر من ملايين المعجبين به، الذين يلوحون بالأعلام التركية الحمراء.

وينقل التقرير عن الرئيس التركي، قوله: “كان الفتح يعني اختراق الجدران التي ظن الغرب أنها منيعة”، وأضاف أن “الفتح يعني أن السلطان البالغ من العمر 21 عاما ركّع البيزنطيين”.

وتعلق الكاتبة بأن “المشهد الحافل، الذي اكتمل بعرض للمقاتلات العسكرية في الجو، وإعادة تمثيل الفتح، والأضواء المبهرة، قدم صورة عن أمة متحدة تسير نحو العظمة، استنادا إلى إنجازات ماض مجيد، لكن هذه الرؤية الطموحة تصطدم بالواقع”.

وتضيف تافرنيسي أن “الرئيس التركي، الذي آمن يوما بسياسة خارجية تقوم على (إزالة أي مشكلات مع الجيران)، لكنه اليوم غارق في المشكلات مع كل شخص، وفي كل مكان، حيث ضرب المقاتلون الأكراد ومقاتلو تنظيم الدولة تركيا 14 مرة خلال العام الماضي، وقتلوا 280 شخصا، وبثوا خوفا جديدا، وعملوا على الإضرار بالاقتصاد، حيث أخاف العنف السياح”.

وتتابع الكاتبة بأنه “في الوقت ذاته، أصبح أردوغان معزولا، وأحبط الحلفاء القدامى، مثل الولايات المتحدة، من خلال رفضه، ولسنوات، المشاركة في الحرب ضد تنظيم الدولة، حيث بدأ في وقت متأخر بالتعامل مع جماعة مسلحة، لكنه على ما يبدو جلب مشكلات جديدة، ويقول المسؤولون الأتراك إنهم يعنقدون أن تنظيم الدولة كان مسؤولا عن الهجوم على مطار اسطنبول يوم الثلاثاء، الذي قتل فيه 41 شخصا، حيث يعد المطار شريان الاقتصاد التركي المرهق”.

ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن “أردوغان أشعل من جديد الحرب مع الانفصاليين الأكراد في جنوب شرق تركيا العام الماضي، وقتل فيها مئات المدنيين، كما نفر منه موسكو في الخريف الماضي، عندما قامت القوات التركية بضرب مقاتلة روسية ضلت طريقها إلى الأجواء التركية، وأصبح وحيدا لدرجة أنه تحرك في الأسبوع الماضي لعمل سلام مع روسيا حول إسقاط المقاتلة الروسية، وكذلك مع إسرائيل، بعد مقتل الناشطين الأتراك الذين كانوا على متن قافلة مساعدات بحرية متجهة إلى غزة عام 2010”.

وتنقل الصحيفة عن الأستاذ الزائر في معهد الدراسات التركية في جامعة استوكهولم جنكيز تشاندر، قوله: “هذا دليل على الوضع اليائس الذي يعيشون فيه”.

وتلفت تافرنيسي إلى أنه “في الوقت الذي عد فيه أردوغان في الماضي تركيا نموذجا للديمقراطية الإسلامية، فإنه الآن يقوم، وبشكل منتظم، بمهاجمة المؤسسات الديمقراطية، حيث غادر محرر أكبر صحيفة في تركيا البلاد، فيما ينتظر آخر المحاكمة؛ بتهمة كشف أسرار الدولة، وأصبح الرئيس لا يتسامح مع النقد، وتخلص من حلفائه السابقين، وأبعدهم عن الدائرة المغلقة المحيطة به، واستبدلهم برجال ينفذون أوامره، وفي أحيان أخرى من أقاربه (صهره هو وزير الطاقة)”.

ويجد التقرير أن “أردوغان يلمح بشكل قاتم في خطاباته، التي يبثها التلفزيون التركي، إلى أن القوى الأجنبية تتآمر لتدميره، حيث انتقل من بيت متواضع في أنقرة إلى قصر فخم مصمم على شاكلة قصور الخليج في أطراف المدينة، وتتوزع البنايات البنية والزهرية لطاقمه، وهي بنايات ضخمة يتم التنقل فيها عبر حافلات صغيرة”.

وتذكر الصحيفة أن “أردوغان أصبح الآن يركز نظره على هدف جديد، وهو تحويل النظام البرلماني للحكومة إلى نظام رئاسي، وهو تغير يقول نقاده إنه سيسمح له بالسيطرة على الرئاسة مدى الحياة، وفي ليلة الهجوم على مطار اسطنبول، ظل البرلمان، الذي يسيطر عليه حزبه، يعمل حتى الساعة 5.45 صباحا، حيث صادق على قرارات واسعة تعزل قضاة بارزين من أهم محاكم تركيا، حيث يقول الخبير في الدستور الليبرالي إرغون أوزبدون: (تسير السفينة بسرعة نحو الصخرة)”.

وتقول الكاتبة إن “القصة هي أن تركيا، عضو الناتو، وثامن اقتصاد في أوروبا، وبعدد سكان بحجم ألمانيا، والمآل الذي وصلت إليه، أصبحت بسبب جغرافيتها العاثرة جزءا من شرق أوسط مضطرب، وفي الوقت الذي يعد فيه أردوغان رجلا بتسع أرواح، حيث نجا من كل أزمة، إلا أن هذا الأسد يجد نفسه محشورا في الزاوية، ومحاصرا بالنزاعات من كل جانب، بما في ذلك الانقسام العميق الذي أسهم بخلقه”.

ويورد التقرير نقلا عن المعلق الصحافي والبروفيسور في جامعة قادر خاص في اسطنبول سولي أوزيل، قوله: “لا يزال أردوغان من أكثر القادة شعبية، لكن هناك حالة من عدم الارتياح بين السكان، وهناك الكثير من الناس يقولون إن الوضع لا يمكن الدفاع عنه”.

وتعلق الصحيفة بأن “أردوغان من أهم القادة الأتراك وأكثرهم موهبة، حيث نشأ في حي فقير في اسطنبول، ليصل إلى أعلى منصب في البلاد، وفاز في جولة انتخابية بعد أخرى منذ عام 2002، ونجح حيث فشل الآخرون بتمزيق النظام الطبقي للحكم في تركيا، وأرسل العسكر الذين كانوا يتدخلون في الحكم إلى الثكنات، وقلص دور البيروقراطية المشككة بالطبقة الدنيا المتدينة”.

وتنوه تافرنيسي إلى أنه “في السنوات الأولى لأردوغان عندما كان رئيسا للوزراء، تحسن الاقتصاد، وارتفعت معدلات الدخل، وزادت شعبيته، لكن نقاده وبعض المعجبين به قالوا إنه انغمس في قتال أعدائه: الحقيقيين والمتخيلين، وإنه ضل طريقه، وانحرف انتباهه نحو المجد الإمبريالي، وأضر بالمؤسسات المهمة للديمقراطية العاملة”.

وينقل التقرير عن مستشاري أردوغان، قولهم إن “المؤسسات، مثل الإعلام الحر والقضاء، لم يتمتعا بالاستقلالية أبدا، حيث يقولون إن حكومته كانت تتعرض لخطر، وهو زعم يؤكده المسؤولون الغربيون، ومن هنا فإن التغيير في المؤسسة القضائية يهدف إلى إصلاح النظام المنهار”.

وتورد الصحيفة نقلا عن إلنور شفيق، وهو أحد كبار مستشاري أردوغان، قوله إن “التقارب مع روسيا وإسرائيل هو جزء من استراتيجية قلب الصفحات، وقد تتبعه إجراءات مماثلة؛ من أجل تهدئة بعض العواصف التي أطلقها أردوغان، مثل تلك العاصفة مع مصر، حيث تدهورت علاقات أردوغان مع ذلك البلد في عام 2013، بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي”.

وتبين الكاتبة أنه على جبهة الإعلام، كانت هناك أخبار جيدة، فقد أفرج ليلة الخميس عن صحافي وناشط حقوق إنسان من السجن، وقال شفيق: “نقوم بتغيير المقود فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وفيما يتعلق بالإعلام، والكثير من القضايا، وأعتقد أن أردوغان سيبدأ بفعل هذا”، ويضيف شفيق، الذي كان يجلس في غرفة واسعة من القصر مفروشة حديثا: “علينا إظهار وجهنا الحقيقي للرأي العام الأمريكي، حيث يساء فهمنا هذه اللحظة بشكل مطلق”.

ويشير التقرير إلى أن “أردوغان جاء للسياسة من الخارج، وأسهم بتأسيس حزب العدالة والتنمية، الذي كان حركة ذات قاعدة شعبية متنوعة، وفاز في الانتخابات ليس بالغش، بل لأن أفراده عملوا بجد”.

وتنقل الصحيفة عن دنجير مير محمد فرات، أحد مؤسسي الحزب، قوله: “لقد استمع أردوغان لأصدقائه، وكان صبورا، ويستشير طيفا واسعا من الناس، وعندما كان يرى عنفا كان يعرف كيف يتراجع”، لافتة إلى أنه من أجل السيطرة على البيروقراطية التركية، عقد أردوغان تحالفا مع رجل الدين الغامض فتح الله غولن، الذي ملأ صفوف الشرطة والقضاء بأعضاء جماعته المتعلمين.

ويقول فرات: “قلت له لا أعتقد أنه يجب ترك أي جزء من الدولة تحت سيطرة أشخاص لديهم أيديولوجية معينة”، ويضيف فرات، وهو كردي ترك الحزب منذ فترة، أن جواب أردوغان كان: “لن يصيبنا ضرر من الذين يتوجهون صوب مكة”، وقال: “نحن لسنا حزبا إسلاميا، بل حزب ديمقراطي لكنه يمضي قدما”.

وتستدرك تافرنيسي بأن “الإسلام لم يكن سبب سقوطه، بل السلطة المطلقة، حيث إنه مع زيادة شعبية أردوغان، وحصوله على إجماع واسع، وغالبية في الانتخابات المتعاقبة، بدأ أردوغان يتصرف بطريقة بلشفية، وصار يعتقد كما يقول المسؤولون السابقون أنه صوت الشعب الحقيقي، ويرى آخرون أن مشكلات البلاد نابعة منه، وليست متعلقة بأردوغان”.

ويورد التقرير نقلا عن مدير مدرسة الدراسات الأوروبية في جامعة بوغازتشي في اسطنبول حاقان التيني، قوله: “نتعامل مع أردوغان على أنه السبب، لكنه جزء من المجتمع التركي”، ويضيف: “لدينا أجهزة ديمقراطية قوية، مثل الانتخابات والمؤسسات، لكن برامجنا ليست قوية، فلا نزال نتفهم الوضع، ولا نزال مستعدين للإذعان للسلطة”.

وتفيد الصحيفة بأن “الكثيرين يقولون اليوم إن أردوغان تبنى العادات القديمة، التي اتسم بها القادة الأتراك قبله، وقد جاء من أجل هزيمتهم، فهو بحاجة إلى حلفاء، وعليه أن يعقد تحالفات مع الجيش، حيث كان رئيس هيئة الأركان شاهدا على زواج ابنته، فيما تتصاعد المشاعر القومية، وهذا أمر يقلق دعاة حقوق الإنسان، الذين وثقوا حالة اختفاء السياسي الكردي من سيرناك، هوريست كولتر، وهي أول حادثة اختفاء منذ عام 2001”.

وتنقل الكاتبة عن رئيس الحزب الوطني القريب من الجيش دوغو بيرنيك، قوله: “أردوغان اليوم محاط بالقوى القومية التركية”.

ويجد التقرير أن “الاقتصاد يظل بمثابة (كعب أخيل) لأردوغان، فالذين يصوتون له موالون، لكنهم يهتمون بوضع جيوبهم أكثر، حيث تراجع الدخل العام في السنوات الأخيرة، والاستثمار الأجنبي.

وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى قول المستشار المالي في اسطنبول عطا الله يزلادا، إن الاقتصاد التركي يعاني من “قرحة لا سرطانا، والإشارات كلها تشير نحو المرض”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى