“طبق الفول وسندروم عقدة الثقافة المنبوذة .. كن نفسك”‏

“طبق الفول وسندروم عقدة الثقافة المنبوذة .. كن نفسك”‏
د. علي المستريحي

المكان: مدينة غولد كوست، استراليا. الزمان: أواخر شتاء 2008 (أواخر الصيف في بلادنا) .. الشخوص: ‏ايثان، لوكاس وأنا ..‏

ايثان ولوكاس شقيقان استراليان اشتريا بيتا واسعا ورغبا أن يشاركهما ثالث، فكنت أنا ثالثهما .. كانت تلك ‏بداياتي ببلد لا أعرف عن ثقافة مجتمعه الكثير، وكانت لدي رغبة جامحة بالتعرف على الثقافة الأسترالية ‏عن قرب، فكانت لي تلك الفرصة .. هي جزء من رحلة الاكتشاف والتجربة ..‏

لا يوجد شيء مميز بأكل الأستراليين غير النقانق المقلية أو المشوية مع الكاتش أب وأصابع البطاطس ‏والسمك المقلية (يسمونها فيش أند تشيبس)، يتم اعدادها بربع ساعة وتناولها بالشوكة والسكين بنفس المدة. ‏أما مطبخنا الشرقي، فأمره شأن آخر .. فمطبخنا مزيج جنوني متنوع من الكثير مما يمكن تذوقه وشمّه ‏ولمسه وسمعه والاكتواء بناره! نعدّ الأكل بساعات ونأكله بدقائق! أما أنا، فلدي الكثير من خيارات الطبخ، ‏لكني لا أتقن صنع أغلبه بشكل احترافي. لكن براعتي كانت تظهر (لنفسي) بطبق الفول المعلب بقليه ‏بالثوم، وطبخه وهرسه وإضافة رشة من بودرة مرق الدجاج وانتهاءً بإضافة الطحينية وزيت الزيتون ‏ويُؤكل بشرائح الخبز المحمصة ومن نفس المقلى الذي أُعدّت فيه مع الفلفل الأخضر الهندي الحار .. هو ‏شيء تعلمته بطريقة التجربة والخطأ والتعديل المستمر أيام دراستي الجامعية الأولى، فأصبح أكلتي المفضلة ‏لسهولته ومذاقه الذي لم أكن أقاومه .. ‏

من يعرف الأستراليين يعرف عنهم البساطة واللطف ممزوجة مع ظرافة وكثير من الفضول والرغبة ‏بالاكتشاف والتجربة .. دعوت ايثان ولوكاس مرة لمشاركتي طبق الفول، فلم يترددا .. ومن هنا كانت ‏البداية .. بعدها أصبحا يطلبانه طلبا.. وقريب من البيت بعد نهاية دوامهما، كانت رائحة الثوم المقليّ هي ‏دليلهما إلى السعادة؛ لأن طبق الفول كان بالانتظار وأصبح حاضرا باستمرار، تماما مثل ثلاثتنا على ‏الطاولة!‏

بعد ذلك، تغير ترتيب وقتي بين العمل والدراسة، فتغير معه وقت تواجدنا معا .. ولكن بأحد المساءات، ‏عائدا للبيت بغير موعدي، بدأت أشتمّ رائحة قلي الثوم تركض إليّ ركضا باستقبال مهيب! هو ما غيره: ‏طبق الفول! يجلس ايثان ولوكاس على الطاولة يتناولان الفول بنفس الطقوس التي اعتادا عليها، وبالخبز ‏المحمص وباستخدام الأصابع! استقبلاني وضحكتيهما تهز أركان طاولة الأكل، فيهتز المقلى طربا! لكن ‏مهلا، ما كان بالمقلى يضرب لونه للأحمر القاني .. ولأن الفول المعلب لم يكن مألوفا للأستراليين وتوفره ‏فقط بعض المتاجر الشرقية، فقد استبدلاه بالفاصوليا المعلبة برب البندورة! شاركتهما الفاصوليا وضَحِكنا ‏حتى انتهينا وحتى شكانا المقلى لفراغه تماما بعد تزاحم الأصابع والدموع تسيل بأوامر الفلفل!‏

عشنا معا سنة كاملة قبل أن نفترق منذئذ، لكن طبق الفول الذي جمع بين ثقافتينا ما زال حيا يرزق، بل ‏توسّع وأصبح حاضرا على مائدة ايثان ولوكاس وعلى مائدة الكثير من أصدقائهما .. وبالرغم من أن ‏المقلوبة والمنسف اللذين كنت أصنعهما بالكثير من العشوائية وعدم اليقين بنتائج كارثية قد لقيا استحسانا ‏واضحا من صديقيّ الاستراليين، إلا أن طريقة صنعي لهما جعل منهما مشروعين فاشلين بامتياز، فطلبت ‏منهما اسقاطهما من قائمة الاختيار تجنبا لعار قبيلتنا! آملا أن يأتي بعدي من هو أكثر أهلية مني ليضعهما ‏بشغف على مائدة الأستراليين. ‏

كُن نفسك، وتحرر، فثقافتنا ليست عار علينا كما حاول المهزومون المرتجفة أياديهم من بني جلتنا زرعه ‏فينا .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى